تتلفتْ في قلب الأزمة الحالية التي تلف جماعة الإخوان المسلمين متسائلًا:
ـ إلى متى ستستمر هذه “الفترة” المسماة بـ”المحنة”؟
السؤال مطروحٌ بقسوة طوال اليوم على قلب وعقل، ومن قبل ضمير وروح كل مخلص للأمة لا للجماعة فقط، والأمر في لُبّه يساوي اهتمامًا بمحاولة الثورة المصرية في 25 يناير 2011م، فالأمر الأخير، لدي؛ لا يعدو أن يكون محاولة ثورة أخذ الجيش من آسف بيدها ليُقصي “مبارك” الرئيس الفعلي، وابنه الرئيس القادم بالقوة، كون الأخير مدنيًّا يفرضه مبارك العسكري على الجيش الذي لا يريد مدنيًّا يحكمه، وبالتالي يحكم مصر، إذ أن الأصل لدى الجيش أن مصر جيش ثم دولة.
ولما تمّ للجيش ما أراد بقي له أن الوسيلة، “المنديل” من وجهة نظر قادته، والمقصود بلفظ الجيش هنا قادته من الانقلابيين المجرمين العتاة الظلمة، أما المنديل الذي أزال به مبارك وبالتالي ابنه فكان التنظيم الأبرز القادر على احتواء محاولة الثورة وإكمالها في شكل ونسق ثوري ألا وهو “جماعة الإخوان المسلمين”، ومن هنا تم استدراج الجماعة إلى فخ الحكم. وللحقيقة فقد كان استدراجًا مُحكمًا شاركت فيه جهات من حق الجماعة أن تقول اليوم داخلية وخارجية، ولكن يبقى أن عدوك الذي يُعملُ عقله قادرٌ على كسب المعركة دائمًا ما لم تعمل عقلك، وقل من بعدها ما شئتَ عن الغدر والخيانة والتكالب والحقارة.
ويبقى أن لله سُننًا في كونه، ليس منها أن تتعالى على الأسباب وتظن أنك منصور لصلتك بالله دون إحسان عمل، ومن آسف من جديد لم يكن في عُرف الجماعة، بحال من الأحوال، النسق أو الحراك الثوري، ولم يكن في حسبان الجماعة من الأصل، ولم ينتبه قائد أو جندي، طابية أو قيادة، إن حراكًا قد “يثمر” في الطريق إلى مصر، والنتيجة “تخبط” شديد في التعامل مع مفردات الثورة التي كانت “متوقعة التمام”، وما أجمل قول “المتنبي”، رحمه الله:
ولم أر في الناس عيبًا .. كنقص القادرين على التمام
الجماعة المؤهلة لاحتواء وحكم مصر، تلك التي لما احتدمتْ المواجهة بين العسكر في صورة “أحمد شفيق” والثورة في صورة الرئيس “محمد مرسي”، لم تكن الجماعة الوحيدة المنظمة في مصر مؤهلة للمضي بالثورة..
من حق المعترضين القول بالتحديات وما إلى ذلك، والطرفين الثاني والثالث في الأحداث التالية للثورة، مما بيّنها صاحب هذه الكلمات في مقالات سابقة، ولكن من حق كل منصف الحديث عن ارتكان للصندوق والشرعية وإرادة الشعب، وهي مفردات إن كانت مجدية في كل دول العالم فليست مجدية مع الشعب المصري، ومعركة الوعي التي خسرناها بجدارة مع أهلنا البسطاء..
بقي أن مفردة المحنة المستخدمة في 1954، 1966م، العائدة بقوة في 2013م تحتوي التخبط الجاري الآن على أرض مصر، والاختلاف الواضح بين قيادات الخارج، وظهور “طبقة كَريمةْ” أو إذا شئتَ الدقة مجموعة أقرب إلى تحقيق مصلحة شخصية لنفسها بعيدًا عن صالح الثورة والجماعة، واحتواء أنهار الدماء السائلة على أرض مصر، هؤلاء لا يمكن لمخلص أن يغض الطرف عنهم، حولهم أولادهم في الخارج، ومعهم أموالهم، وطرف من هذه الأموال تم تحويلها إليهم من مصر، سواء أكانت أموالًا خاصة أو غير هذا مع تكرار الأسف، هؤلاء يغمون عين الجماعة عن حقيقة موقفها ويريدون قيادتها نحو أهوائهم هم.
وللأمانة فإن كاتب هذه السطور لا يراهم في طرف دون طرف على نحو طولي، بمعنى أن الطرف الممثل للجناح المعين أو الطرف المواجه له يتصف بهذه الصفة من الأنانية والجشع والمكابرة والاستيلاء على المال من حل وحرام، وادعائه للنفس بل التفاخر به، فيما الصف الإخواني والثائر يتضور معاناة. وإنني هنا لا أقصد قيادة بعينها في أمور كان فيها تحقيق وتبرئة، بل أقصد آخرين اعترفوا عيانًا باستيلاء على أموال تم تحويلها إليهم من مصر وهي ليست أموالًا خاصة، وما قلتُه في المال مثله يُقال عن هؤلاء وغيرهم في جرائم أشد ضرواة تجري وتشتد تحت نظر المسئولين من هنا وهناك في ظل حالة من ظلال المحنة. والحقيقة أن تلك الحالات تضرب الطرفين كقطاع عرضي أي هنا وهناك، وأمثال هؤلاء ينشطون وقت “الاعتراف” بالمحن ولا يقصرون في تحصيل كل ما تصل إليه أيديهم من أسباب الحياة ونعمها المباشرة، كوجه لعملة الأنانية وإيثار الذات ومحبة التنعم على حساب الآخرين مهما كانت معاناتهم..
وإن بقي: إن مثل هؤلاء “الأشرار” عرض لا مرض إلا إن تفشيهم يضرب في حلم الوصول إلى حل لمشكلات الجماعة الحالية بقوة، وإن تركهم يترعرعون داخل الصف وينشطون يساوي ببساطة في المرحلة الأولى غضًّا للطرف عنهم، ثم التفرغ لهم في مرحلة تالية وازدهار المهاترات، مما يصرف الجمع عن التفرغ لمواجهة قضاياه الرئيسية، عوضًا عما يسببه وجود هؤلاء من ألم يشتد على الشرفاء في الصف، وهم كثر بحمد الله، ويجعل حُلم انتهاء الفترة الحالية صعبًا عليهم مما يزيد في مرارتهم.. ويحول العرض، وجود أولئك الأشقياء؛ إلى مرض.. التفكير فيهم وفي سبل مواجهتهم بدلًا من مواجهة الانقلاب..
إن تصورًا يعييه في محنة أن تجد مَنْ يترك بلده وأهله ووطنه مدعيًا الانحياز إلى صف ثوري شريف، ثم يتضح إنه لص خائن للضمير والشرف والكرامة، لم يكفه ما الناس فيه فأتى بنفسه ليزيد من معاناتهم!
أما الحل لمشكلات الصف الثوري الإخواني فهو ليس في الاصطفاف، وله حديث آخر، ولكن الحل الواضح في اصطفاف الصف الإخواني من داخله. يا سادة مطلوب منكم بوضوح طرد كل من يتبين لكم إنه خائن لله ثم وطنه وعميل، وألا يكون الطرد في الظل بل على عيون الأشهاد لتعترف الجماعة بوجود ميكروبات خبيثة بها، وهي تنقي نفسها بنفسها منهم، وحاجز الستر المُدعى ليس مطلوبًا هنا، بل إن حديثًا شريفًا يناديكم: عرفوا الفاسق أو الفاجر ليتجنبه الناس، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، بل من استفحال هؤلاء هنا وهناك حتى ما لا نهاية!
أما الخطوة الثانية فإعمال العقول بشفافية للخروج من الأزمة الراهنة إعمالًا حقيقيًا يتنافى مع التفرغ، لترك البعض يتمادى في مثل الأفعال السابقة ثم محاولة تطويقه بعد استفحال أمره.. ومواجهته في السر لا العلن من بعد..
إن وجود مثل هذه الأمور بعد سنتين ونصف السنة مما تعارف على تسميته بالمحنة لهو مؤشر غير حسن على إمكانية إنهاء الفترة الحالية، وإن ما خفي كان أعظم، وإن من التصرفات التي تشير إلى استكانة لما يحدث، ورغبة في الاستئثار بالراحة بعيدًا عن الوطن وما يعانيه، تزخر الجماعة بها على نحو لا يرضي شريفًا..
ولله الأمر من قبل ومن بعد.. كنا نود التفرغ لمحاصرة الانقلاب في مصر، ففوجئنا بأنفسنا أمام انقلاب أخلاقي حقيقي داخل الجماعة، نرجو الله أن يكون محدودًا.. وفقها الله للتصدي إليه وأعان شرفاءها!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
الإخوان المسلمين