يبتعد المحللون السياسيون عن وضع أزمة الاخوان المسلمين الأخيرة في سياقها الداخلي والعالمي معًا، ما يصور القضية إعلاميًا وكأنها صراع مرير على المناصب، ويعد هذا تفسيرًا سهلًا يريح من عناء البحث عن جذور المشكلة، أو أمنية يتعجلها من ينتظر سقوط الجماعة.

إن الأزمة القائمة اليوم تدور حول محور واحد فقط وهو الحفاظ على مؤسسية الجماعة؛ الأمر لا يتعلق بأشخاص، فكل أطراف هذا الخلاف رجال ذوو فكر، وقيم، وتاريخ نضال؛ إن انتقاد تحركاتهم لا يعني الانتقاص من دينهم أو أمانتهم. المسألة هي دراسة مقدمات واستنتاج توالي، حيث لا يمكن أن تؤدي معطيات متجاوزة إلى نتائج مثالية.

التطورات

بتاريخ 11 نوفمبر (تشرين الثاني) نشرت صفحة المركز الإعلامي للإخوان المسلمين في مصر على لسان متحدثها الإعلامي حسن صالح دعمها لقرار إخلاء موقع نائب المرشد والقائم بعمله، وتأكيدها على وحدة صف الجماعة بالداخل على قلب رجل واحد خلف مجلس الشورى العام.

بتاريخ 13 نوفمبر نشر موقع الاخوان المسلمين قرار مجلس الشورى العام بقبول طلب الدكتور محمود حسين بإعفائه من مهمة القائم بالأعمال، وتشكيل لجنة مؤقتة يختارها المجلس تقوم بعمل المرشد العام في الشأن المصري لمدة ستة أشهر، أو اتخاذ قرار بتحديد القائم بالعمل، وتكون مرجعية قرار أي منهما للمجلس.

بتاريخ 15 نوفمبر نشرت صفحة المتحدث الإعلامي لمجموعة الأستاذ إبراهيم منير بيانًا يحمل توقيع (أعضاء مجلس الشورى العام بالخارج)، بدت فيه نبرة انفعالية عالية أثرت على صياغة البيان.

ملاحظاتي

أشار بيان مجموعة أ. منير إلى بطلان انعقاد الشورى العام لأن نائب المرشد لم يقم بدعوته. بالبحث، وجدت أن مجلس الشورى في حالة انعقاد دائم منذ ثمانية أشهر بطلب من منير. بمعنى أن المجلس لا يحتاج إلى دعوة جديدة للانعقاد.

أكد بيان المجموعة على أن قرارات مجلس الشورى العام لا تستند إلى نص لائحي ولا قياس تاريخي ولا منطق عقلي، برغم اعتراف أ. منير بكل انعقاد سابق للمجلس وبتصويت أعضائه من داخل مصر وخارجها على تكليفه ومعاونيه وللإعداد للانتخابات، فكيف يشكك البيان في صحة انعقاده لاعفائه، وكيف يثير المؤيدون له الشبهات حول عدم وجود أعضاء شورى بالداخل؟

ورد في بيان المجموعة اتهام لأعضاء الشورى العام بارتكاب مخالفات، بالرغم من أن أ.منير هو من تجاوز قرارات المجلس ثلاث مرات أثناء انتخابات مكتب تركيا؛ ما أدى لإعلان رابطة الاخوان بالخارج بطلان النتيجة. كذلك ربط مشكلة انتخابات القطر التركي – وهو جزء صغير من كيان الرابطة – بالعمل على تغيير لوائح مؤسسة الجماعة نفسها بشكل فردي، فجمد عضوية ستة أعضاء شورى، وأسس لجنة اعتبرها بمثابة مجلس شورى جديد؛ وكان قد ألغى من قبل منصب الأمين العام ذي الصلاحيات الأوسع، والذي يشغله عضو مكتب الارشاد الوحيد المتبقي من مصر!

ينصح العقلاء أطراف الخلاف بالصمت؛ وبالرغم من اتفاقي مع هذا الرأي، إلا أن الأوان قد فات، فأحدهما بالفعل قد سرب أسرار البيت وأشرك كل غريب فيما لا يجب أن يطلع عليه، لذلك لا أستطيع ان ألوم من يبرئ نفسه مما وجه إليه من تهم تمس ذمته وقيمته.

يعضد بعض المهتمين بالأزمة مواقفهم منها بروايات لثقات، كحجب حسين معلومات وخطابات عن منير، وعدم قبول الأول اقتراحات أفاضل تبرعوا بالنصح. من وجهة نظري تخضع الرواية عادة لزاوية رؤية الناقل وعاطفته لا لقوانين يقاس عليها؛ لا أجزم بصحة أو خطأ قصصهم، لكن التثبت من الحكايات عموما يستدعي حضورًا شخصيًا.

استند البعض الآخر إلى مسألة استمرار أعضاء الشورى العام في مناصبهم برغم انتهاء مدتهم، وتحققت لأجد أن هذا الاجراء يتخذ إذا طرأت ظروف قهرية تعيق الدعوة لانتخابات جديدة، وأن هذه ليست أول سابقة في تاريخ الجماعة.

استخدم دعاة تجديد الجماعة ملف المعتقلين كوسيلة لاستدرار تعاطف وتأييد الجمهور عبر اتهام القيادات التقليدية للجماعة بالفشل في التعامل مع القضية برغم أنهم يسلكون نفس الدروب التي شقتها تلك القيادات من قبل! المؤلم أن قضية المعتقلين هي مسألة إنسانية بحتة، من يعمل من أجلها لابد أن يعتبر ذلك فرضًا لا يبتغي به إثارة إعجاب أو استنزال لعنات!

أنا ممن يقبلون بتبرؤ المعتقلين من انتماءاتهم، وبتنازل الجماعة نفسها عن مواقفها واعتزالها، أقبل بأي حل من شأنه أن ينهي مآسيهم، لكن هل سيجدي كل ذلك نفعًا؟ للأسف لا، فكل أنواع التراجع لن تؤدي إلا لمزيد من البطش وقلب الموازين.

إن ثورات الربيع العربي لعبة عالمية مرعبة بدأت ولا يمكن إيقافها إلا بعد انتهاء دورتها؛ وثورة مصر لم تنته بعد، فصوت دقات طبولها الضعيفة مازال يتناهى إلى الأسماع، وخطوات شعبها المنهك المكبل تهز الأرض، يشعرالمنقلب بذلك، لهذا لا يعتبر إطلاق سراح من قالوا إن الموت في سبيل الله أسمى أمانيهم طرحًا مقبولًا.

ينفي طلب د. حسين من مجلس الشورى العام في سبتمبر (أيلول) 2020، ثم في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 إعفاؤه من منصب القائم بأعمال المرشد، والذي أعلن المجلس عن قبوله في بيانه؛ ما أشيع عن تشبثه بالمنصب، ويضع مهام المرشد في يد المجلس لحين انتخاب نائب أو لجنة تقوم بها، ويؤكد على الصبغة المؤسسية لإدارة الجماعة.

الخلاصة أن ما جرى من محاولة تحويل لمجرى نهر الجماعة عبر قرارات إعلامية غير مؤسسية لا يغير حقيقة أن مؤسساتها المنتخبة مازالت هي المسئولة عن اتخاذ قراراتها، وهي الجهة الرسمية المعبرة عنها حتى تتمكن من إجراء انتخابات جديدة.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد