في فيلم (معالي الوزير)، الذي ظهر في سنة 2002 وكان بطله الفنان المصري الكبير أحمد زكي، دار جدل ونقاش كبير عن واقعية أحداث الفيلم من عدمها. ظهر فيما بعد أنه كان يجسد حوادث وقت بالفعل عن طريق المصادفة بسبب خطأ في الاسم! حاول رئيس الوزراء أن يصحح الخطأ وطلب من مستشاره الإتصال بالشخص المقصود وإبعاد الشخص الخطأ، فردّ مستشاره بأنّ ذلك غير ممكن لأن مجلس الوزراء عليه أن يؤدي اليمين الدستورية بعد قليل أمام رئيس الجمهورية، وأضاف بأنّ إخبار رئيس الجمهورية بهذا الخطأ سيجعلهم في موقف محرج لأن أول القصيدة خطأ بتعبيره ومن المحتمل أن الرئيس سيعُدّ ذلك نوعًا من الإهمال والتقصير ونحن في بداية المشوار. ثمّ سأله رئيس مجلس الوزراء عن ما يمكن فعله، فأجابه المستشار: «على البركة يا أفندم». في النهاية تم إبلاغ أحمد زكي بالخطأ الحاصل، فبدت عليه علامات التوتر، سائلًا المستشار عن طريقة الخروج من هذه الورطة، فضحك المستشار وبارك له المنصب مخبرًا إياه بأن رئيس مجلس الوزراء قد اقتنع به وزيرًا في حكومته.

تبين بعد ذلك أن القصة حقيقية، ففي إحدى حواراته الصحفية، فجّر وزير الثقافة الأسبق د. جابر عصفور مفاجأة كبيرة، إذ أعلن أن دور الفنان الراحل أحمد زكي في الفيلم، كان تجسيدًا لواقعة حقيقية، حدثت بالفعل وليست نسجًا من خيال الكاتب، موضحًا أن بطل القصة الحقيقي، (الدكتور هاني هلال) وزير التعليم والبحث العلمي. وأكّد أنّ هاني هلال تولى المنصب الوزاري في حكومة (أحمد نظيف) عن طريق الخطأ، لأن رئيس الوزراء الأسبق الدكتور أحمد نظيف كان قد رشح شخصًا آخرًا، لكنّ إدارة مكتبه اختلط عليها الأمر وأجرت اتصالها مع الدكتور هلال مشتبهة، مخبرة إياه نبأ توليته الوزارة، وحينما حاول مستشاري أحمد نظيف تدارك الأمر، كانت التشكيلة الوزارية قد نُشِرَت في وسائل الإعلام، وبالتالي أصبح من المستحيل تغيير اسم هلال، كما أن نظيف تعرض وقتها لحرج بالغ لأنه اكتشف الخطأ مع اقتراب موعد حلف اليمين الدستورية أمام الرئيس الراحل حسني مبارك! لقد لعب الحظ أو (البخت) – بتعبير وزير الزراعة العراقي – دوره في حصول الدكتور أحمد هلال على منصب الوزير في مصر.

يبدو أن الأمور تجري مع رئيسنا المبخوت مصطفى الكاظمي بنفس الشكل! في مشهد مضحك، يظهر وزير الزراعة العراقي مخاطبًا رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي في جلسة علنية، بحضور جميع الوزراء، واصفًا إياه بأنّه (مبخوت) معززًا كلامه بقسم، ومؤكدًا أن جميع الوزراء مع الكاظمي، واصفًا مَن يتحدث بالضدّ منه بالكذب! كان إسلوب وزير الزراعة كإسلوب وزير في دولة بوليسية يحكمها السيف والنار، كأنّ الكاظمي رئيسًا بوليسيًا يتودد له الجميع لتفادي بطشه! والمبخوت هو المحظوظ والكاظمي محظوظ فعلًا.

رغم أنّ الذي أتى بالكاظمي لمنصب رئاسة الوزراء هي الكتل السياسية الحاكمة، خاصة كتلتا «سائرون» و«الفتح»، إلّا أنّ كتلة الفتح تشعر أنها اختارت الاسم الخطأ، ولا تستطيع تدارك ذلك! كانت للكاظمي مهمتان، حسب تعبير قادة الفتح؛ إجراء انتخابات مبكرة وتحسين الوضع الاقتصادي في البلد، أمّا باقي المفاصل، فعليه (التغليس) عنها، كما كان يفعل مَن سبقه! ولبخت الكاظمي اصطفّت معه الدول العظمى والكبرى ودعمته وما زالت تدعمه بشكل ملفت. زيارات دولية على مستويات رفيعة، حاملة مشاريع كبرى، كزيارة ماكرون صاحب (المشروع) والبابا صاحب وحدة الأديان وحج أور! استقبال مهيب للكاظمي في زياراته لدول عديدة آخرها زيارة السعودية وهي الأهم بتقديري.

لأول مرة تستقبل حكومة السعودية رئيسًا لوزراء العراق بهذا الشكل المهيب، وفي هذه النقطة بالتحديد، نحتاج أن نذكر السيد مقتدى الصدر (حليف) الكاظمي وعلاقته الحسنة مع السعودية. قبل أيام حينما خرجت مجموعة مسلحة في بغداد باستعراض للقوة، متحدية الكاظمي وحكومته والأجهزة الأمنية، غرّد الصدر تغريدة لإعلان (جبهة موحدة) له مع الكاظمي والاستعداد للحرب ضدّ ما يسميهم الميليشيات. قال الصدر في بيان له إن «على الحكومة العراقية العمل بجد وحزم ضد كل الأعمال المسلحة التي تستهدف أمن العراق والمواطنين مهما كان انتماء الفاعلين». وأضاف قائلًا: «فأنا على علم أنهم مأجورون لزعزعة الأمن والاستقرار ويسعون إلى إضعاف هيبة الدولة وتشويه سمعة المقاومة الشريفة لينتفع بذلك من لهم أجندات خارجية». وأشار أن «هذا الانفلات الأمني وانفلات السلاح يجب ألا يدوم»، داعيًا الحكومة إلى «الإسراع للقيام بعملها على أكمل وجه ونحن مستعدون للتعاون». من الغريب أن سرايا السلام التابعة للصدر قد انتشرت بنفس الطريقة قبل شهر من ذلك تقريبًا!

دائمًا ما يظهر الكاظمي برفقة الفريق عبد الوهاب الساعدي، قائد جهاز مكافحة الإرهاب، أقوى جهاز عسكري في العراق، في رسالة واضحة لسيطرته وتعاونه مع أهم المؤسسات العسكرية، إضافة إلى أنه قام بتغييرات كبيرة على مستوى الأجهزة الأمنية والمخابراتية، أغاضت القوى المعارضة له، فشنّت عليه حملات كبيرة، خاصة بعد السيطرة – نوعًا ما – على تهريب العملة وسدّ بعض منافذ السرقات الكبيرة التي كانت تمول بها هذه القوى عناصرها. ومثلما نعرف فإنّ إنقطاع التمويل يعني تفكك القوى، لأنّ الموظف أو المقاتل لا يعمل بالمجان.

في طريقه إلى السعودية، ظهرت طائرات عسكرية سعودية، تطير لحماية طائرة الكاظمي والوفد المرافق له، وهذا لم نشهده من قبل بتاتًا. كما ظهرت طائرات ترسم علم العراق في السماء. يبدو أنّ هناك رسائل بأنّ السعودية دخلت على الخط، لدعم المبخوت مصطفى الكاظمي على جميع الأصعدة ومنها العسكرية. كان استقبالًا مهيبًا لم نألفه من قبل. لكننا شاهدنا سابقًا استقبالًا حافلًا أيضًا للكاظمي وحكومته من قبل أردوغان في تركيا، وإن كان ليس بحجم الاستقبال السعودي.

ما الذي يدفع هذه الدول للتعامل بهذا الشكل الملفت مع الكاظمي؟ أليس عمر حكومته لم يتبقَ منها سوى ستة أشهر، على فرض إقامة انتخابات في شهر أكتوبر (تشرين الأول)؟ لماذا هذا الاهتمام البالغ؟

من خلال دعم الصدر، والسعودية، وتركيا، وأمريكا، وفرنسا، وغيرهم للكاظمي وحكومته، فإننا نشكّ بأن ينتهي عمر حكومة الكاظمي في الشهر العاشر. كأن الكاظمي سيبقى أكثر، وما أدرانا لعلها نفس التجربة التي حصلت في مصر، عندما أزاحوا الرئيس مرسي، المنتخب الشرعي، وجاءوا بالسيسي رئيسًا، ولم يتم تصنيفه على أنّه انقلاب على الشرعية! كيف بالعراق الذي لم تكن انتخاباته السابقة تملك أي شرعية بكل المقاييس؟ هل تعيد الدول العظمى تجربة مصر في العراق، لكن هذه المرة ليس بعزل الرئيس، بل بإبقائه وعزل الانتخابات؟ كلّ شيء وارد… من الملفت للنظر أيضًا تصريح مستشار الكاظمي، حسين علاوي، على قناة الحدث السعودية، حيث أشار إلى أنّ الكاظمي يعمل على خلق توازن بالعلاقات الخارجية العراقية والابتعاد عن الإملاءات الإيرانية، ولعله لأول مرّة تصرح الحكومة بهذا الشكل الواضح ومن دون إشارات، بل تعيين لدولة إيران بالاسم الصريح.

أتصوّر أن الفترة القادمة ستشهد أحد السيناريوهين:

الأول: يعلن الكاظمي حربه على الفصائل المسلحة بالعراق مدعومًا بفصيل سرايا السلام التابع للصدر ودول أخرى كأمريكا والسعودية وغيرها، وبالتالي عدم إجراء انتخابات مبكرة، بل تستمر حكومته وتحكم قبضتها، لتزيح أمريكا وحلفاؤها إيران عن المشهد العراقي، ويزيح الصدر خصومه المعروفين من المشهد.

السيناريو الثاني: إجراء الانتخابات في موعدها، مسفرة عن نتائج تتكرس فيها سلطة قوى اللادولة المتمثلة بالفصائل المسلحة التابعة لإيران، ثمّ قيام احتجاجات عارمة بالضدّ منها، وتتدخل الدول الكبرى هذه المرة، لتعيد الكاظمي وتسقط الحكومة المنبثقة منهم، في سيناريو مشابهًا للسيانريو المصري، الذي أتى بالسيسي رئيسًا… أتصوّر أنّ الأشهر القادمة ستكون مهمة وصعبة في حياة بلاد الرافدين.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد