«الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة». أستطيع أن أجزم أن كل المسلمين في كل بقعة في العالم يهتفون بهذه الكلمات. ولكن هذه المقولة لها تأثيرها المختلف من شخص لآخر فكل يحمد الله على الإسلام حسب ما يفهم هو الإسلام ويعتنقه.
ستجد الخطيب في صلاة الجمعة يهتف بهذا الدعاء وكل من يسمعه يردد (آمين)، رغم أن كل الجالسين ليسوا سواء في الإسلام لأنهم من الأساس ليسوا سواء في فهم الإسلام.
فهذا الشاب الذي لا تطأ قدماه المسجد إلا في صلاة الجمعة يحمد الله على الإسلام الذي لا يراه هو إلا صلاة الجمعة، وهذا الذي اتسخت يده بالحرام من سرقة مال الناس وأكلها بالباطل يحمد الله على الإسلام لأنه لا يرى أن للإسلام دخلًا بعلاقاته المالية، وأن الصلاة نقرة والمعاملات المالية نقرة أخرى. وهذا الذي يحارب الإسلام ويضحي بحياته كلها في سبيل نشر فكرة مناهضة للإسلام أو من أجل حصر الإسلام في أحد فروعه دون الأخرى تجده أيضًا يحمد الله على الإسلام الذي يحاربه، وتلك المتبرجة التي لطالما فتنت الشباب بملبسها وربما كانت سببًا لانحراف بعض الشباب تجدها تحمد الله على الإسلام التي هي تصد عن سبيله بأفعالها، وذاك العاق لوالديه والقاطع لرحمه يحمد الله على نعمة الإسلام، وذاك المحارب لكل ما يمت للإسلام بصلة تجده يحمد الله على الإسلام، وذلك العالِم الذي وضع علمه تحت قدميه ليحقق به منفعة شخصية ولم يحمله فوق رأسه ليبلغه للناس ويجاهد من أجل ذلك، حتى هذا العالم تجده يحمد الله على الإسلام رغم أن الإسلام بالنسبة له مطية لمنافعه الشخصية.
لا أعرف الحكم على نوايا الناس لأن الله وحده هو القادر على ذلك «يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور» ولكن البعرة تدل على البعير، ولا بد أن حال التردي الذي وصلت إليه أمتنا ما هو إلا نتاج تردي أحوال أفرادها، ونحن مطالبون بتقصي حقائق السقوط لنعالجها ونبدأ بالنهوض.
لعل السبب الأول هو سوء الفهم للإسلام – وهذا ما يعنيني هنا – فهذا الشاب لو كان فهم الإسلام فهمًا صحيحًا أظنه كان يحافظ على الصلوات كلها قبل أن يحمد الله على الإسلام، وهذا الرجل الذي اتسخت يده بالمال الحرام أظنه لو فهم الإسلام فهمًا صحيحًا لكان أطاب مطعمه قبل أن يحمد الله على الإسلام، وتلك المتبرجة لو فهمت الإسلام لكانت احتشمت قبل أن تحمد الله على الإسلام، وهكذا.
ولعل الدواء هو الفهم الشامل للإسلام كما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلم. الإسلام بمشاعره وشعائره وشرائعه، الإسلام بعقائده وفقهياته ومعاملاته، الإسلام بسياسته واقتصاده واجتماعه، الإسلام في النفس وفي الأسرة وفي المجتمع وفي الدولة وفي العلاقات الخارجية.
لقد أتى على أمتنا حينٌ من الدهر تبددت فيه مفاهيمها الأصيلة وغابت فيه قيمها الراسخة التي سادت بها الدنيا مئات السنين، وإن كنا بحق نبغي لأمتنا نهضة وصلاحًا فليس قبل أن نستعيد الفهم الصحيح للإسلام في أذهان أبنائها. فبعد أن كانت مهمتنا نشر الإسلام وقيمه في ربوع الدنيا أصبحنا بحاجة إلى إعادة طرح الإسلام بفهمه الصحيح الشامل على المسلمين وإقناعهم به، ولا ضير في هذا ولكن المهم أن نتحرك ونبدأ.
بديهي أن واقعنا المزري بحاجة إلى بذل مجهود لتغييره، فكما أن أهل الباطل أنفقوا وينفقون أموالهم وجهودهم ويستخدمون شتى الوسائل المتاحة ليصلوا إلى هدفهم الخسيس، فإنه على أهل الحق والمصلحين أن يضحوا ويبذلوا أموالهم وأوقاتهم وجهدهم ليصلحوا ما أفسده أهل الباطل وليواجهوا مكائد الشيطان التي نتج عنها ذلك الانحراف. وإن هذه الحال المتردية ليست سببًا لليأس والإحباط بقدر ما هي شحذ للهمم وتحفيز للعزائم وتنشيط للحركة، فمَن للإسلام – وحال أهله هكذا – إن لم نكن نحن؟!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
مسلمون