مدخل

يمكن القول إن المعركة الجارية لاستعادة مدينة الموصل من سيطرة تنظيم داعش ومسارها، لن تحدد مستقبل المدينة فحسب، وإنما ستحدد مستقبل العراق والتوازنات الإقليمية والعالمية أيضًا، لأن المخاطر الكبيرة التي ستعقب هذه المعركة والتخطيط لها سيلقي بظلاله على المستقبل بصورة عامة.

وبعد ما يزيد عن عامين من سيطرة تنظيم داعش على هذه المدينة، ما يزال العراق يعاني من شلل وأزمات سياسية، ناهيك عن الصراعات الطائفية والقومية، وهذا ما يطرح تساؤلًا مهمًا حول قدرة الدولة عبر أجهزتها الأمنية والعسكرية على ضبط الأوضاع الأمنية والسياسية في هذه المدينة بعد استعادتها من سيطرة التنظيم.

إن الحديث عن مآلات معركة الموصل ليس من السهولة بمكان، وذلك نظرًا لكثرة الفواعل الموجودة على ساحة المعركة وتخومها، والتي تروم جميعها فرض نفسها باعتبارها قوى أمر واقع في مرحلة ما بعد داعش، انطلاقا من حسابات جيوسياسية وإثنية وطائفية قومية متعددة.

الأطراف المشاركة في معركة الموصل

التحالف الدولي

شكل دخول تنظيم داعش إلى مدينة الموصل عام 2014، بداية الانطلاقة لهذا التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ويضم حوالي 62 دولة، ويهدف لمحاربة تنظيم داعش، ووقف تقدمه في العراق وسوريا بعدما سيطر التنظيم على مساحات شاسعة في البلدين، إذ اتفقت جميع الدول المشاركة بالتحالف على عدم إرسال قوات مقاتلة على الأرض، والاكتفاء فقط بتدريب وتسليح الجيش العراقي و«المعارضة السورية المعتدلة» والقوات الكردية، وتشرف قوات التحالف على عمليات الإعداد والتدريب وتقديم الاستشارات العسكرية، كما تقدم الإسناد الجوي والمدفعي للقوات المشاركة.

الجيش العراقي

تم إعداد الفرقة 15 والفرقة 16 والفرقة المدرعة التاسعة واللواء الرابع من الفرقة الثامنة وقوات الشرطة الاتحادية وقوات جهاز مكافحة الإرهاب، بالإضافة لقيادة عمليات نينوى التي تتكون من الفرقة السابعة وبإسناد من سلاح الجو العراقي لخوض معركة الموصل.

الحشد الشعبي

قوات شبه عسكرية مدعومة من إيران ومؤلفة من 41 فصيلًا مسلحًا، شاركت في العديد من المعارك ضد التنظيم في صلاح الدين والأنبار وديالي، وإحدى القوى الرئيسة المشاركة في معركة الموصل، وأسندت لها مهام الدعم والإسناد اللوجستي، فضلا عن تسلمها ملف تحرير تلعفر من قبضة التنظيم، وأبرز الفصائل المشاركة في معركة الموصل ضمن مسمى الحشد الشعبي هي فيلق بدر وعصائب أهل الحق وحركة النجباء.

قوات البشمركة الكردية

تشارك قوات البشمركة الكردية بثلاثة ألوية عسكرية بالإضافة إلى وحدة مدفعية وفرق هندسية.

الحشد الوطني والحشد العشائري

تقدر الأعداد الأولية بأربعة آلاف مقاتل للحشد الوطني، يضاف لها الحشد العشائري، ويسعى كلاهما لتأدية دور بارز في معركة الموصل وما بعدها، من خلال تقديم الدعم والإسناد للقوات المهاجمة ومسك الأرض في المدينة بعد تحريرها.

تنظيم داعش

تتألف قوات تنظيم داعش في مدينة الموصل حسب المعلومات الاستخبارية المتوافرة لدى قوات التحالف الدولي إلى وجود ما بين5 و7 آلاف مقاتل في المدينة، من بينها كتيبة طارق بين زياد وهم من المقاتلين الأوربيين الأجانب، وكتيبة الانغماسين العرب والعراقيين، و3 آلاف مقاتل خارج المدينة في المدن والقرى المحيطة بمدينة الموصل، فضلًا عن جيش دابق والذي يشترك لأول مرة بعمليات عسكرية منذ السيطرة على مدينة الموصل، كما أشارت تقارير استخبارية فرنسية يوم أمس عن استقدام التنظيم لمئات المقاتلين من سوريا إلى الموصل من أجل إدامة زخم المعركة ورفع معنويات مقاتلي التنظيم.

التداعيات المحتملة

محليًا

تفرض معركة الموصل مجموعة من التداعيات المحلية من أهمها:

  • عدم وجود بيانات واضحة لضحايا العمليات العسكرية من قبل الجانبين.
  • لم يتم اتخاذ أية إجراءات فاعلة لمواجهة عمليات النزوح الجماعي.
  • عدم وجود رؤية واضحة لإدارة المدينة بعد تحريرها سياسيًا وأمنيًا، ومن هي الجهات المسؤولة عن ذلك؟
  • المناطق المتنازع عليها مع إقليم كردستان العراق، وإمكانية تفجر صراعات جديدة.
  • إن الحياة الاقتصادية في مدينة الموصل لا بد من إعادة إحيائها نتيجة الركود الاقتصادي والجمود الذي عاشته خلال حقبة داعش، وسيبقى أثرها إلى أمد بعيد نتيجة الدمار والخراب التي تعرضت وتتعرض له الدوائر الحكومية الذي خلفه تنظيم داعش والقصف العشوائي من قبل التحالف في بعض الأحيان.
  • الآثار النفسية التي ستظهر في نفوس المواطنين الذين كانوا تحت سيطرة تنظيم داعش، بل وحتى في صفوف النازحين العائدين وخوفهم المستمر من عودة مثل هذه التنظيمات.

إقليميًا

تركيا

تعي تركيا حجم المخاطر الجيوسياسية التي قد تسفر عنها معركة الموصل، وبالتالي فهي تسعى إلى:

  1. تأمين نفوذها السياسي والاقتصادي في هذه المدينة من خلال تقوية مراكز تأثيرها فيها وتحديدًا آل النجيفي.
  2. السعي إلى إبقاء هذه المدينة خارج أي تأثيرات كردية حكومية.
  3. الحفاظ على الطابع القومي لمدينة تلعفر، وإبعاد شبح الحرب الطائفية عنها، لما تمثله من قيمة إستراتيجية عليا لها.
  4. السعي إلى تأمين الشريط الحدودي الجنوبي لها خصوصا على الشريط الممتد من غرب الموصل وصولًا إلى الحدود السورية الشمالية، وتحجيم واحتواء أي تأثير كردي مستقبلا، قد يهدد الأمن التركي بالصميم، والقضاء على حلم الدولة الكردية المستقبلية، لأنها تعي جيدا حجم المخاطر الإستراتيجية الناجمة عن سيطرة الكرد على هذه الشريط الممتد على طول الحدود العراقية السورية، والذي يسيطر عليه حاليا عناصر حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردي التي تستثمره لنقل الأسلحة إلى داخل تركيا عبر سنجار التي ترتبط بسلسلة جبال قنديل الخاصرة الرخوة في الجنوب التركي.

    إيران

  1. تسعى إيران إلى استمرار الزخم الإستراتيجي الذي كسبته معركة الموصل، من خلال تأييدها السياسي للعمليات العسكرية، وقيامها بمهام الدعم والإسناد والاستشارة، فضلا عن ضغطها على الحكومة العراقية، لإشراك مليشيات الحشد الشعبي في عمليات تحرير الموصل وتحديدًا في تلعفر، لما لها من قيمة إستراتيجية كبيرة تتعلق بارتباطها العضوي بالحدود السورية الشرقية التي يسيطر عليها من قبل عناصر داعش والجيش الحر، على اعتبار أن هذا الشريط الحدودي قد قلل من عمليات الدعم العسكري واللوجستي لنظام الأسد نتيجة سيطرة هذه العناصر عليه، وبالتالي فهي تخشى من اندفاع عناصر التنظيم وبشكل كبير نحو هذا الشريط، مما يعني كلف إستراتيجية جديدة ستتحملها إيران في سوريا.
  2. تسعى إيران إلى فرض سيطرتها على مدينة تلعفر من خلال قوات الحشد الشعبي، وتقوية نفوذها السياسي والعسكرية في هذه المدينة من خلال (الطائفة الشيعية) المتواجدة هناك،وبالتالي هذا يعني خروج هذه المدينة عمليا من حسابات(إقليم الموصل)، وبالتالي جعله خاصرة رخوة وفاصل جغرافي بين (إقليم الموصل) والشرق السوري مستقبلا.
  3. تحجيم واحتواء أي نفوذ لتركيا في العراق خلال المرحلة القادمة، وبالتالي فهي مستمرة في ضغطها على الحكومة العراقية بعدم السماح بإعطاء تركيا

    أي دور في معركة الموصل.

    الأردن

    بعد دخول معركة الموصل أسبوعها الثاني، لوحظ إعماد التنظيم إلى إستراتيجية الانفتاح القتالي على مختلف المسارح العسكرية، ولعل الهجمات الأخيرة على سنجار ومحافظة كركوك أكبر دليل على قدرة التنظيم العسكرية، فضلًا عن أن محاولة التنظيم السيطرة على قضاء الرطبة المحاذي للمملكة الأردنية الهاشمية وسيطرته على الطريق البري الرابط بين الأردن والعراق، يرشح إلى اتساع رقعة المواجهة العسكرية من خلال إمكانية دخولها إلى العمق الأردني، ولعل التعزيزات العسكرية الأردنية على طول الحدود مع العراق يؤشر إلى مدى خشية المملكة من انتقال عمليات التنظيم إلى داخلها.

    سوريا

    لا يخفى على أحد أن خسارة التنظيم لمدينة الموصل يعني انتقال نشاطه العسكري وبشكل مباشر إلى الساحة السورية، وهذا ما قد يفرض الأمور الآتية:
  1. تعقيد الأزمة السورية أكثر مما عليه الوضع الآن.
  2. فتح جبهات جديدة محاولة من التنظيم لتعويض خسارة الموصل.
    دول الخليج العربي
    تتمثل أهم التداعيات المحتملة على دول الخليج العربي بالآتي:
  1. اتجاه الكثير من عناصر التنظيم إليها، وما قد يشكلونه من محاذير أمنية على دول الخليج، وتحديدًا في مايتعلق بموضوع التجنيد وإيجاد مصادر تمويل جديدة.
  2. التداعيات المحتملة على الملف اليمني من خلال إمكانية التحاق بعض عناصره بالجماعات المتشددة في اليمن.

دوليًا

الولايات المتحدة الأمريكية

  1. تسعى الولايات المتحدة الامريكية إلى إنجاز معركة الموصل بأقل الكلف والأضرار، خصوصًا في ضوء الغموض الذي سيكتنف الإستراتيجية الأمريكية المقبلة في العراق والشرق الأوسط تحت قيادة الجمهوريين وعلى رأسهم دونالد ترامب.
  2. تعد الولايات المتحدة الأمريكية الضامن السياسي والعسكري لمعركة الموصل وما بعدها، وعليه فهي ستسعى إلى درء أية مخاطر إستراتيجية وسياسية قد تفرزها هذه المعركة داخليًا وإقليميًا.
    الاتحاد الأوربي
  1. الخشية من عمليات نزوح ولجوء كبيرة قد تسفر عنها عمليات الموصل.
  2. الخوف من عودة أغلب عناصر التنظيم (الأجانب) إلى الاتحاد الأوربي بعد تحرير الموصل، وتجنيد عناصر أجنبية – أوربية جديدة، وتداعياته على الأمن الأوربي.

تنظيم داعش ومآلات المستقبل

من خلال قراءة دقيقة لما ستؤول إليه الأمور، يمكن الإشارة إلى ما يأتي:

  1. أن خسارة التنظيم لمعقله في مدينة الموصل ستكون حتمية نظرا للخلل في موازين القوى العسكرية بين تنظيم الدولة من جهة والقوات العراقية والبيشمركة والقوى الأخرى بما فيها التحالف الدولي من جهة أخرى.
  2. إذا ما رأى التنظيم بأن خسارته لأرض التمكين (مدينة الموصل) أصبحت واقعة لا محالة، فإن هذا سيدفع به إلى الاحتفاظ بالبقية الباقية من مقاتليه، من خلال نقلهم إلى الرقة أو أدلب بعد أو خلال المعركة.
  3. أن المتتبع لنشأة وتكوين التنظيم يلحظ قدرته على إعادة إنتاج نفسه من جديد، وبالتالي فإن خسارته لمعركة الموصل لا تعني نهايته، بل إن احتمالية إعادة ظهوره بصيغة جديدة واردة جدا.
  4. أن خسارة التنظيم للمدن لا تمثل قيمة إستراتيجية عليا له كونه يسعى إلى استنزاف الأعداء أكثر من الدفاع عن أهداف مادية يمكن إعادة فرض السيطرة عليها في أي وقت آخر، وبالتالي فإن اللجوء إلى الصحراء أو الجزيرة يمثل خيارًا إستراتيجيًا للتنظيم خلال المرحلة القادمة، وكما قال الزعيم البارز في التنظيم (أبو محمد العدناني) في خطابه الأخير قبل تصفيته «جئنا من الصحراء وسنعود إليها».
  5. العودة إلى الصيغة القديمة للتنظيم والمعرفة كلاسيكيا بالخلايا النائمة، وهي إستراتيجية تقوم على مبدأ التخفي والتعويم، ولطالما اعتمدها عناصره في مراحل الضعف والوهن.

سيناريوهات مستقبلية متوقعة

أمنيا

نظرا لغياب الرؤى الواضحة لمدينة الموصل في مرحلة مابعد داعش، يمكن الافتراض أن المرحلة القادمة ستشهد أحد السيناريوهات الأمنية الآتية:

السيناريو الأول: الإدارة المشتركة للمدينة (كردي – عراقي – دولي)، وبإشراف مباشر من قبل الأمم المتحدة.

السيناريو الثاني: الإدارة الثنائية المؤقتة للمدينة ( كردي – عراقي)، وذلك لكون هذه المدينة فيها الكثير من الإشكالات البينية بين الطرفين، مما يحتم إدارتها المشتركة لحين حسم الملفات العالقة بينهما.

السيناريو الثالث: (عسكرتاري أمني) وذلك من خلال إناطة الأمر بحكم عسكري وقد يكون قائد عمليات نينوى أحد المرشحين لهذا المنصب، وحصر عمل مجلس المحافظة بالأمور الخدمية وإعادة الإعمار.

السيناريو الرابع: (المربعات الأمنية) وذلك من خلال تقسيم المدينة إلى عدة مناطق كانتونات ذات صبغة طائفية قومية محددة، تضطلع هي بإدارة شؤونها الأمنية بنفسها، مع ارتباطها سياسيا وخدميا بمجلس المحافظة.

سياسيا

ستفرض مرحلة مابعد داعش واقعًا سياسيًا يتراوح وفق السيناريوهات الآتية:

  • السيناريو الأول: إقامة إقليم الموصل

يفترض هذا المشهد أن مرحلة ما بعد داعش ستسفر عن توجه حقيقي لإقامة إقليم الموصل، وهناك الكثير من العوامل الداعمة لهذا الافتراض ومنها:

  1. طرح العديد من المشاريع من قبل شخصيات متعددة تؤيد هذا التوجه، ومنها دعوة محافظ نينوى السابق (أثيل النجيفي) لإقامة إقليم نينوى المكون من سبع إلى ثمان مدن، وهي نفسها الوحدات الإدارية المشكلة لمحافظة نينوى.
  2. الإمكانات الاقتصادية الكبيرة التي تتمتع بها محافظة نينوى مما يعطي قوة دفع أكبر إلى تبني هذا التوجه.
  3. الخوف من تكرار مأساة الماضي والخشية من المستقبل سوف يدفع باتجاه هذا الخيار.
  4. المرونة الكبيرة لهذا الخيار، لأنه سوف يعطي حرية أكبر في التصرف الإداري والأمني، فضلًا عن أنه سيعطي الأقليات الموجودة ضمن هذا الإقليم حق إدارة ملفها الأمني ضمن رقعتها الجغرافية وامتدادها الديموغرافي.
  • السيناريو الثاني: استمرارية الوضع الراهن (الارتباط بالحكومة المركزية)

يفترض هذا المشهد أن محافظة نينوى في مرحلة ما بعد داعش، ستبقى على نفس صيغتها القديمة مرتبطة بالحكومة المركزية، ولهذا المشهد الكثير من العناصر الداعمة ومنها:

  1. أن طبيعة التنظيم الإداري للعراق قد رسخت مفهوم اللامركزية الإدارية في إدارة شؤون الدولة، من خلال منح المحافظات صلاحيات محددة لإدارة شؤونها، ومنع أية محاولات للأقلمة أو الفدرلة.
  2. فشل الكثير من المحاولات السابقة التي قامت بها محافظات عراقية من أجل إقامة أقاليم إدارية خاصة بها.
  3. أن ضبابية مستقبل المدينة في مرحلة ما بعد داعش في ظل غياب أي مشروع سياسي لإدارة المدينة خلال المرحلة الانتقالية، سيفرض عليها البقاء مرتبطة بالحكومة المركزية في بغداد.
  4. مشكلة المناطق المتنازع عليها بين محافظة نينوى /الموصل وإقليم كردستان العراق، وفي ظل غياب أي حدود واضحة ومتفق عليها بين الطرفين، ستفرض عليها البقاء مرتبطة بالحكومة المركزية.
  • السيناريو الثالث: تقسيم محافظة نينوى إلى عدة مدن

    يفترض هذا المشهد أن محافظة نينوى في مرحلة ما بعد داعش سيتم تقسيمها إلى عدة مدن، وذلك انطلاقا من عدة مسوغات منها:

  1. أن مرحلة داعش خلقت حالة من التشنج الاجتماعي بين مكونات المدينة، وبالتالي هذا قد يعطي قوة دفع بتوجه هذه التكوينات الاجتماعية والإثنية والطائفية إلى تبني خيار الانفصال والتقسيم.
  2. التغيير الديمغرافي الذي قد يترافق مع العمليات العسكرية، قد يؤدي إلى خلق مناطق ذات طيف اجتماعي واحد يسهل من عملية التقسيم، وهذا ما قد يعزز هذا التوجه.
  3. مطالبة الكثير من المكونات كـ(الشبك والمسيحيين والأيزيديين)، بتحويل المناطق التي يقطنونها إلى مدن مستقلة في مرحلة ما بعد داعش، وبالتالي هذا قد يعطي مؤشرا واضحا إلى تبني هذا التوجه من قبلها.
  4. ما يعزز هذا التوجه أيضا، هو تشجيع إقليم كردستان لهذه المكونات لتبني هذا الخيار، إذ أن جميع المناطق التي تقطنها هذه المكونات تخضع لسيطرة إقليم كردستان أمنيا وإدرايا.
  • السيناريو الرابع: إدارة (كردية – عراقية) مشتركة للمدينة

    يفترض هذا المشهد أن المرحلة القادمة ستفرض نمطًا من الإدارة المؤقتة للمدينة، انطلاقا من الاعتبارات الآتية:

  1. الخوف من حصول صدمات جديدة وعمليات ثأر وانتقام بين سكان المدينة، وفي ظل علامات الاستفهام التي توضع أمام قدرة الحكومة على ضبط الأوضاع الأمنية في المدينة في مرحلة ما بعد داعش، فإن كلها تدفع بهذا الاتجاه.
  2. أن الاتفاقات السياسية التي عقدت بين الإقليم والحكومة الاتحادية في المرحلة التي سبقت الشروع في العمليات العسكرية، كانت قد أشارت إلى بقاء المدينة على وضعها الحالي، وإعطاء سكانها الحق في الاختيار بين الانضمام إلى الإقليم أو البقاء تابعة للمركز أو تشكيل مدن خاصة بهم في وقت لاحق، وهذا ما يدفع لهذا الخيار أيضًا.
  3. المناطق المتنازع عليها بين الإقليم والحكومة المركزية وإمكانية تفجيرها لصراعات جديدة، تدفع باتجاه بقاء المدينة ضمن إدارة مشتركة إلى حين استتباب الأوضاع الأمنية والسياسية في المدينة.
  4. موافقة الإدارة الأمريكية على هذا المقترح، وهذا ما جاء على لسان وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر، في زيارته الأخيرة إلى بغداد والإقليم، والذي قال فيه إن هناك رؤى متقاربة بين بغداد والإقليم لمستقبل الموصل في المرحلة القادمة.

ويمكننا القول، إن المستقبل السياسي والأمني لمدينة الموصل مفتوح على مصراعيه لأي تطورات جديدة، وذلك نظرًا لكثرة الفواعل الموجودة على الأرض، وستتوزع احتمالات المستقبل بين المشاهد المذكورة آنفا، مع إعطائنا نسبًا متقاربة لتحققها نظريًا وعمليًا، والتي سيكون لكل منها عدد من المعطيات الداعمة لقيامه، وذلك لأن مدينة الموصل تعد من أعقد المناطق في العراق من حيث توقع ما ستؤول إليه الأحداث فيها.

إن التحدي القادم والذي ينتظر مدينة الموصل مخيف جدا، وقد يرتقي إلى مستوى التحدي الذي توجهه المدينة تحت سيطرة التنظيم، فضلا عن أن التداعيات الإقليمية والدولية المحتملة، قد تفرض مزيدًا من الضغط على دول الإقليم والعالم، بإظهار مزيد من الجدية والعقلانية في إنهاء هذه المعركة بأقل الكلف والأضرار، ففي الوقت الذي تخشى فيه الكثير من القوى كـ(تركيا والاتحاد الأوربي) الأضرار والمخاطر المحتملة لهذه المعركة وانعكاسها عليها سلبًا، هناك قوى أخرى كـ(ايران) تنطلق من حسابات جيوإستراتيجية متعددة مرتبطة بدوائر تحركها الخارجي على مستوى الإقليم ككل، من خلال ربط المكاسب المتحققة في معركة الموصل بالملف السوري، وعليه فإن نظرة إستراتيجية معمقة لما ستشهده الأيام القادمة توحي بأن معركة الموصل ومآلاتها مفتوحة على كل الخيارات، نظرًا لخطوطها الجيوسياسية المترابطة محليَا وإقليميَا ودوليًا.

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد