من المعروف أن الأنظمة الملكية البرلمانية التي تبلورت في الملكيات الأوروبية العتيقة، يوجد على رأس هرم السلطة فيها شخص الملك/الملكة والذي يكون دوره رمزيًا وله صلاحيات عدة صورية (مثال توقيع ملكة بريطانيا على المراسيم لتصبح سارية المفعول)، دون أن تكون له إمكانية التدخل في صياغة السياسات العامة. وتكون السلط في هذا النظام السياسي منفصلة فعليًا فالسلطة التنفيدية بيد الحكومة ورئيسها والتشريعية بيد البرلمان. والملك يسود، لكنه لا يحكم.
الملاحِظ للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالمغرب في الآونة الآخيرة سيرى كيف ينطبق ما يسري على الملك في الملكيات البرلمانية على الحكومة بالمغربية.
في البداية نبدأ ببعض الملاحظات على عهد الحكومتين الأخيرتين اللتين قادهما حزب العدالة والتنمية، ونذكر أن العديد من مصائب الشعب المغربي جاءت أو تضاعف وقعها في عهد هاتين الحكومتين، حيث شهد عهدهما استشهاد العديد من أبناء الوطن وآخرهم شهيد المدرسة العمومية عبد الله حاجلي رحمه الله الذي استشهد أثناء قمع معتصم للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد بالرباط، واعتقالات بالجملة في صفوف الحركات الاحتجاجية التي رفعت مطالب اجتماعية واقتصادية، بالإضافة إلى نهج سياسات أزمة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفئات المسحوقة والمتوسطة.
وفي الوقت الذي كنا نظن أننا قطعنا، بالإنصاف والمصالحة (2004) والدستور الجديد (2011) مع قترة سوداء من تاريخ المغرب في ما يخص ماضي الانتهاكات الجسيمة للحريات وحقوق الإنسان، أعاد القمع والتدخلات الهمجية للآلة القمعية للدولة وعشرات السنوات من السجن الموزعة على قادة الحركات الاجتماعية والتضيق على حرية التعبير والأقلام الحرة شبح سنوات الرصاص إلى الواجهة.
وقد عبرت ردود أفعال الحكومة تجاه هذا الاحتقان الاجتماعي والحركات الاجتماعية التي رافقته في مختلف ربوع الوطن (الريف، جرادة، زاكورة…) من اتهام بالتخوين تارة ومحاولة إضفاء الشرعية القانونية على التدخلات القمعية والاعتقالات والاختطافات تارة أخرى، عن الوضع السياسي بالبلاد الذي تلعب فيه الحكومة دور «شاهد ما شافش حاجة».
حكومة بدور رمزي يقوم دورها على تنزيل وتنفيذ سياسات لا دور لممثلي الأمة في تشريعها، تدخل أحيانا قبة البرلمان لتخرج منها مباركة إن وجدت بداخله من يباركها. الحكومة ورئيسها، ورغم كل الصلاحيات التي منحها له الدستور الجديد ظل عاجزًا عن إيجاد الحلول للعديد من القضايا العالقة وكان دائمًا ينتظر التعليمات التي تنزل من السماء.
واستمرار الوضع كما هو عليه اليوم لابد أن تكون له نتائج قد لا يحمد عقباها، بل إن إعادة نهج نفس المقاربات خصوصا المقاربة الأمنية لحل الأزمات لا يعدو أن يكون إلا صبا لمزيد من الزيت على شعلة لهب الاحتقان الذي يزداد يومًا بعد يوم بفضل سياسات لا ترقى إلى مستوى تطلعات الشعب المغربي، بل تزيد الوضع الاجتماعي والاقتصادي للفئات المسحوقة تأزمًا.
في ظل هذا الوضع خرجت الحكومة الحالية كباقي الحكومات السابقة لتعرض إنجازاتها حتى الآن وبلا حياء ولا حشمة تؤكد على أنها حققت ما لم تحققه أي حكومة سابقة وأنه لا ينكر ذلك إلا أخنوشيٌّ أو مبخس لعملها، في حين أن الإنجاز الوحيد الذي حققته حتى الآن هو صمود ذلك الائتلاف الحكومي بست خضاري ( ستة أحزاب) إلى هذه اللحظة.
أرقام وإحصائيات حول تطور عدد مناصب الشغل والزيادة في ميزانية العديد من برامج الدعم الاجتماعي وغيرها من الإنجازات التي تحققها كل الحكومات، لكن دون أن تأثر على الوضع الاقتصادي والاجتماعي العام للمغاربة. ومن غرائب وعجائب خرجات بعض المنتمين للحزب الذي يقود الحكومة، محاولة للتهرب من مسؤليته على الأوضاع الكارثية في بعض القطاعات كالتعليم والصحة، قولهم أن هاتين الوزارتين على رأسها وزراء ليسوا من حزب العدالة ووالتنمية، الحزب الذي يترأس الحكومة، لذلك فليس من الممكن أن يتحمل الحزب مسؤولية ما يجري في وزارات لا يمتلك حقائبها بالرغم من أنه هو من يقود الحكومة.
هي إذًا حكومة أخرى لتصريف الأعمال وتنفيد الأوامر. وحكومة أخرى تفوز بالانتخابات من أجل الإستعداد للانتخابات التي تليها لا أكثر ولا أقل، حكومة تسود ولا تحكم.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست