“هندخل مع بعض الجنة ونتصور سيلفي مع الرسول” هكذا تفتق خيال العاشق “الإسلامي” على تويتر بدعاء أو تمني يجمعه بمحبوبته، لكنه أجمل ولم يفصل، فلم يقل لنا نوع الكاميرا المستخدمة، وهل له عود مناسب للتصوير أم سيضطر لاستخدام الـ”عصا السيلفي”؟ وماذا سيفعل بالصورة بعد التقاطها؟!
وآخر ألهج بالدعاء وأسهب في المناجاة ثم اختتم بــ “مش عاوز أطول عليك يا رب”.
عزّ الله وجلّ عما يصفون، وحاشا للرسول صلى الله عليه وسلم أن يُشبه بدنايا البشر، صحيح أن “هناك” ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأن تمني الفردوس الأعلى من الجنة محبب في الدعاء، وأن رؤية وجه المولى تبارك وتفرد في جلاله أسمى ما يكافئ به أصحاب الجنة، وأن الشرب من حوض الرسول صلى الله عليه وسلم غاية المنى ومنتهى النعيم. ولكن، من الذي خدعنا بأن هذه الوضاعة التي تُكتب وتُنشر من الدين في شيء؟!
من قال بأن نخضع لخيالنا البشري المحدود ونحاول تقريب أجلّ أمانينا لوحل واقعنا المادي الملموس؟ من أوهمنا أن دعاوى “الشيوخ” أصحاب الجفون المرتخية والأصوات المتهدجة والألسنة اللدغى هم مرجعياتنا في ديننا وأفكارنا؟ وحينما أرهفنا السمع لهم سقطنا في قاع لا قرار له من الأمثلة الساذجة واستجداء المشاعر حتى بتنا كمن يبيت على نواصي البيوت يسأل الناس بقايا أوقاتهم واهتمامهم ليعطوه لله ليدخلوا الجنة يلتقطوا فيها السيلفي مع الرسول، هكذا بكل بساطة!
وسيقت كل سلع السوق من مصاصات وأدوات كهربائية وأطعمة محلية ومستوردة لنستدر بها عطف الناس تجاه دينهم، واستبدلنا أسماءنا بحجابي سر سعادتي ونقابي جنتي وبررنا الدنية بـ “أحسن من مفيش” وما علمنا أن الإسلام لا يعمل بمبدأ “ما لا يدرك كله لا يترك كله” بل إما أن يؤخد كله استسلامًا وحبًّا أو يترك كله استغناءً وعِزة.
لذا كانت مليونية خلع الحجاب تطورًا غير مدهش بالمرة لأساليب التضليل التي انخرط فيها “الإسلاميون” قبل غيرهم، وكان من الطبيعي ألا يصمد الغثاء المنتشر الآن أمام مد التشويه لكل ما هو إسلامي، وكيف تصمد من غطت شعرها – أو بالكاد فعلت- ولم يسجد قلبها لله، وعلى ماذا تحافظ من أظهرت مفاتنها للمارة حتى إذا ما رأت مسجدًا هرولت داخله لتستر جسدها بما تيسر من أقمشة لتؤدي ركعات متعجلة تخرج بعدها وأناملها تصلح ما “أفسدته” الصلاة من خصلات شعرها المنسدلة، وكيف يقرر من أدخلوا الناس معهم في متاهة هل تحتشم الفتاة أولًا أم يسبقها الشاب لغض بصره عنها كيفما كانت؟
بالفعل خُلع الحجاب عن كل أولئك الذين أخذوا الدين “برستيجًا” يجملهم، وعن المكررين لأقوال ممجوجة حيثما حلّوا، وعن الذي اتبعوهم في كل حال.
تلك المليونية المزعومة حدث لا يستحق التعليق لتفاهته في ذاته وتأسيًا بقول الفاروق رضي الله عنه: “أميتوا الباطل بعدم ذكره” ولكن ما يستوجب الكتابة هو انحدارنا وسذاجة دعوتنا للدين، وكأن الإسلام يأبه لهذه الصغائر ويهتم بها، رغم أن آية الحجاب نزلت واضحة صريحة وذُيلت بـ “ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين” و”ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ” هكذا في حزم واضح، وإن كان هناك في النفس البشرية ما يستدعي تبريرًا وإقناعًا لكان القرآن الكريم أول من ذكر ذلك، ولكن الفطرة التي جبلنا عليها الله في أول خلقنا هي حب العفة والستر، تلك الفطرة التي لا توجد في التابلت ليتحجب أو في الآيباد ليغض بصره!
وما الحجاب إلا مثال.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست