ليس بين الحكم العسكري والتطرف الديني سوى شعرة، ففي الحالتين نجد تفكيرًا سلطويًّا، وطاعةً عمياء، واعتقادًا بامتلاك الحقيقة المطلقة، ورفضًا للرأي الآخر، بل معاملته على أنه خيانة أو كفر وإلحاد، وفي الحالتين تسود القوة على المنطق، القهر والظلم على العقل، وتحسم المعارك بالتصفية والاعتقال أو إقامة الحد حسب تفسير متطرف لا يمت للإسلام بصلة، لا مكان للحوار للنقاش للاعتراض للشك، يصادر حق العقل في الاعتراض واتخاذ موقف مستقل، وتختفي المنابر الإعلامية التي تنمي في الناس ملكة التفكير وحق النقد والاختلاف مع من يحكمون البلاد.

الحكم العسكري في مصر الآن هو الوجه الآخر لداعش بالمعنى الحرفي للكلمة، كلاهما تخرج من نفس المدرسة الفكرية مع اختلاف طريقة التلقين، لا يريدون شعبًا يفكر، بل شعبًا يطيع لا يريدون شعبًا يقرر، بل شعبًا يصفق، كلا النظامين يملك عقلًا اعتاد أن يسير في اتجاه واحد، عقلًا يعجز عن فهم حقيقة النسبية وتعدد طرق الوصول إلى الحقيقة، هذا العقل لا بد أن يوصل أصحابه، دون أن يشعروا، إلى نتائج خطيرة. أن يصبح من بديهياتهم أن لا تناقش، وأن الشك خطيئة، والنقد جريمة، والتساؤل إثم وجريرة.

عبر ستين عامًا قاد النظام العسكري في مصر جموع الناس للبحث عن الأسهل والمريح والتجمع سويًّا حول الرأي الواحد مثلما تتلاصق أسراب الطيور لتحمي نفسها من برد الشتاء، أقنعوا الشعب المصري أنه كلما كان الرأي منتشرًا ومألوفًا كان في انتشاره نوع ما من الحماية لصاحبه، إذ يعلم بأنه ليس الوحيد المؤمن به، بل يشعر بدفء الجموع الكبيرة وهي تشاركه إياه، ويطمئن بأنه يستظل تحت سقف الأغلبية. أما إحساس المرء بأنه منفرد برأي جديد رأي مختلف عن السائد في المجتمع فتلك جريمة تجر على صاحبها السجن والاعتقال والاختفاء القسري والتعذيب وخلافه من وسائل العنف الممنهج الذي تقوم به حكومة العسكر منذ عقود؛ مما يفرز لنا نوعًا من التطرف الديني نعاني منه منذ سنوات.

يجب أن نتعلم كشعب قام بثورة عظيمة في 25 يناير أن طاعة العسكر وباء لا يفلت منه أحد، وإذا أطلقت لها العنان أصابت عدواها الجميع. يجب أن نتعلم أن كل من يفرض الطاعة على من هم دونه، يجد نفسه مضطرًا إلى طاعة من يعلونه. فالأب الذي يمارس سلطات دكتاتورية على أبنائه وزوجته، يجد نفسه خاضعًا مطيعًا في عمله، ومقهورًا مكبوت الحرية على يد حاكمه. وفي جميع الأحوال يظل التسلسل مستمرًا، فلا أحد يفلت من ذل على غيره. حتى الحاكم المطلق يظل حبيس جبروته، لا ينام مطمئنًا، ولا يسافر أو يتحرك إلا تحت أعين حراسه، ولا يملك في لحظة واحدة أن يعصي أمرًا لمن يتحكمون في شئون أمنه وسلامته.

إن الاختلاف والمعارضة سنة من سنن الكون قانون وضعه الله في الأرض حتى لا تفسد، وليس كل من يملك رأيًا فهو عميل وخائن.

وما أسهل اتهام أصحاب الرأي الآخر بالعمالة والخيانة، وربما الكفر، لمجرد أنهم لا يسيرون في القطيع المؤيد للرأي الواحد لا استغرب إطلاقًا ما قاله السيسي لجموع هذا الشعب المسكين بألا يستمعوا لرأي أحد غيره، فليس هذا غريبًا على تلك المؤسسة العسكرية التي تدير البلاد منذ عقود مثله مثل الخليفة الراقد بين الشام والعراق يدعو أتباعه ألا يسمعوا وألا يطيعوا أحدًا غيره، نفس المنطق نفس العقل الفاشي الذي يفكر بطريقة واحدة، الاختلاف الوحيد أن السيسي في مصر يرتدي البدلة العسكرية والخليفة في العراق يرتدي اللحية والجلباب القصير.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد