ليس في الإسلام بشر معصوم من الخطأ ومجانبة الصواب إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه المعصومية للنبي صلى الله عليه وسلم ليست مطلقة بل هو معصوم فيما يبلغ عن ربه، ولذا فرق أهل العلم بين تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم بوصفه نبيًا يبلغ رسالة عن ربه وتصرفاته بوصفه إنسانًا وقائدًا عسكريًا وزعيمًا سياسيًا، ففي الأولى هو معصوم ولا يمكن عقلًا تصور أن يخطئ النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغ عن ربه، وفي الثانية فالنبي صلى الله عليه وسلم يجوز عليه ما يجوز على غيره من البشر وتدور تصرفاته الإنسانية حول الصواب وربما مجانبة الصواب.

وقد فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فكانوا يسلمون بالوحي ولا يناقشون فيه، أما غير الوحي من أمور القيادة والدولة والقضاء فلم يجدوا حرجًا من مناقشة الرسول صلى الله عليه وسلم ومراجعته.

ففي حالة الوحي يكون التسليم التام، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا(36)﴾ الأحزاب.

وفي الحالة الثانية يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه في قضائه بين المتنازعين يحكم بينهم بعلمه البشري القابل للخطأ لا بالوحي، يقول الحبيب المصطفى: «إنكم تختصمون إلي، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي لكم على نحو مما أسمع منكم، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها يوم القيامة»، رواه البخاري ومسلم. هذا في قضائه صلى الله عليه وسلم.

أما في قيادته للدولة سياسيًا وعسكريًا، فقد وردت آثار كثيرة راجعه أصحابه في قرارت أزمع اتخاذها ثم رجع عنها بعد المناقشة والمشاورة.

في يوم بدر سار رسول الله يبادر قريشًا إلى الماء فلما جاء أدنى ماء من بدر نزل عليه فقال الحباب بن المنذر بن الجموح: يا رسول الله منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه ولا نقصر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال رسول الله: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة» قال الحباب: يا رسول الله ليس بمنزل ولكن انهض حتى تجعل القلب كلها من وراء ظهرك ثم غور كل قليب بها إلا قليبًا واحدًا ثم احفر عليه حوضًا فنقاتل القوم ونشرب ولا يشربون حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال رسول الله: «قد أشرت بالرأي» ففعل ذلك. أسد الغابة.

وفي غزوة  الخندق (في سيرة ابن هشام) لما اشتد على الناس البلاء، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ومن لا أتهم، عن محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، وإلى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري، وهما قائدا غطفان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهما الصلح، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح، إلا المراوضة في ذلك. فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل، بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فذكر ذلك لهما، واستشارهما فيه، فقالا له: يا رسول الله، أمرًا تحبه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله به، لا بد لنا من العمل به، أم شيئًا تصنعه لنا؟ قال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما، فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرى أو بيعًا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا (والله) ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنت وذاك. فتناول سعد بن معاذ الصحيفة، فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا علينا.

والمتأمل في الأثرين السابقين يجد أن أصحاب النبي فرقوا بين الوحي الذي يجب الانصياع له والرأي الذي يمكن مراجعته واقتراح ما قد يكون أفضل منه.

وإذا كان هذا أصحاب النبي مع النبي صلوات الله عليه وتسليماته، فإن من دون النبي صلى الله عليه وسلم من البشر لا حصانة لهم من المراجعة والتخطيء والإنكار أيضًا إذا هم أخطؤوا وأصروا على الخطأ مهما كانت مكانتهم أو علمهم.

ثم نأتي لمناقشة الحملة التي تهاجم الداعية الكبير محمد حسان لمواقفه من فض رابعة وما رآه منتقدوه من تخاذله وتوجيه اللوم للمعتصمين والضحايا وعدم توجيه أي لوم لمن قام بالقتل أو من أمر به.

بداية ومع انتشار القنوات الفضائية أحببت الشيخ محمد حسان وأعجبت بطلاقة لسانه وكثرة محبيه وتأثيره على من يستمع إليه.
ولكن حبي له وإعجابي به لم يمنعاني من تحكيم عقلي في الحكم عليه.

كان أول ما أخذت على الداعية الكبير أنه يقسم كثيرًا في خطبه ودروسه مع أنه ليس في حاجة للقسم لتأكيد ما يقول ولثقة المستمعين فيه، وكانت تخالجني أسئلة لم أجد لها إجابة بخصوص الشيخ الداعية مثل من أين له إنشاء محطة فضائية هي قناة الرحمة التي يملكها هو وأخوه محمود حسان؟

وازدادت شكوكي وتحولت إلى هواجس أثناء الحرب الصهيونية على غزة عام 2008 التي أطلق عليها الصهاينة اسم الرصاص المصبوب وأطلقت عليها المقاومة معركة  الفرقان، والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من ألف ومئتين من الفلسطينيين، وإذا بقناة الرحمة تتبنى وجهة النظر الإسرائيلية التي حملت حماس المسئولية عن هذه الحرب وهو نفس المنطق الذي تبناه محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية مبررًا العدوان على خصومه السياسيين في غزة، وأيضًا هو نفس المنطق الذي تبنته السعودية وظهر واضحًا في قناة العربية المعبرة عن توجهات السعوديين.

إذا بنا نجد قناة الرحمة تتبنى نفس المنطق وتستضيف من يهاجم حماس مبررًا العدوان الصهيوني على غزة وأحيانًا استخدام نفس مصطلحات عباس حين وصف الصواريخ الفلسطينية بالصواريخ العبثية.

وحين قرر مبارك قبيل ثورة يناير إغلاق القنوات الإسلامية كانت قناة الرحمة الوحيدة التي سمح لها بالاستمرار مع تغيير الاسم فقط بنفس المحتوى الذي كانت تقدمه مما يدل على رضا النظام عنه.

وفي ثورة يناير العظيمة لم يكن للشيخ حسان أي دور في تأييد مطالب المصريين في تلك الثورة وآثر الصمت حتى استدعاه نظام مبارك كورقة أخيرة لمحاولة صرف الثوار من ميدان التحرير، فخرج علينا الشيخ مطالبًا الثوار بالعودة لبيوتهم وترك الميدان مع وعود بتلبية مطالبهم.

ولما نجحت الثورة سارع من تخلف عنها لمحاولة ركوب عجلتها وبرر البعض تخلفهم عن المشاركة في الثورة بأنهم وجهوا أتباعهم لحماية الكنائس.

ثم كان ما كان وتولى الرئيس محمد مرسي الرئاسة فقدم هؤلاء الدعاة وأفسح لهم المجال وكان يلتقي بهم ويشاورهم، لكن بعضهم كان يهاجمه وينتقده بحدة وهو نفسه لم  يهاجم مبارك ونظامه ولم ينتقده.

ثم انقلب العسكر على الرئيس المنتخب فإذا بالدعاة الذين كانوا يلتقيهم محمد مرسي ورغم ذلك يهاجمونه، إذا ببعض هؤلاء يلزم جانب العسكر ضد إخوانه باعتبارهم المتغلبين قمة معاني الانتهازية السياسية.

نعود للشيخ حسان فلقد قيل إنه تدخل للوساطة بين الجيش والرئيس مرسي ومن معه ولكن لم تسفر وساطته عن شيء، ثم سحب نفسه من المشهد عندما قيل إنه مرض ودخل المستشفى.

وبعد تعافي الشيخ من مرضه وجه له أنصار الرئيس مرسي اتهامات بأنه كان إحدى الأدوات لتمرير الانقلاب وهاجموه بشدة بعد مذابح رابعة والنهضة.

سكت الشيخ طويلًا ثم خرج مهددًا الإخوان بأنه لو تكلم لأوجعهم حين طالبوه بالكلام وشرح ما حدث لوساطته ورأيه في الانقلاب. ثم خرج الشيخ متهمًا الإخوان بأنهم السبب فيما جرى لهم من مذابح وأنهم لم يأخذوا بنصائحه، وسرد الشيخ وقائع واستشهد بشهود. أما الوقائع فقد نفاها بعض من كانوا معه في لقائه بالسيسي، وأما الشهود فقد استشهد بالدكتور عمرو دراج أحد قيادات الإخوان والموجود في تركيا عن أحداث تمت في لقاء بينهما، ولكن الدكتور عمرو دراج خرج في تصريح واضح مكذبًا الشيخ بأنه لم يلتقه في حياته، وبعدها بأيام خرج الشيخ مصححًا بأن الأمر التبس عليه وهو بالفعل لم يلتق الدكتور دراج.

المحزن حقًا أن الشيخ الداعية تكلم بالفعل عن الإخوان فأوجعهم كما هدد واتهمهم بأنهم السبب في تلك المذابح لأنهم لم يستمعوا لنصائحه ولم يفضوا اعتصامهم.

ولكن ولنفرض أن الإخوان لم يستمعوا لنصائحه وخالفوه فيما يرى، فهل ذلك يعد مبررًا شرعيًا لقتلهم وسفك دمائهم؟
وأيضًا رفض الإخوان نصائحه فتم قتل الآلاف منهم وحبس عشرات الآلاف ولكن الشيخ لم يتحدث عن خطيئة القاتل، وطالب ليس بمحاسبة القاتل والقصاص منه ولكنه طالب بدفع الديات لذوي الشهداء باعتبار القاتل مجهولًا وهكذا ينتهي الأمر. ولكن ألا يعلم الشيخ أنه وإن تم التستر على من أطلق النار فقتل فإن من أمروا بإطلاق النار معروفون تمامًا ومن تستر على القتلة معروف أيضًا.
ولكن لماذا الشيخ حسان تحديدًا؟

لأن له جمهورًا كبيرًا يثق فيه ويستمع إليه، وبعض هؤلاء يرفضون مجرد انتقاد الشيخ، في حين أننا ذكرنا في بداية المقال أنه ليس هناك الآن معصوم من البشر.

وبما أن الشيخ ليس بمعصوم وقطعًا ليس نبيًّا فإن من حق من رآه مشاركًا في جرائم حدثت ولو بالصمت عليها والسكوت عنها، مِن حق مَن يراه كذلك بل الواجب عليه توضيح ذلك لعامة المسلمين حتى لا يظلوا مخدوعين فيه.

وأخيرًا ينبغي على المسلم أن يعمل عقله وألا ينساق وراء أسماء كبيرة، وقديمًا علمنا سلفنا الصالح أنه لو رأينا الرجل يطير في الهواء ويمشي على الماء فننظر أولًا في عمله فإن كان موافقًا للشرع فهو من أولياء الله، وإن كان غير ذلك فهو غير ذلك.

أسأل الله أن يهدي علماءنا لقول الحق والعمل به وأن ينفعنا بعلمهم.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

محمد حسان
تحميل المزيد