الحديث عن الحل الإداري والتنظيمي لجماعة الإخوان عندما طرحه الدكتور جمال عبد الستار وقال إن حل الجماعة سيجعل شباب الإخوان يلعبون بالسيسي الكرة في الشوارع، وما تبع هذا التصريح من تلميحات بأن الغرض من هذا الطرح أن جماعة الإخوان قد حلت نفسها نهائيًّا ولا وجود لتنظيمها على الأرض وهي لا تتحكم بما يحدث في الشارع، وما قد يحدث في حال تطور الأمور، وبالتالي فهي غير مسئولة في حال تفاقم الأمور ولا تتحمل المسئولية، هذا جزء، والجزء الآخر أن هذا الحل يُطلق يد أعضاء التنظيم ولا يُقيدهم بقيود تنظيمية، ويترك لهم حرية التعامل بالطريقة التي يرونها مناسبة لدحر هذا الانقلاب.
هذان الطرحان لم يُصرح بهما علانية ولكن يُفهمان من سياق الكلام، ومن بعض التصريحات التي تظهر فجأة ثم يُعتذر عنها أو تُعلل بأنها أُخرجت من سياقها، هذان الطرحان يتبناهما بعض من قيادات الإخوان التي ظهرت حديثًا على السطح وخصوصًا من قيادات الخارج.
الطرح الأول الذي يُبنى على عدم مسئولية الجماعة في حال تفاقمت الأوضاع في البلاد تشعر أنه موجه لحماية الإخوان في الخارج، وكذلك حماية باقي التنظيمات الإخوانية في الدول الأخرى، بمعنى، تنظيم الإخوان عالمي ومتشبع وقلبه تنظيم الإخوان في مصر، وإخوان مصر أنفسهم متشعبون ومنتشرون في بلاد أوروبا وأمريكا وبعض الدول الخليجية، ولديهم مؤسساتهم ومراكزهم الإسلامية وجالياتهم وأعمالهم، في حال تفاقم الأوضاع في مصر وظهر السلاح في وجه الانقلاب.
وتنظيم الإخوان موجود على الأرض ويعمل سيكون له علاقة بالأمر من قريب أو بعيد وقد تُلصق به تهمة الإرهاب من قبل العالم الخارجي وبتسويق من الانقلاب، والتي بدورها ستصيب إخوان مصر في الخارج وستضر بمصالحهم ومؤسساتهم وبالتعبية ستنتقل هذه التهمة لبعض التنظيمات الإخوانية في بلاد أخرى خصوصًا التي لها خلاف مع أنظمتها الحاكمة ولو تحت مسمى دعم الجماعة الأم في مصر، هذا التخوف يجعل إخوان مصر يفكرون ألف مرة قبل حتى مجرد التفكير في رفع السلاح في وجه الانقلاب، لأن إخوان الخارج هم من يملكون العلاقات الخارجية والتمويل، أما لو حل التنظيم نفسه من قبل هذه الأحداث وأخرج نفسه من المعادلة فعليًّا وتنظيميًّا فهذا قد يرفع الحرج عن إخوان مصر في الخارج وباقي التنظيمات الإخوانية.
قضية تشعب الإخوان التنظيمي واعتبار إخوان مصر هم القلب والمصدر من أهم الإشكاليات التي تقابل إخوان الخارج وتُحِد أحيانًا من خياراتهم وتُضيّق عليهم، كذلك تُصيب بعض التنظيمات الإخوانية في دول أخرى تبعية موقف إخوان مصر مع السلطات المصرية من شد وجذب وصراع وتوافق، وأوضح مثال على ذلك حركة حماس في فلسطين.
الطرح الثاني يُبنى على فكرة إطلاق يد أعضاء التنظيم والمقربين منهم في التعامل مع الانقلاب بالطريقة التي يرونها مناسبة مهما كانت، هذا الطرح قد تستشف منه أن إطلاق اليد هو حملها للسلاح حتى ولو لم يُصرح بهذا علانية.
لا أناقش هنا طريقة مقاومة الانقلاب وهل الحل معه السلمية أو التصالح أو التنازل والاعتراف بالهزيمة أو رفع السلاح في وجهه، هذه خيارات واقتراحات تحتاج لنقاشات ضخمة ومجهود يقوم به مجموعة كبيرة من المتخصصين والخبراء وأصحاب الرأي للخروج بحل شامل للمعضلة المصرية أيما كان هذا الحل، لكن ما يشغلني هنا ضبابية الصورة لدى الإخوان، تشعر أنهم حُشروا في عُنق زجاجة لا يستطيعون الخروج منها ولا يستطيعون الرجوع قليلًا ليفلتوا من عُنقها ويستقروا في باطنها الذي به بَراح وَوَسع أكبر من العنق ولو ظلوا داخل الزجاجة، التخبط بين السلمية والسلمية المبدعة والتصالح والتنازل والاعتراف بالهزيمة وما يُسمى العمليات النوعية وحل الجماعة ورفع السلاح، تخبط من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لا يوجد رؤية ولا يبدو أن هناك نية لوجود رؤية محددة وثابتة وواضحة المعالم، اليافطة المرفوعة سلمية والواقع على الأرض سلمية يراها البعض سلمية أقرب للانتحار، وفجأة يخرج أحد القيادات ليقول لك أو يلمح أن الحل السلاح، تشعر بالحيرة وتعجز عن الفهم ولا تعرف ما الذي تريده جماعة الإخوان بالتحديد.
الجماعة وقياداتها ترفع راية السلمية من قبل الانقلاب ومن بعده وسلميتنا أقوى من الرصاص وسنبهر العالم بسلميتنا وسننتصر بسلمية، الجمهور النفسي للإخوان ومؤيدوهم تم إفهامهم أن هذا هو الحل الأسلم والأسرع لدحر الانقلاب في فترة قصيرة والانقلاب يترنح، ثم بين عشية وضحاها ترى سيل من التصريحات المضادة تمامًا بعد حادثة اغتيال قيادات الإخوان في مدينة السادس من أكتوبر، وكأن هذه القيادات صُدمت مما حدث، وهذا أكبر دليل على أن كثير من قيادات الإخوان يبدو حتى الآن أنهم لم يفهوا خصمهم كيف يفكر وكيف يعمل وكيف يتحرك، قيادات لا تدرس خصمها فمن الطبيعي ألا تكون لها رؤية واضحة محددة لمقاومته.
من المعلوم للجميع أن قيادات الإخوان التي تدير المشهد الآن أغلبها من القيادات الوسطى في الجماعة لأن الصف الأول أغلبه في السجون، هذا القيادات أغلبها بعيدة عن الشارع وحتى عن جمهور قاعدة الإخوان وهذا ليس بإرادتهم وذلك لأن بعضهم خارج مصر فمن الطبيعي ألا يشعروا بالواقع، ومن هم داخل مصر مختبئون ولا يظهرون ولا يحتكون إلا بعدد بسيط جدًّا من الناس وأيضًا من جمهور الإخوان وليس من رأى كمن سمع، ومن المعلوم أيضًا أن فكرة التعامل بقوة وحزم مع الانقلاب نابعة من قاعدة الإخوان الموجودة على الأرض وفي الشارع، فهي التي تُعتقل وتُقتل وتُشرد وتُعذب وتُقطع أرزاقها وتُنتهك حرماتها يوميًّا، حالة الغضب والحنق داخل القاعدة فرضت على القيادات وتحاول أن تفرض بعض الأمور هنا وهناك، وبما أن القيادة لا تملك مشروعًا محددًا وواضحًا مهما كانت ملامحه وقسماته فهي تنساق هنا تارة وهناك تارة أخرى.
المطالبون بحل الجماعة يعتقدون أنه مع حلها وفكاك أعضائها من قيد التنظيم سيلعبون بالسيسي الكرة وسيفعلون ما يريدون ويؤدبون من يريدون، وكأن الأمر بهذه البساطة والسهولة، كمية من التسطيح والتبسيط والضحالة في التفكير تصيبُك باليأس وتفقدك الأمل في إصلاح هذه الجماعة وإعادة ضبط الموازين بداخلها.
في كل تجارب الدول التي رُفع فيها السلاح في وجه محتل أو حاكم ظالم كان يوجد تنظيم قوي وحديدي يدعم هذه الفكرة ويمولها ويدرب أفرادها ويوفر لهم كل الاحتياجات والإمكانات المطلوبة، يوفر الدعم المالي الضخم الذي يحتاجه رفع السلاح، يعطي غطاءً شرعيًّا لهذا العمل تحت مسمى مقاومة الظلم وحق الدفاع عن النفس، يتعامل مع الإعلام الداخلي والخارجي بحرفية وذكاء ليكسب قاعدة من الداخل والخارج، يتواصل مع شعبه الذي ينتمي له ليقنعه بفكرته عن التحرر والعدل والكرامة ليكون حاضنة شعبية لسلاحه ومسلحيه، كل هذا فشل فيه الإخوان وتنظيمهم موجود ومتشعب ويقاومون بسلمية والتي تكاليفها على الشعب هزيلة وبسيطة فما بالك لو تفاقم الأمر ووصلنا للسلاح، كيف سيتم التعامل مع كل هذه القضايا وهم قد حلوا تنظيمهم من الأساس؟، هل سيقاوم معهم الشعب ويتبناهم كما فعل الشعب السوري؟، هل سيتحمل معهم الضريبة أو يظن أنها ليست معركته؟، ومن يظن منهم أنها معركته قد يضُن عنها بالتضحية والعطاء.
التبسيط في قضية حل الجماعة والظن بأنها مفتاح للحل وورقة ضغط على الخارج وإيحاءً له بأنه لو حُلت الجماعة لثارت البلاد ولا مجال للسيطرة على الحراك وستنقلب البلاد رأسًا على عقب، يدل كما قلت سابقًا على ضحالة في التفكير والرؤى والأطروحات، يدل على عدم وجود خطة واضحة ومحددة لدحر هذا الانقلاب وكذلك ما بعد الانقلاب.
جماعة بهذا القدر والعدد والقدرة يجب ألا تُحل وأيضًا على الجانب الآخر يجب ألا تظل على هيئتها وتنظيمها وفكرها، يجب إعادة التفكير في الأفكار والأطروحات في الرؤى والتنظيم في الهياكل والإدارات، الحل ليس في حل الجماعة ولا في بقائها على حالها، الحل في الحفاظ على التنظيم كتنظيم عددي مع تغيير شامل وجذري وحقيقي في هذه الجماعة القديمة العريقة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست