شعب الأنوار والإنتاج الفكري الغزير لا يمكن أن يكون عنيفًا لهذه الدرجة، من يبدأ يومه بالكرواسون، ويطرب مسامعه بنغمات جاك بريل وشارل أزنافور، لا يجوز أن تصدر من هذه الأفعال التخريبية. لا يمكن أن يحتج المرء على عدم قدرته على السفر صيف كل سنة خارج أرض الوطن، لماذا يملك الغاضبون من ماكرون النفس الطويل بينما تبددت حملة مقاطعتنا، ولم تُجد احتجاجاتنا حول الإبقاء على الساعة الإضافية نفعًا؟ لعلها بعض من انطباعات المغاربة على احتجاجات السترات الصفراء، التي يخوضها الفرنسيون منذ أسابيع تعبيرًا عن غضبهم بالأساس من الرفع من سعر المحروقات.

تهافت المغاربة على التعقيب على احتجاجات فرنسا، يرجع بالأساس إلى مرحلة الإستعمار التي لازالت تلقي بظلالها على المغرب على عدة مستويات ثقافية واقتصادية ومجتمعية، تجعل بلا شك من فرنسا شريكًا اقتصاديًا وحليفًا سياسيًا، قد يكون لأي تغيُر في خارطته السياسية تأثير مباشر أو غير مباشر على المملكة المغربية. علاوة على هذا، يوتوبيا التفاعلية والمشاركة -الإلزامية – جعلت من البعض يتوهم بأنه ملزم بأن يدلو بدلوه مع الدلاء تعليقا على ما يحث في فرنسا.

بين سهام البذاءة التي رماها كتاكيت المغرب في صدر رئيس الحكومة المغربية، والتخريب الذي طبع بعد المظاهرات المناهضة لقرارات الحكومة الفرنسية، أصر مغاربة على الربط بين مايحدث في القارة العجوز والأوضاع في بلدهم لاعتبارات عديدة:

1- النفس الطويل

لم يعد أحد يذكر حملة المقاطعة، التي انطلقت قبل أشهر في المغرب ضد ثلاث منتوجات حيوية.

قبل أن يقطف المغاربة ثمار احتجاجهم الراقي والسلمي، كُتب لشمس – لسبب أو لآخر – احتجاجهم السلمي الأفول، معطى جعل العديدين يقارنون بين استمرار الفرنسيين في الاحتجاج رغم تراجع حكومة إدوارد فيليب عن قرارتها، وتراجع المغاربة عن احتجاجاتهم وتناسيهم لها رغم تعنت الشركات المقاطَعة وإصرار الحكومة على عدم التراجع عن قرارتها.

علاوة على هذا، مازال العديد من المغاربة يعانون من تبعات قرار الإبقاء على الساعة الصيفية، لكن الجميع اختار طواعية الانزواء والرضوخ للأمر الواقع، وكأن الشعارات البذيئة التي رفعها التلاميذ في وجه رئيس الحكومية على خلفية هذا القرار كانت مجرد استجابة لنداء الكاتب ستيفان هسيل: اغضبوا.

لماذا لا نملك النفس الطويل؟ هل استسلم المغاربة بشكل مطلق للقرارات غير الشعبية؟ هل بحثنا عن الأمن وضحينا بالكرامة ففقدنا الاثنين؟ قد أعرف الإجابة عندما تعرفون.

2- تباين في المطالب

بنبرة يغلب عليها التهكم، أعرب العديد من رواد مواقع التواصل الإجتماعي عن استغرابهم وخجلهم من التباين الواضح بين مطالب الشعبين الفرنسي والمغربي، فبينما يطالب الأول بمزيد من الرفاهية ويندد بتغول المد النيوليبرالي ودعم ماكرون للأثرياء، ما زالت احتجاجات المغاربية ومن بينها حملة المقاطعة الأخيرة، تحمل مطالب بسيطة، كالعيش الكريم وتجويد الخدمات الصحية وتطوير المنظومة التعليمية.

مع الاحترام الكامل للإرث الثقافي والحضاري والتاريخي للبلدين، تبقى مقارنة الأوضاع بين فرنسا التي أرصت منذ سنوات دعائم الديمقراطية ولم تعرف احتجاجت بهذا الحجم منذ سنة 1968 والوضع في المغرب أمرًا مجحفًا، فلكل بلد خصوصياته وإصرار البعض على بعض الإسقاطات هو انزلاق حقيقي يدعونا بالأساس إلى الإنكباب على تحليل واقعنا وفعلنا الاحتجاجي.

3- تأويلات لا تنتهي

من منشور فيسبوك يرى أن هجرة العرب كانت من أسباب اندلاع احتجاجت السترات الصفراء، إلى تساؤل جريدة ورقية حول إمكانية اندلاع خريف أوربي، تباينت تأويلات المغاربة لما يحدث في بلد الأنوار.

نظرية المؤامرة التي تعشش في لاوعي المواطن العربي عموما، كانت حاضرة كالعادة، حيث اعتبر البعض أن مناوشات الشانزليزيه ليست عفوية ويقف وراءها اليمين المتطرف أو جهات أخرى.

في حين، انتصر السواد الأعظم لفرضية أن احتجاجات السترات الصفراء عفوية، تعكس تنامي الوعي عند المواطن الأوربي ورفضه للمد النيوليبرالي وإصلاحات ماكرون.

عمومًا، الفعل الاحتجاجي في المغرب يحتاج الكثير من الـتأمل والدراسات النظرية، انطلاقًا من حملة المقاطعة مرورًا بشعارات التلاميذ أمام البرلمان، ووصولًا إلى شعارات الجماهير في الملاعب، وأخرها أغنية (في بلادي ظلموني)، التي هزت كيان العديد من المواطنين في الوطن العربي بجرأتها.

رغم اختلاف خلفيات ودوافع احتجاجات السترات الصفراء مع تلك التي عرفتها المملكة على امتداد الشهور الأخيرة، إلا أنه يجب الاستفادة من جديتها وتمسكها بمطالبها، رغم تجاوب الحكومة الفرنسية، مع تحاشي كل أشكال العنف التي جعلت منها الدولة ذريعة لتوزيع سنوات من السجن على المحتجين في حراك الريف وزاكورة وجرادة عوض التفاعل إيجابًا مع مطالبها.

لم يخطئ علال الفاسي عندما قال: هم رجال ونحن رجال، يجب أن نتخلص من عقدة النقص التي تمنعنا من الوقوف، فطريق إرصاء دعائم الديمقراطية في المغرب ما زال طويلًا لكنه ممكن، شريطة أن نتمسك بمطالبنا لأنها مشروعة. فمن يدري، فقد يأتي اليوم الذي ترتقي مطالبنا لمطالب أصحاب السترات الصفراء، ونتوقف عن التهكم بقولنا: لو حدثت احتجاجات مماثلة في المغرب، كل ما كان سيحدث هو ارتفاع ثمن السترات الصفراء.

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

المغرب
عرض التعليقات
تحميل المزيد