عندما يتذكر كل منا شهر رمضان فى الزمن الجميل وعاداته والتحول الذي حدث فيه، قد لا يجد شيئًا من هذا الزمن الماضى الذي غربت شمسه دون أن تعود لنا أو تودعنا، فرمضان الماضي هو بلا شك أجمل بكثير من رمضان الحالي الذي يمر على الأمة الإسلامية وجراحها تنزف وآلامها تتزايد في كل بقعة من بقاع الأرض.

يأتي شهر رمضان ودماء المسلمين تسفك وأرواحهم تزهق وأجسادهم تحرق، وتسحل بالشوارع، ومساجدهم تهدم، وأسرهم تشرد، وتهاجر وتذل.

يأتي رمضان وخيرات الأمة العربية والإسلامية تسرق، وتنهب، وحقوقنا تسلب، ومقدساتنا تنتهك، وكثير من أصوات الشرفاء والعلماء ومن الشباب تقمع، وفساد ينخر في بقاع أرض المسلمين ومؤسساتها.

يأتي شهر رمضان فلا نجد إلا غطرسة من الحكام والرؤساء المسلمين ومن عبيد وتجار الدين الذين يضلون ويفسدون عقول الأمة من الساسة المنافقين.

يأتي شهر رمضان وتذهب الأم لتقبل تراب ابنها الشهيد بدلًا عن يأتي هو ليقبل يدها، والزوجة ترثي زوجها والأطفال بحسرة، أعينهم تتحدث، ويأتي رمضان وقلوب الأمهات تحزن على أبنائهن الذين يخرجون في الصباح، ولا يعود منهم أحد.

كيف نشعر بشهر رمضان والفرح والسعادة وكل من حولنا يعاني من وَيْل الحروب والانقلابات والتشرد والظلم والطغيان الذي يعم بلاد المسلمين دون غيرهم.

أصعب ما في هذه الأيام أننا أصبحنا نرى بأعيننا أن الأمة يشتد البأس عليها، والعالم يشاهد ويرى هذه المأساة، ويتساءل كيف لهؤلاء أن يجمعهم دين واحد ثم يقتلون بعضهم بعضًا ويكيد بعضهم كيدًا.

يأتي شهر رمضان على الأمة الجريحة ولم تزل أنهار الدماء تجري في كل مكان للمسلمين دون مراعاة لأية حرمة.

فبأي رمضان نفرح والأمة بلا أمن، ولا أمان، ولا سيادة، لقد اختطفها الفاسدون والطغاة، وقدموها للغرب من دول الإمبراطورية والاحتلال.

يأتي شهر رمضان ويذهب الجميع للمقابر ليتفقدوا آباء وأبناء هؤلاء الأحبة الغوالي ويتذكرون المواقف والأحلام الجميلة بينهم، حتى أصبحت القبور هي المكان الوحيد لكبت الحزن والألم، مهما كان الألم فهو له ثمنه عند الله، وهو ثمن الحرية، والكرامة، والعزة، وإن للنصر فجرًا آتيًا.

وفي رمضان لم ينس أطفالنا ما وقع أمام أعينهم من مجازر وانتهاكات سيأتي يوم الانتقام على يد هذا الجيل الذى عاش هذه الأحداث. فسماء المسلمين حزينة يكسوها الغيوم وشمسها غائبة ومصيرها غير معلوم.

شهر رمضان الحقيقي للمسلمون يكون يوم له معنى وقيمة غالية وثمينة وبهجة وفرح، عندما يسود في بلادهمالعدل والأمن والسلام ونبذ الخلاف، يوم أن نتخلص من الفساد والمفسدين والطغاة.

شهر رمضان الحقيقي الذي نفرح به يوم نصرة المستضعفين والمظلومين في كل العالم الإسلامي خصوصًا سوريا، وبورما، والعراق، ومصر، وفلسطين، وليبيا، وتونس، واليمن.

رمضان يوم أن نستطيع التخفيف عن أهلنا وذويهم من السجناء والمختطفين.

شهر رمضان الحقيقي هو يوم الخلاص من وطأة المجرمين، هو يوم أخذنا بثأرنا ممن عاثوا في الأرض فساد. حينها فقط سنملأ السماء بالتكبيرات والتهليل. حينها فقط سنقول بحق حي على الفلاح لبناء وطن من جديد. ونحن نردِّدُ الآن ماكان يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُهلَّ هلالَ هذا الشهر المبارك على المسلمين أجمعين بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وأن يجعله لهم هلال رُشدٍ وخير، فقد فقدوا الأمن والسلامة، والحرية والكرامة، والبصيرة والرُّشد، وتشعَّبت بهمُ الأهواء، وتفرّقت بهمُ السبلُ، وضلَّ كثيرٌ منهم الطريق، وجَرَت دماؤهم، بأيديهم وأيدي غيرهم، وماتزال تجري، وصرخت فواجعهم ومواجعهم، وما تزال تصرخُ وتصرخُ، وتستغيثُ في كلِّ مكان من الأرض، فلابُدَّ لهمُ الآن من انتفاضةٍ حقيقيةٍ صادقة شاملة تردُّهم إلى الله عزّ وجلّ، وإلى منهج الله عزّ وجلّ، وتُخرجهم من هذه الحالة الزَّرية البائسة اليائسة، فتُحييهم بعد موت، وتجمعهم بعد فرقة، وتُقويّهم بعد ضعف، وتُعزُّهم بعد ذُلّ، وتتقدّم بهم بعد تخلف، وتضعهم على خريطة العالم كرَّة أخرى.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد