استقلال القضاء أخذ حيزًا كبيرًا في الحديث في الآونة الأخيرة على اعتباره من أهم المستجدات التي شهدها المغرب والتي يقع الرهان عليها لتحقيق العدل والإنصاف وقيام دولة ديموقراطية، وقد اتخد ذلك عدة توجهات انصبت لتحقيقه.
ويعتبر استقلال السلطة القضائية الضامن والرهان لتحقيق الحكامة الجيدة وتعزيز ثقة المواطنين بمؤسسات القضاء وكذلك تحقيق الأمن القضائي. فما المقصود باستقلال السلطة القضائية؟ وما هي أهم أوجه تحقيق الاستقلال المنشود؟
إن إستقلال السلطة القضائية استقلال قائم على الفصل بين كل من السلطات الأخرى أي السلطة التشريعية (البرلمان) والسلطة التنفيذية (الحكومة) واعتبار القضاء في المقابل سلطة قائمة بذاتها وفق ما نص عليه دستور 2011 بالباب السابع منه وخاصة الفصل 107: «تعتبر السلطة القضائية سلطة مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، والملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية» ما يبين إلى أي مدى تم الارتقاء بها.
واستقلال القضاء قائم على مبدئين أساسيين والحديث هنا حول الاستقلال الذاتي والاستقلال المؤسساتي إذ لا يمكن تحقيق استقلال السلطة القضائية في غيابهما.
الاستقلال الذاتي بداية يتم من خلاله العمل على ضمان حماية القضاة من أية تأثيرات قد تطالهم سواء كانت داخلية أو خارجية بكيفية غير مشروعة. فنجد أنه وفي ظل المستجدات الأخيرة لم يتم التمييز بين القضاء الجالس (قضاة الأحكام) والقضاء الواقف (قضاة النيابة العامة) إلا في إطار ضيق مرده خصوصية المؤسسة التابعين لها.
فإن كان قضاة الأحكام يتمتعون باستقلالية تامة وعدم قابلية أية تدخل من جهة أخرى فإن الأمر بالنسبة لقضاة النيابة العامة يختلف في هذا الصدد على اعتبار أنهم يخضعون للأوامر القانونية الكتابية فقط الصادرة عن رؤسائهم.
وذلك ما نص علية الفصل 109: «يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة أمام القضاء، ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط، يجب على القاضي كلما رأى أن استقلاله مهدد أن يحيل الأمر للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
يعد كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيًا جسيمًا بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة.
أيضًا نجد الفصل 110: «لا يلزم القضاة إلا بتطبيق القانون ولا تصدر أحكام القضاة إلا على أساس التطبيق العادل للقانون، يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها».
أما فيما يتعلق بالاستقلال المؤسساتي وما له من دور هام في تحقيق وتطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة وكذلك تعزيز الثقة المنشودة، فنجد المشرع المغربي عمل على تحقيق وتطبيق استقلال النيابة العامة وذلك ما جاء جليًا من خلال قانون رقم 33.17 إذ تم بموجبه إنهاء التبعية السابقة للنيابة العامة لوزارة العدل وخروجها من جبة السلطة التنفيدية بعدما كانت تابعة لها سابقًا، ومنح كافة الصلاحيات المخولة لها في السابق للمجلس الأعلى للسلطة القضائية كما جاء موضحًا بالقانون التنظيمي 106.13 مع مراعاة خصوصية النيابة العامة وذلك في إطار تسلسلها الهرمي وجعل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيسًا لها بدل وزير العدل كما نصت المادة 2 من ق 33.17: «يحل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسًا للنيابة العامة محل وزير العدل في ممارسة الاختصاصات الموكولة إليه المتعلقة بسلطته وإشرافه على النيابة العامة وقضاتها…».
هذا الاستقلال وإن كان يعفي قضاة النيابة العامة من التبعية والمساءلة السابقة من لدن وزارة العدل فإنها في المقابل أصبحت ممكنة من طرف الوكيل العام للملك أو من لدن المجلس الأعلى للسلطة القضائية في إطار الضمانات التي منحت إليه.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست