“كل المسلمين في الجنة – مهما فعلنا – وكل غير المسلمين في النار!” ، “يشفع نبينا لنا يوم القيامة، فيخرج كل من أسلم من النار!” ، “صحيح هو قاتل، ومجرم، وسفاح، إلا أنه مسلم، فله الجنة في النهاية!” ،”الله لا يحب اليهود وبني إسرائيل!” ، “الكوارث النازلة بنا هي ابتلاء من الله، أما ما يقع على الكفار فهو انتقامه!”

 

بطريقة أو بأخرى نسبنا الله إلينا، جعلناه خاصًا بنا فقط، حِكرًا علينا، لا تمتد رحمته وعنايته إلى خارج هذه الجماعة المسلمة، بجهلنا صورنا لغير المسلمين أن الله يحابينا ويضطهدهم، يتجاوز عن كبائرنا ويترصد خطاياهم، رسمنا صورة للإله كأنه (بتاعنا)!

الله معنا!

إلا أننا حين نُقبِل على الله بهذا التواكل، نتوقع حين نختلف مع غير المسلمين أن ينزل قرآنًا ينصفنا ويهينهم؛ مثلًا حين تجادل المسلمون مع النصارى واليهود على أفضلية قبلة كل فريق،

 

قال رب العالمين: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ …) إلى أي فئة يميل هذا النص؟ الحقيقة هو يقف على مسافة متساوية من الجميع، فكلهم خطأ، بما فيهم المسلمين، وقد رسخ لمفهوم مغاير تمامًا لمعنى البر. فالله لا يحابي جماعة، ولا ينتمي سبحانه لجماعة.

 

الله يكرههم!

قد تجد في حديث أو آية لعن من الرحمن إلى بني إسرائيل أو النصارى أو اليهود أو جماعة ما، مما يوحي باضطهاد لجماعة بأكملها!

 

ما ورد في القرآن من لعن، هو معلل بفعل يستوجب العقاب والعذاب، وليس موقفًا من قوم لذاتهم، قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)، لماذا؟ (ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ).

 

وحين صبروا قال عنهم: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ)، إذن فهي الجماعة المختارة المصطفاه، والجماعة الملعونة الكافرة، ويرجع الأمر لفعلهم هم، (فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ). ولا يرفض الله من يأتيه لأنه قادم من جنس/جماعة معينة.

 

الله يمحو جرائمنا!

صورة الضابط (المسلم) الذي يقيد الأبدان، ويقطِّع لحوم البشر، وينزع الأظافر، ويسلخ الجلود، ويغتصب النساء أمام أزواجهم، ويحبس الأجفان عن نومها، ويفطر قلوب الأمهات على أولادهن، ويحبس الأجساد وهي تحترق، ويرى جلودًا تذوب من النار أمام عينه دون أن يتحرك لينقذهم .. هذه الصور لا تفارق ذهني، وأتساءل: هؤلاء المجرمون، الفاجرون، العاهرون، الأنجاس، الزناه، كيف يقبلهم الله العدل في جنة السلام لمجرد أن اهتزت أحبالهم الصوتية لتخرج ذبذبات مفادها (لا إله إلا الله)؟!

 

هل يمكن أن يمحي الله كل هذا العهر كأنه عرض جانبي لمجرد أن الفاعل ينتمي لجماعة المسلمين؟!

 

ما قيمة كلمات التوحيد إن لم تُطبع على القلوب؟

يعتقد البعض بأن المسلمين مهما فعلوا وأجرموا فمآلهم الجنة، مستشهدين بقول النبي: “من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، وإن زنا وإن سرق”!

 

الإسلام فكرة، وهي (العقيدة)، يجسدها المسلم ويترجمها لواقع مهذِّب لسلوكه، وهي (الشريعة)، لذا علَّق القرآن النجاة في الآخرة بركنين لا انفصام بينهما: العقيدة والشريعة، الإيمان والعمل.

 

(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا)

(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)

 

وزيادة في الوضوح أشار القرآن إلى أن الاعتماد على العقيدة وحدها دون عمل واتباع للشريعة لا يغني، وعبَّر هنا بألفاظ الكفر والخلود في جهنم، (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)، (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا)، (بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

 

يقول الإمام محمد عبده: “(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) في التعبير عن المخالفة والمعصية بالكفر دليل على ما سبق بيانه في معنى قوله: (بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)،

 

فالقرآن يصرح هنا وفي آيات كثيرة بأن من يقدم على الذنب لا تضطرب نفسه قبل إصابته، ولا يتألم ويندم بعد وقوعه فيرجع إلى الله تعالى تائبًا، بل يسترسل فيه بلا مبالاة بنهي الله تعالى عنه وتحريمه له، فهو كافر به؛ لأن المؤمن بأن هذا شيء حرَّمه الله تعالى، المصدق بأنه من أسباب سخطه وموجبات عقوبته لا يمكن ألا يكون لإيمان قلبه أثر في نفسه، فإن من الضروريات أن لكل اعتقاد أثرًا في النفس، ولكل أثر في النفس تأثير في العمل. وهذا هو الوجه في الأحاديث الصحيحة الناطقة بأنه (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق

السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن)”([1])

 

وبخصوص حديث النبي: “من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، وإن زنى وإن سرق”

 

أولًا: لا يمكن التغاضي عن معنى “لا يشرك بالله شيئًا”، وفي رواية أخرى “وفي قلبة ذرة من الإيمان”، فهي بصورة أو بأخرى تشير لوصول الإيمان إلى القلب، أما هؤلاء الذين يرددون كلمات لا تردعهم عن الفجور فلا تشملهم هذه الأوصاف.

 

ثانيًا: يمكن حمل الحديث على أن المسلم إن ذل وضعف بوقوعه في معصية، فمجرد الوقوع مرة لا يخرجه من الإسلام، فالله لا يطلب منا الكمال، بل يكتفي باجتناب الكبائر قدر المستطاع، (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا).

 

ثالثًا: الآيات ومقاصد الدين الدالة على الاحتكام للإيمان والعمل أكثر إحكامًا وصراحة وثبوة من الحديث، لذا يُحمل الحديث على الآيات وليس العكس.

 

شفاعة أم وساطة؟

الشائع بين العامة أن النبي سيشفع لأمته، سيخرج من النار كل من قال لا إله إلا الله، مهما كانت كبائره وجرائمه. ولن يرضى رسول الله وأحد أمته في النار.

 

الشفاعة بهذا المعنى لا تختلف عن فوضى الوسائط التي ينغمس فيها الحكام المستبدين وزبانيتهم! ولا تختلف عن فكرة الافتداء في المسيحية!

 

أولًا: ينفي الله تعالى الشفاعة جملة وتفصيلًا: (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ)، (مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ)، (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ)، (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ)

 

ثانيًا: نجده يسمح بشفاعة مشروطة بإذنه: (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى)، (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى)، (مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ)، (وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ)

 

إذن ليست شفاعة كشفاعة الدنيا التي تعلم الحاكم ما يجهله، وليست شفاعة تثني الحاكم عن حكمه لمحاباة الشافع، فالشفاعة بهذا المعنى منفية نفيًا قاطعًا. وإنما يوجد شفاعة، لكن بشرط وهو إذن الله القهار، إذْن للشافع، وإذْن للمشفوع فيه، وإذْن لموضوع الشفاعة. فلا يظن متواكل، متكاسل، مجرم أن انتماءه للجماعة المسلمة يكفيه ليشفع له النبي ويخرجه من جهنم، وإنما مناط الحكم، وقارب النجاة، ومسعى الإنسان هو رضا الله فيأذن لرسوله بالشفاعة، إذن فلا تعدو الشفاعة غير تكريم للشافع والمشفوع فيه بعد رضا الله.

 

يقول ابن تيمية: “هي دعاء يدعوه النبي فيستجيبه المولى، وليس في الشفاعة بهذا المعنى رجوع المولى عن إرادته لأجل الشافع وإنما هي إظهار كرامة للشافع، وليس فيها ما يغري ضعاف النفوس الذين يتهاونون في أوامر الله ونواهيه اعتمادا على الشفاعة”([2])

 

إذن فتعود كل المتشابهات في هذا الباب، إلى قوله المحكم: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى).

 

الدنيا ستنصفنا!

حين تقع كارثة على المسلمين، فهي ابتلاء الله، وحين تقع على غيرنا فهي الانتقام الإلهي!

كي تحيا على هذه الأرض فأول المفاهيم الواجب فهمها أن الحياة هنا ليست عادلة، ولم يعدك الدين ولا العلم بحياة عادلة.

 

الدنيا هي دار ابتلاء/صراع/حياة في كبد، تعمل بنواميس كونية جامدة لا تتعاطف مع الأخلاق، لا تحمي المغفلين، ولا تكافئ الصالحين. حين ينزل صوفي وسفاح البحر، سيبتلع روح من لا يعرف السباحة دون أي التفات لأخلاقه.

 

إذن لا تنتظر من الدنيا ونواميسها أن تنتقم للمظلومين، وتنصر المغلوبين، فقد أُلقي الصالحون في الأخدود، وهُزم المسلمون في أُحد وحنين حين فقدوا أسباب النصر، و وذُبح الحسين، وانتصر التتار والمغول والصهاينة، ونصر الله الجبارين السفاحين لأنهم نجحوا في إدراة الحروب.

 

الله سيكرم الصالحين ويعاقب الظالمين، لكن في الآخرة، وليس شرطًا أن كل ثغرة لظالم هي انتقام إلهي، فهذا الربط المبتذَل/الانتقائي/المخدِر سيوقعنا في حرج أمام الظالمين المتجبرين الذين يموتون دون أن يمسهم شيء.

 

الله مع من؟

(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، (فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)، (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) ..

 

المحسنين، الصالحين، المؤمنين العاملين، عمود الخير، ونَصَرَة الحق .. هؤلاء فقط الله معهم، لأنهم معه، الله يحبهم لأنهم يحبونه، هم أهل الله وخاصته، انتسبوا إلى الله، ولم ينسبوا الله إليهم.

 

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

[1]. (تفسير المنار) ج1 ص362
[2]. (الشفاعة) ص84
عرض التعليقات
تحميل المزيد