قبل الحديث عن بناء دولة حديثة «مصر الحديثة» يُطرح أمامنا سؤالان مهمان ألا وهما كيف؟ ولماذا؟

أما الحديث عن الكيفية فلا بد من اختيار المعايير الأساسية والمتطلبات والاختيارات الاقتصادية الحاسمة حتى تتمكن من وضع خطة سليمة علميًّا لتكون النتائج على مستوى التوقعات فالدراسة والتخطيط الجيد أساس نجاح أي مشروع تنموي.

والسؤال الثاني لماذا؟ وما الدافع وراء ذلك؟ وإلى أين نصل؟

إن غياب الهدف العام يكمن في نقطة أساسية وجوهرية، وهي فعل الكينونة نفسها. إن الإنسان المعاصر الآن يعيش مرحلة من الفوضى اللامتناهية بسبب غياب كينونته التي تشكل هويته التي تحرك فعل الإرادة الإنسانية نفسها.

إن مرحلة بناء دولة جديدة دون النظر إلى ذلك الإنسان الذي لا بد أن يكون له دافع نفسي يحركه ويساعد على تلك العملية المعقدة للانخراط في عملية البناء.

إن الانسان لا بد أن ينطلق من منطلق وجودي يجد ذاته ويبحث عنها ويردها إلى مسارها الصحيح في محاولة إنسانية أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فالتاريخ دائمًا في حركة دفع مستمرة كما قال ابن بطوطة في مقدمته «التاريخ دائمًا في حركة مستمرة والدول تمر بأعمار مثل الإنسان».

إن الفرد العام غير القادر على إحساس المسئولية سواء بالقوة أو بالفعل يمثل خطرًا على مشروع بناء الإنسان الذي يطمح في إعادة البناء مره أخرى للوصول الى الهدف المرجو.

إن عملية الوعي بمفهوم الكينونة الإنسانية وإعادة صياغة المفاهيم من جديد لتحديد المسئولية الإلزامية الأخلاقية ومعرفة الحقوق والواجبات بشكل واضح، هو بداية إعادة وعي هذه الجماهير التي لا يسيطر عليها إلا مفهوم العقل الجمعي الذي أًصبح تائهًا لا يعرف من هو ولا يدري بقيمة نفسه، ولا يعلم ما هويته والقيمة التي يستمدها منها.

إن الطريق الصحيح لبناء دولة هو بناء إنسان قادرً على أن يكون ترسًا في تلك المنظومة المعقدة والتحرر من العشوائية المفرطة في ظل براجماتية تدعو إلى فقدان الهوية ورأس مالية ساحقة تقتل آخر ما بقي من الإنسانية.

وأعتقد غياب دور المنظومة الأخلاقية تخلق حالة من العبث «الجمعي» الذي تصبح فيه الأمور مشوشة ويصبح الإنسان بلا قيمة أخلاقية تحدد أفعاله، فكل هذه الأمور تعوق مشروع البناء الحديث، فما فائدة البناء والإنسان غير واعٍ، وبسبب غياب الوعي قد يكون هذا الفرد هو العائق في مشروع البناء.

فالسؤال الأهم هل للدولة قيمة دون إنسان يعي وكينونة تساعده في تحريك فعله وإرادته الوجودية؟

لا قيمة للدولة دون الإنسان الذي يبني هذه الدولة.

فلا بد أن نعي قيمة الفرد في المنظومة ودوافعه وخلق إنسان قادر على بناء منظومة حديثة لا العكس، فقيمة المجتمعات بقيمة أفرادها.

إن البناء الحقيقي هو بناء الإنسان فبعد كل هذه الانتقالات والأحداث السياسية المصرية أفقدت المواطن هويته ورغبته في البناء فلا بد من مرحلة وعيٍ تعيد للفرد أهميته ودوره في بناء تلك المنظومة.

إن الإنسان الواعي قادر على بناء ألف دولة، أما البناء دون إنسان لا فائدة منها، وقوة المجتمعات بقوة وعي أفرادها وليس مجرد أبنية، والتاريخ يُبرهن على ذلك.

وأكرر إن المرحلة الحالية لا بد أن يتم تهيئة الجماهير نفسيًّا، ولا بد من وضع خطط سليمة لبناء ذلك الفرد الواعي سواء توعية نفسية أو إعادة تفكيك وتركيب بعض المصطلحات عنده، ليكون قادرًا على تحمل تلك المسئولية، ومهمة التوعية والبناء هي مهمة الدولة في الأساس، فلا بد من دراسة ذلك الأمر جيدًا وإعادة التفكير حتى تكون «مصر الحديثة» هي مصر «الواعية» بأفرادها وأبنائها ومؤسساتها.

بناء الإنسان أولًا، والتاريخ يشهد على ذلك.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد