أشعة الشمس،صيحات تتعالى، ازدحام خانق، رائحة عفنة لاتعرف مصدرها، مئات داخل عربة من الصفيح تفوح منهم رائحة العرق الممزوج بالعطور الرخيصة، والعربة لاتكف عن الاهتزاز، وجعلك تتمايل مثل العرائس الخشبية، دودة حديدية تسير على خطين قد رسما لها مسبقًا لا تعي شيئًا عما يدور بداخلها.

سائق نائم يستسقظ على صوت الركاب المتذمرين ليضغط زر الانطلاق ويغوص في بحور نومه مرة أخرى.

محطات تتوالى، أقصى طموحك أن تجد مقعدًا فارغًا لتجلس عليه هربًا من الزحام حولك، ولكنك تقع تحت أعين المئات من الحاسدين المراقبين لك عساك تترك مقعدك وتغادر؛ فيكون الفوز الأكبر من نصيب أحدهم، لا تجد وسيلة  للتسلية غير قراءة تلك الرواية الجديدة.

وبين الحين والآخر تتلقى سبابًا من أحدهم، ويدفعك إلى الأمام  أو إلى الخلف، لا تعر للأمر انتباهك، هكذا هو الحال دوما.

تستمع إلى أكثر الآرء حنكة وموضوعية، هنالك من يقسم أن الحل للمشكلة الراهنة هو تطبيق الشريعة، وإذا تجرأت واستفسرت عن المشكلة السياسية الراهنة، لن تجد إجابة غير تلك النظرات المحتقرة، وذلك الرجل ذا العينين السوداوين يرجونا كي نصمت؛ كي لا يحدث لنا مكروه ما، تحاول معرفة كهنه هذا المكروه الذى يحظرك منه الجميع، فتتلقى  نظرات لائمة من الجميع.

تحاول إقناعهم بأنك لا تعرف؛  فينظرون  لك نظرة الاحتقار ذاتها، وكأنك الجاهل الوحيد بينهم.

وتسأل نفسك: متى ظهر ذلك الاهتمام المبالغ فيه بأحوال الدولة؟

 لا تجد مبررًا  منطقيًا، ولكنه مثل العديد من الأشياء التي تظهر دون سابق إنذار، وتختفي كذلك، وفي كلتا الحالتين يتوجب عليك احترام الموجة السائدة حولك، اسبح مع التيار، ولا تحاول طرح الأسئلة، حاول التخلص من فضولك، وتذكر لقد قتل الفضول القط.

وككل ظاهرة جديدة  يجب أن تضعها في اعتبارك، وتعتنقها، وقد يصل الأمر إلى الدفاع عنها، والقتال من أجل إثبات صحتها.

وإلا ستظل نظرة الاحتقار لك أينما كنت، دعك من فكرة تطبيق الشريعة الإسلامية؛ لقد أصبحت ظاهرة قديمة للغاية، مارأيك فى تطبيق – الإرهاصات اللامنطقية في العلمانية اللاجوهرية – لاتفهم شيئًا! وأنا كذلك! وهذا هو المطلوب، قل بعض الكلمات التي لا يفهمها أحد وستجد من يظنك الرجل المثقف الواعي ذا الرؤيه والهدف، وسيقوى موقفك وجود تلك الرواية في يدك، ولكن عليك إخفاء العنوان من معرفتهم بقراءتك لمجلدات ميكى ماوس!

وهناك من يفسر سبب عدم إحراز اللاعب للهدف، وهنالك من يضع السماعات في أذنية ويتمايل على نغمات لايسمعها غيره.

وبالتاكيد لن أنسى أن أخبرك عن ذلك المتحرش المحترف تجده في نفس العربة دائمًا، وكأنها من ممتلكاته الخاصة، وجهه نحيل وعيونه جاحظة، يرتدى قميصًا تفوح منه رائحة المنظف الرخيص، يضع ذلك العطر المميز للبالوعات لاغيرها، ولأصابعة استطالة غريبة من نوعها ويستفيد من تلك الميزة كثيرًا.

والسيدة العجوز التي تستغرق في النوم، ولا تفيق أبدًا، والفتاة الحسناء التي حاولت أن تلفت أنظارها أكثر من مرة، ولكنها كانت منشغلة مع أصابع المتحرش الأعجوبة.

وتستمر الأعداد في التزايد، وبعد عناء شديد تتمكن من الوصول إلى باب العربة وتغادر علبة السالمون تلك.

وتغادر محطة المترو، وتقسم أن تقطع علاقتك به، وتعود بعد خمس ساعات؛ فترة تواجدك في الكلية، تعود للزحام، الرائحة الكريهة، الاستماع إلى الآراء بالغة الأهمية والخطورة، ولمشاهدة عزف أصابع المتحرش الأعجوبة.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد