الرد على مقال “المغرب، ديمقراطية وحيدة في الشرق الأوسط”:
قرأت مقالًا نشره موقع ساسة بوست بعنوان “المغرب، ديمقراطية وحيدة في الشرق الأوسط” بتاريخ 14/10/2015، والذي قام بترجمته السيد طارق فرحات المشكور على كل حال، فأثارني المقال بعدة هفوات وتناقضات ومعلومات خاطئة، لو يسمح لي القراء الكرام، سأحاول الرد عليها في مقالي هذا ما استطعت، في نقط سريعة، باعتباري مواطنًا مغربيًّا أحاكي الواقع جيدًا هنا في المغرب:
العنوان: المغرب، ديمقراطية وحيدة في الشرق الأوسط:
المُلفِت للنظر في العنوان أنه اعتبر المغرب أحد بلدان الشرق الأوسط، فإذا عدنا إلى تعريف الشرق الأوسط، سنجد أن هذا الأخير عبارة عن منطقة جغرافية تشمل الدول العربية الآسيوية بالإضافة إلى تركيا وإيران ومصر، فضلا على أن المغرب هو أقرب جغرافيًّا لإسبانيا والبرتغال وفرنسا عن الشرق الأوسط، فالمغرب إذًا لا ينتمى بتاتًا إلى الشرق الأوسط.
لنتقبل ما ورد في العنوان، والذي دحضناه سابقا، فتركيا التي تنتمي فعلا إلى المنطقة تفوق المغرب بسنوات ضوئية في مجال الديمقراطية، فقد سبق لي أن عايشتُ الانتخابات الرئاسية في ذلك البلد ورأيت اهتمامًا شديدًا للمواطنين بتلك الانتخابات، على عكس نظيرتها في المغرب، حيث أن أكثر من نصف الشعب المغربي مقاطع للانتخابات فضلا عن حملات انتخابية لا تثير في نفوس المواطنين إلا السخرية. فالمغرب إذًا ليست هي الديمقراطية الوحيدة وليست في الشرق الأوسط.
الحكومة الإسلامية:
وقد ذكر في المقال أن الحكومة “الإسلامية” المتمثلة في حزب العدالة والتنمية منذ صعودها سنة 2011، وضعت نصب أعينها قضايا الوظائف والنمو الاقتصادي، ووضعت أمامها دائمًا رؤية للدين بوصفه محددًا للعادات والقيم الاجتماعية، وهذا ما يدل على أن الحكومة “الإسلامية” قامت بفصل الدين عن السياسة، فالحري بنا إذا أن نسميها حكومة علمانية، فهاذا ما أظهرته، أما إسلاميتها المزعومة فلم نرَ منها سوى بعض التكبيرات والأحاديث الشريفة والآيات القرآنية لتزين بها خطاباتها وحملاتها الانتخابية.
ولا يمكننا أصلا أن نقبل بمسمى الحزب الإسلامي في المغرب، باعتبار أن الملك أعلى سلطة دينية في البلد، وكما تم ذكره في المقال “يستطيع الملك أن يحكم رجال الدين، وأن تتم قراءة خطبه في المساجد على الصعيد الوطني، وحتى أن يقوم بتغيير المناهج الدراسية في المدارس الدينية. ويتطلب الدستور للاعتراف بأي حزب سياسي قانونيًّا، أن يقر وينصاع لسيادة الملك الدينية”، وبالتالي فكيفما كانت الحكومة (إسلامية، علمانية، ليبرالية،…) فلا يمكنها التدخل في الشؤون الدينية للبلاد. إذًا فحزب العدالة والتنمية هو حزب سياسي عادي.
محاربة الفساد:
وقد ورد في المقال أيضًا، أن الحزب وضع نصب أعينه محاربة الفساد، وهذا الأمر ليس بالصحيح إطلاقًا، فقد سبق وأن صرح رئيس الحكومة، منذ أول أيامه، عندما سئل عبر قناة الجزيرة بشأن محاربة الفساد، فكانت إجابته: “عفا الله عما سلف”، وأكد بعدها للصحفي أحمد منصور أن محاربة الفساد في المغرب أمر مستحيل، وقد سبق لرئيس الحكومة أن هدد ياسمنة بادو (نائبة برلمانية) بفضح ملفات فساد تتعلق بها ولم يفعل، وهذا ما يوحي أن الرجل يدرك تمامًا حجم الفساد ولا يريد محاربته، العجب العجاب!
المساجد والسياسة:
كثيرًا ما تصدع رؤوسنا القنوات التلفزية المحلية بمبادرات وزارية، تارة حول التبرع بالدم مثلا، أو الرضاعة الطبيعية، أو خطر حوادث السير، أو مشاركة في انتخابات، أو …، فنفاجأ يوم الجمعة بخطب تتماشى وتلك المبادرات المطلوقة، وليس لإمام المسجد حتى الآن الحرية الكاملة في اختيار خطبة الجمعة، فغالب الأحيان تفرض وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الخطبة على أئمة المساجد. (وهذا الأمر سبق لي أن ذكرته في مقال “هل المشايخ والدعاة يقدمون لنا الخدمة كما يلزم الأمر؟).
بخصوص ديمقراطية البلد:
بالرغم من تعدد الأحزاب والجمعيات والنقابات والجرائد والمجلات، إلا أنها تؤدي تقريبًا نفس الوظيفة، فلا يوجد اختلاف كبير بينها، ولا تقاس الديمقراطية أصلًا بعدد الأحزاب والنقابات، وللأسف لا يزال بعض البرلمانيين يتعاركون بينهم كما يتعارك الأطفال على الألعاب، مما يجعل البلد لا يزال بعيدًا عن الديمقراطية الحقيقية. وكقبول للأمر الواقع، يفضل الكثير من الساسة المغاربة أن يصفوا المغرب بالبلد المتجه نحو الديمقراطية.
والإيمان بالديمقراطية يعني قبول الاختلاف بشتى أنواعه، واحترام الحريات بشتى أنواعها، الأمر الذي ما زال من الصعب تجسيده في الواقع المغربي لاعتباراتٍ أو لأخرى. فالمغرب إذًا ليس دولة ديمقراطية كما ورد في المقال.
والدستور المغربي يقرُّ بـ”إسلامية” الدولة، أي أن المغرب دولة “إسلامية سنية” حسب الدستور المغربي، ومن الصعب على العقل أن يقبل بأن المغرب دولة “إسلامية ديمقراطية”، نظرًا للهوة الكبيرة بين الأمرين، فبصفة عامة الدولة الإسلامية تعطي الحكم لله، أما الديمقراطية (ديموس= الشعب ؛ كراتوس= حكم) فهي تعني حكم الشعب، وليس حكم الله، وهدفها الأساس هو إعطاء الأصالة للإنسان بصفته كائنًا غير مسؤول أمام الله، فلا تنسجم الديمقراطية الغربية والديمقراطية الدينية أو الإسلامية في المبنى والأصول بالمرة.
حزب الأصالة والمعاصرة:
حزب الأصالة والمعاصرة أو ما تطلق عليه وسائل الإعلام الأجنبية بـ”حزب القصر” أو “حزب الدولة العميقة”، أنشئ سنة 2008 من أحد الأشخاص المقربين من الملك، والذي يعمل مستشارًا للملك حاليًا، هذا الحزب حديث النشأة إلا أنه يتمكن من الحصول على نتائج متقدمة منذ انتخابات 2009، الأمر المثير للغرابة، وتعجبت كثيرًا لأن المقال ذكر فيه هذا الحزب فقط بالرغم من تواجد أحزاب أخرى تنافس العدالة والتنمية لا داعي لإشهارها.
وقد ختم المقال بـ”هذا هو الطريق للدمج السلمي للأيديولوجيات السياسية المتباينة وهو أفضل بديل للحرب الأهلية”، بمعنى: إما لك أن تقبل طريقتنا، أو تكون خسرانًا، وهذه الثقافة لا تقبلها الديمقراطية أولا، وثانيًا بصفتي مغربيًّا، لا أعتبر بلدي هي “المثل الأعلى” لأننا لم نصل إلى الديمقراطية التي ينشدها المقال، فالحري بالبلدان الشقيقة التي تعيش أزمات أن تتخذ منهجًا غير الذي في المغرب.
في الأخير، أود التوضيح بأن الأمن الذي ينعم به المغرب بفضل الله لا يعني أن المغرب وصل إلى حد المدينة الفاضلة كما هو مزعوم، وهذا ليس تنقيصًا من بلدي الحبيبة، لا بالعكس، واقع يجب العمل على تحسينه عوض المجاملة والمبالغة وتأليف الرومانسيات.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست