لقد سعى المغرب جاهدًا لدعم كفاح الشعب الجزائري في معركته ضد الاستعمار الفرنسي، حتى بعد نيل المغرب لاستقلاله، إلا أنه أبقى على دعمه ومساندته للجزائر ولم يتوقف، بل على العكس صار أقوى من ذي قبل فاللغة والدين والعرق والعادات المشتركة بين هذين البلدان الشقيقان، كلها عوامل جعلت من الثورة الجزائرية وكأنها ثورة المغاربة ملكًا وشعبًا وحكومة.

فقد عمل المغرب الأقصى على الوقوف إلى جانب الشعب الجزائري في كفاحه ماديًا ومعنويًا لنيل استقلاله، جاعلًا من ترابه قواعد خلفية للثورة وذلك عن طريق إنشاء عدد من مراكز التدريب العسكري ومصانع الأسلحة وتهريبها في اتجاه الجزائر. واستقبال الجرحى واللاجئين الفارين من بطش الاستعمار الفرنسي، بالإضافة لذلك مساعدة المغرب للجزائر في التكوين والتدريب العسكري للمناضلين الجزائريين داخل البلاد في عدة مناطق (كالناظور، ومنطقة وجدة، وجرادة، والعيون).

ولم يقتصر دعم المغرب للجارة على هذا الاتجاه فقط، بل سعى جاهدًا لنشر كل ما يتعلق بمستجدات القضية الجزائرية وثوراتها عبر المنابر الإعلامية بغيت حشد المزيد من الثوار وبث الحماس في النفوس من أجل النضال ورفع خضوع الاستعماري وفضح الجرائم الوحشية التي يرتكبها المحتل الفرنسي في حق الجزائريين، كصحيفة «العلم المغربية»، «صدى الصحراء»، «جريدة المستقبل»، و»جريدة المجاهد»، التي قامت جبهة التحرير الوطني بإخراجها إلى المغرب إثر معركة الجزائر، و»جريدة المقاومة»، التي قامت أيضا جبهة التحرير الوطني بإصدارها بالمغرب، ومن بين الإذاعات الجزائرية بالمغرب «الإذاعة السرية»، التي كانت تبث برامجها من طنجة، وإذاعة «صوت الجزائر»، والذي كان يبث برنامجها في كل من الرباط تطوان وطنجة سنة 1956.

كما كانت تنظم عدد من المظاهرات والحملات التضامنية بكافة أنحاء المغرب احتجاجا على جرائم الاستعمار الفرنسي وتنديدًا باستقلال الجزائر وتحرير المعتقلين، وقد كانت أيام التضامن التي تتكرر دوريا تحصل مبالغ مالية معتبرة ومساعدات مختلفة تجمع عبر أنحاء المغرب، وتدفع لمسئولي جبهة التحرير الوطني، كما لم يخف حزب الاستقلال المغربي تضامنه المادي والمعنوي مع الثورة التحريرية، ففي عيد الأضحى من شهر يوليو (تموز) 1985، قرر الحزب تنظيم حملة تبرع بجلود الأضاحي لصالح جيش التحرير الوطني، كما يؤكد البعض أن الشعب المغربي في بعض المناطق كان يتنافس على تقديم الزكاة لصالح المجاهدين الجزائريين.

لقد دعم المغرب الثورة الجزائرية بكل قوة سعيا لتحقيق الاستقلال رغم الضغوط الفرنسية عليه، وقد عمل الملك محمد الخامس دورًا خاصًا في التفاعل مع القضية الجزائرية ودعمها بالرغم من حداثة استقلاله والضغط الكبير الذي تعرض له من طرف الحكومة الفرنسية، التي كانت تساومه للتخلي عن القضية الجزائرية وتهدد سيادته ووحدة ترابه بصفة خاصة، إلا أن الملك لم يرضخ للتهديدات وبقي على عهده كما عاهد الدكتور حافظ إبراهيم، (مناضل تونسي دستوري) عندما قال له: «بلغ يا حافظ… بلغ الإخوة الجزائريين بأن المغرب ملكًا وحكومة وشعبًا باقون على العهد، إلى أن تتحرر الجزائر ونحتفل بيوم استقلالها وحريتها». فلطالما اعتبر الملك محمد الخامس أن القضية لا تخص الجزائريين فحسب بل تهم المغرب كذلك، لأنها أختنا وجارتنا ومصيرنا متعلق بمصيرها، وكل ما يقع فيها يترك صدى عميق في المغرب… إلا أن المغرب لم يسلم من وقوفه إلى جانب الجزائر فقد شنت فرنسا على إثر مساعدة الشعب المغربي للجارة الجزائرية سلسلة من الاعتداءات والمضايقات، من بينها عملية قرصنة الطائرة المغربية المقلة للزعماء الجزائريين، كما تعرضت الكثير من القرى والمدن المغربية على الحدود إلى الاعتداءات الفرنسية التي راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من الجزائريين والمغاربة، وألحقت أضرار بجيش التحرير الوطني ومراكزه الوطنية والعسكرية على الحدود.

وهكذا كان المغرب سباقًا دائمًا لمساعدة الجزائر باعتباره واجبًا، وليس من باب الأخوة فقط، وحسن الجوار، وقد وقف الملك والحكومة والشعب المغربي مع القضية الجزائرية وكأنها قضية المغرب خاصة، ضاربين عرض الحائط كل التهديدات الفرنسية والإيداءات التي تلقوها جراء مساندتهم للجزائر.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد