أعلم جيدًا أن آباءنا وأمهاتنا لم يدرسوا علمَ نفسٍ تربويًا ولكنهم ربونا بالفطرة فكانت لهم أقوال أصبحت فيما بعد أمثالاً شعبية تلخص خبراتهم وتجاربهم لتتوارثها الأجيال فتجد فيها ضالتها من خلال كلمات بسيطة يقتدون بها ويعتبرونها من وسائل التربية، قد تعطيهم شعورًا بالراحة ويتفادون بها الوقوع في نفس الأخطاء. فهؤلاء – العاشقون للأمثال الشعبية – خلاصة فكرهم (اسأل مجربًا ولا تسأل طبيبًا).

على الجانب الآخر نجد هناك من يتنصل من كل ما هو قديم بحجة أن الأمثال لا تصلح لهذا العصر نظرًا للتطورات السريعة والمتلاحقة في وسائل التكنولوجيا الحديثة.

والسؤال هنا ممكن نربي بالأمثال الشعبية؟

على الرغم من اختلاف الزمن إلا أننا نتفق في كثير من المبادئ وأنا على قناعة بأن كل شيء يؤخذ منه ويرد، بمعنى إمكانية الاستفادة من الأمثال الشعبية ودمجها بالجانب العلمي لأنها تمثل تجاربَ وخبرات من سبقونا وتقرب لنا المعنى ببساطة وإيجاز وكما هو معروف أن (الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها) وسأحاول إلقاء الضوء على بعض الأمثال والتعامل معها بشكل مختلف؛ لنصل إلى (اسأل مجربًا واسأل طبيبًا).

(ابنك لمّا يكون صغير ربيه ولمّا يكبر خاويه)

لقد عبر هذا المثل الشعبي بإيجاز عما يقوله المتخصصون في مجال التربية. فمن الأشياء الهامة التي يغفل عنها الآباء والأمهات عدم استيعاب الابن والاستهزاء به لمجرد أنه يختلف معه في رأي. فتشبث الآباء بأفكارهم يسبب الكثير من المشاكل وخاصة مع أبنائنا المراهقين، فلا يوجد مبرر لتمسك الآباء بطريقة تربية أبنائهم بنفس الأسلوب الذي تربوا عليه.

(لا تربوا أولادكم على ما درجتم عليه فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم) فعندما يخطئ الابن يسارع الأب بقوله: (إحنا متربناش على كده)، ويتناسى أن أساليب التربية قد تختلف من جيل إلى آخر فما تراه كأب أنه تصرف طبيعي قد يراه المراهق أنه اقتحام للخصوصية – من وجهة نظره – وما تراه أنت تبجحًا قد يراه المراهق حرية تعبير لذلك كان من الضروري للطرفين مراعاة اختيار كلمات وتصرفات تعبر عما يدور بداخلنا.

فيجب على الوالدين الانفتاح على الجديد وذلك بفهم طبيعة واحتياجات هذه المرحلة لمساعدة المراهق على تجاوزها بالتواصل معه واستيعاب أفكاره ومشاعره وعدم السخرية منه والانفعال عليه وإحراجه أمام الآخرين، مع العلم أنك لست وحدك الذي يربي فهناك تلفزيون وإنترنت وأصدقاء يتأثر بهم.

فإجبار نفسك على استقبال رأي ابنك وتفهم وجهة نظره حتى لو كان بها نقد لك بصفة شخصية طالما لم تخرج عن حدود اللياقة والأدب.

يجب التمتع بالمرونة في التعامل مع الابن حسب المرحلةَ العمرية التي يمر بها وتفهمنا لطبيعتها يجنبنا الكثير من المشاكل المتوقعة التي تنتج عن الصدام كنتيجة لعدم تقبلنا للتغيير الذي يطرأ على المراهق ويكفي أن تتذكر ذلك التغيير (الطفل عندما تخرج أمه يبكي أما المراهق يطير من الفرحة).

يجب التعامل معه بأسلوب مختلف عما كان يتعامل به وهو طفل وعدم إرغامه على التصرف بطريقة محددة وإعطاؤه الحرية في مواجهته لمشكلاته بالأسلوب الذي يراه مناسبًا.

ولنتذكر أن المعارضة الدائمة للمراهق من الأمور المحبطة والتي تقوي لديه الرغبة في التمرد والعصيان فالمراهق لا يحتاج إلى مربٍّ بقدر احتياجه إلى أخ أو صديق.

(ليه متربي؟ من عند ربي)

أحيانًا نجد بعض الأمهات يتمسكن بهذا المثل رغبة منهن في تبرير الهروب من المسئولية التربوية أو لأنهن أخذن ببعض الأسباب العلمية ولكنهن أخفقن ولم يكنّ موفقات في تربية أبنائهن وبدلاً من المحاولة مرة أخرى والأخذ في الاعتبار جانب الوراثة والتعامل معهم بطريقة علمية – فإذا كان الطفل (عصبيًا، منطويًا، عنيدًا… إلخ) فكل منهم له طريقة في التعامل – فإنها تفضل الهروب ظنًا منها الشعور بالراحة.

وتتناسى أن كل طفل لديه طبيعة وقدرات خاصة تؤثر في تكوين شخصيته فهناك الجانبان وراثي وتربوي وكلاهما يجب أن يوضع في الحسبان ومن الخطأ اللجوء إلى أحدهما وإغفال الجانب الآخر. إن أساليب التربية كثيرة وما يصلح مع طفل قد لا يكون مفيدًا مع آخر فلا داعي للأخذ بهذا المثل كذريعة للهروب من المسئولية التربوية.

(قلبي علي ولدي انفطر وقلب ولدي عليا حجر)

الكثير من الأمهات يرهقن أنفسهن بالخوف الزائد والرعاية المبالغ فيها لأولادهن بحجة أنهن يردن الأفضل ولديهن خبرة (عارفة مصلحته) فنجدهن يتحملن الكثير من الأعباء المنزلية بالإضافة إلى القلق والخوف الزائد عليهم والذي يؤدي بهن إلى مزيد من التوتر. وعندما يأتي الدور على الأبناء لكي يتحملوا المسئولية ويردوا الجميل نجدهم غير قادرين على البر عند الكبر الأمر الذي يجعل الأم تشعر أنه عقوق وتتساءل وقتها في حيرة لماذا حدث هذا! لتجد نفسها أسيرة لهذا المثل الذي يجعلها في حالة من الإحباط لذلك كان من الضروري أن يشعر الابن بجزء من المسئولية منذ الصغر وإعطاؤه جرعة من التجلد والصبر وعدم الاستجابة لمطالبه في بعض الأحيان (اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم) حتى يصبحوا قادرين على العطاء لأقرب الناس.
(إن جالك الغصب خليه بجميلة)

أغلبنا يفتقد إلى مهارة التفاوض خاصة مع الطفل الزنان والمراهق الزهقان.

فهناك أشياء قد نضطر إلى تنفيذها لأبنائنا ونحن غير راضين وغير مقتنعين بها. فعندما يطلب شيئًا ويصر عليه ولا يستطيع أحد أن يثنيه عنه، إذا كانت النتيجة في النهاية تنفيذ ما يريد فمن الأفضل (خليه بجميلة) ومحاولاً الاستفادة من الموقف بوضع شروط مقابل ذلك واجعله يشعر أنه هو الفائز مع علمه أن هذا ليس استسلامًا (للزن) ولكنه استثناء وتوجيه طلبات صريحة له مقابل ما يريد ووعد بعدم تكرار ذلك الأمر. هناك من يُسمي ذلك مفاوضات أو مساومات أو بجميلة فالكلمات والألفاظ ليست مهمة الفكرة هي أن يكون كلا الطرفين في حالة انبساط.

مع ملاحظة أن هذه المفاوضات لن تكون في الثوابت فإذا كان الأمر فيه استحالة منذ البداية (سواء كان مخالفًا للقيم أو يصيبه بأذى أو ضرر جسيم) فلا يجب التنازل مهما كان إصراره وعليكِ اللجوء إلى مثل شعبي آخر (عايز تحيره خيره).
(عايز تحيره خيره)

من أكثر الأمثلة الشعبية التي تأتي بنتائج سريعة وفورية عند البدء في تنفيذها، وكل ما عليك هو الثبات على الموقف.

ماذا تفعل عندما يصر الطفل على طلب شيء غير متاح أو صعب التنفيذ مثال ذلك (التصرف أو اللعب بطريقة تعرضه للأذى – شراء موبايل حديث – تناول نوع من الطعام)؟

تغيير بؤرة تفكيره في هذا الشيء بحيث تجعل ذهنه في حالة انشغال (تشتيت ذهنه), بإعطائه بدائل أخرى واختيارات كثيرة ثم اترك له الحرية بحيث يعتقد في النهاية أنه هو صاحب القرار.

في بعض الأحيان يشعر الطفل أنه أقل من أصدقائه وأقرانه إذا لم يمتلك شيئًا معينًا هنا يجب أن يعلم أن التقدير الذاتي لا يكون بامتلاك هذا الشيء أو غيره بل من خلال ما يمتلكه من إمكانيات عليه الاستفادة منها.

من الأشياء الهامة أن يشعر الطفل بالتعاطف معه وتوضيح سبب رفضك لطلبه من خلال الحوار واحتواؤه بالعناق وإتاحة الفرصة له للتعبير عن مشاعره.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد