جاء مكان تدريبي في مادة التربية العملي كمعلم متدرب بإحدى المدارس الإعدادية، في إحدى المناطق الشعبية بالقاهرة، في البداية أخذ بعض أصدقاء بتحذيري من أن هذه المنطقة سيئة، وعلى هذا فإن طلاب المدرسة سيكونون سيئين هم أيضًا، وقد أواجه بعض المشكلات في تدريبي هناك لهذا السبب، لكني لم أهتم بهذا كثيرًا، وعقدت عزمي على أن أحاول أن أستفيد من هذا التدريب قدر الإمكان.

043016_1115_1.jpg

في خلال فترة تدريبي شهدت عدة مواقف في المدرسة، التي أثرت في وجهة نظري للتعليم، وخاصة المدارس الإعدادية التي أصبحت متأكدًا من أنها أسوأ المراحل التعليمية في مصر حاليًا، وقد تكون سببًا من أسباب زيادة مشكلات التعليم، وهذا يرجع إلى أسباب كثيرة، منها ما هو متعلق بالطلاب، وما هو متعلق بالمعلمين، وغيرها مما هو متعلق بالمدرسة نفسها، ولنستعرض كلًا منهم على حدة.

أسباب متعلقة بالطلاب

عملت مع طلاب ذوي مستويات مختلفة، أثناء تدريبي، ولكن كان يجمع بينهم كثير من التصرفات، وهي أنهم جميعهم يريدون أن يأتوا إلى المدرسة؛ ليلهوا ويقضوا وقتًا ممتعًا مع أصدقائهم، وذلك بما تعرضه عليهم المدرسة من «حوش»، وهو المكان الذي كان دائمًا مليئًا بالطلاب، حتى في أوقات الحصص، فهم يتهربون من حضورها؛ حتى يلهوا في الحوش، ويرجع هذا لأنه لا يتاح لهم مكان يستطيعون تفريغ طاقاتهم فيه، أو بالنسبة لمعظمهم، ولهذا يستخدمون المدرسة؛ لتفريغ طاقاتهم، ومن هنا تفقد المدرسة أهدافها بالنسبة للطلاب؛ فدور المدرسة يكون بتأهيل الفرد لمجتمعه، وتربيته، وتعليمه، وفي هذه الحالة لا يحدث هذا مع هؤلاء الطلاب.

يظهر هنا بعض الطلاب الذين أهملوا فصولهم ليلهوا في حوش المدرسة


داخل الفصل الدراسي يعمل الطلاب جاهدين؛ لإضاعة وقت الحصة بأي سبيل، وإثارة النقاشات في أي موضوع آخر، غير موضوع الدرس، ويحاولون جرف المعلم إلى هذا الحوار، وقد تكون حوارات تافهة، أو حورات ذات بعض الأهمية، ولكن ليست مناسبة للفصل الدراسي، أو الوقت غير مناسب لها، كل ما يهم هو إضاعة الوقت، وإلقاء بعض المزاح، وما إلى ذلك، وذلك يدل على أن ما يقدم لهم من مواد تعليمية، هي أشياء مملة؛ ليس لها أية أهمية لهم، وهنا يوجد نظريتين لتفسير هذا، وهما إما ما يقدم لهم من مواد تعليمية، ليس لها قيمة، أو أن المعلمين فشلوا في أن يجعلوهم يدركوا ما هي أهمية ما يدرسونه، وكيف يفيدهم ذلك في حياتهم. وفى كلتا الحالتين يخرج الطالب من هذه المرحلة الدراسية، دون أن يتعلم شيء فعلًا؛ لأنه لم يعلم قيمة ما عرض عليه، فلم يلق له بالًا!

ومن أهم المواقف التي حدثت معي في هذه المدرسة، عندما دخلت لأنوب عن معلم غائب في فصله، حاول بعض الطلاب الانصراف من الفصل بهدوء، وغيرهم حاولوا إثارة الفوضى، وفي هذه الأثناء سمعت أحد الطلاب يسب المدرسة، حاولت أن أسيطر على الطلاب، وأهدئهم، وبعد أن تم هذا سألت من الذي سب المدرسة منذ قليل، وعندما قال لى أحد الطلاب «أنا من فعل ذلك»، قلت له تقدم إلى هنا! وسألته «لماذا قلت ما قلته؟»، فأجاب «لأنها كذلك»، فقلت له «هذه ليست إجابة، أريد أن أعرف أكثر عن المدرسة، وعن سبب نعتك لها بما قلته»، فقال «حسنًا، انظر حولك! هل يسرك شكل المدرسة؟»، ثم قال «أتعرف المكتبة التي خلف المدرسة، التي من المفترض أن تبيع لنا الأدوات المدرسية، إنها تبيع شيئًا إضافيًا للطلاب، وهو (المطاوي»، وأيضا حمامات المدرسة، هي أشبه بـ«غرز»، فيستخدمها الطلاب الأكبر سنًا للتدخين.

هذه هي بعض الأسباب المتعلقة بالطلاب، والتى يجب أن تقلقنًا، وتجعلنًا نتفكر حول مستقبل التعليم، وما الذي سيكون عليه الطالب، عندما ينهي هذه المرحلة الدراسية، ولكن لننتقل الآن إلى مرحلة أخرى، وهى «المعلمين في المدرسة».

أثناء فترة تدريبي في هذه المدرسة، حدثت بعض النقاشات بيني وبين بعض المعلمين، أذكر منها نقاشًا دار حول: أيجب أن يكون التعليم مجانيًا أم لا؟ وهل كونه مجانيًا، هو السبب وراء تدهور جودته؛ لأنه يعطى الفرصة لكثير ممن لا يستحقون التعليم في التعليم، وبذلك يزيد العدد، ولا تكون هناك النتائج المرجوة منه، ولكن أيجب أن نطبق نظامًا، كنظام منح؛ ليعطي فرصة التعليم لمن يستحق أم لا؟ وكيف يتم تحديد من الذي يستحق التعليم، ومن لا يستحق، وهل إذا طبق نظام مثل هذا هنا، هل سينجح أم لا؟ وهل يمكننا أن نعلي من قدر المدارس الفنية، وأن يكون هناك مدارس رياضية، فالأشخاص مختلفون في مهاراتهم وميولهم، فمن الممكن ألا ينجح شخص ما في التعليم العادي، وفى نفس الوقت يحقق نتائج مبهرة في رياضة ما أو حرفة، ولذلك يجب أن نفكر بجدية في ذلك. كل هذه الاسئلة لم أستطع التوصل إلى إجابة لها في هذا النقاش، ولذلك أدعوا القارئ أن يفكر معي في تلك الأسئلة، ويشارك ما توصل إليه من نتائج.

نقاش آخر دار بينى وبين أحد المعلمين، كان حول الامتحانات؛ إذ أكد لي هذا المعلم أنه لا يجب أن يقوم بوضع الامتحانات معلم من المدرسة؛ لأنها بالتأكيد ستسرب، ولكن يجب أن تأتي من الإدارة التعليمية، وحكى لي قصة عن أن مدرس فيما سبق قد باع امتحانًا لأحد طلابه بمبلغ من المال، وأراد هذا الطالب أن يستعيد هذا المبلغ فباع الامتحان لاثنين من زملائه، وقسم عليهم ما دفعه، ثم فعلوا مثله، حتى تم تسريب الامتحان لعدد كبير من الطلاب. كما أنه أكد لي على شيء آخر، وهو أن ما يتحصل عليه المدرس مقابل عمله هو ما يجعله يفعل هذا، وأيضًا يعطي الدروس الخصوصية، وهو ما يقلل من التزام الطلاب بالمدرسة، إلا في الامتحانات.

عندما راقبت في الامتحانات الطلاب، وحاولت قدر الإمكان أن أمنعهم من الغش، حتى ضبطهم يغشون من كتب المدرسة، فسحبت منهم أوراق الإجابة، وقد حكيت هذا لإحدى المعلمات، فما كان منها، إلا أن قالت لي «حرام عليك، مسبتهمش يغشوا، ويخلصوا ليه، دول غلابة»، أنا هنا لا أقول إن كل المعلمين يسمحون بالغش، ولكن هناك نسبة منهم تفعل، وهنا يجب أن نسأل أنفسنًا ما هي قيمة الامتحانات إذا كان الغش فيها هو الشيء العادي، بل أهم من ذلك، هل أصبحنا ندرس فقط من أجل الامتحانات؟ إذن ما هي القيمة التى يضيفها التعليم إلى حياتنا؟

مما لفت نظرى بشكل كبير معلم الألعاب، ومدير المدرسة؛ فمدرس الألعاب دائمًا يحمل ماسورة طولها حوالي مترين تقريبًا؛ ليعاقب بها الطلاب، وعندما يريد أن يعاقب طالبًا، فهو يدفعه، كما لو كان أمسك مجرمًا متلبسًا بفعل إجرامي، أما المدير، فلم يكن يمثل قدوة صالحة، ولم يكن لديه الحزم، ولا القدرة للسيطرة على مدرسة مثل هذه؛ فقد تكرر رؤيتي لمشهد تدافع الطلاب عليه؛ محاولة منهم لدفعه ليقع أو لافتعال مشاكل معه، ولم يكن منه رد سوى سبهم وإعادتهم الكرة مرة أخرى، ولعل أكثر موقف أثر فيْ إطلاقًا هو أنه قد حدث دخول بعض الأشخاص من خارج المدرسة بأسلحة حادة، وهم يبحثون عن طالب؛ يريدون ضربه، وقد مروا من أمن المدرسة، ومن مشرفي الأدوار، حتى وصولوا إلى الدور الرابع من المدرسة، إلى فصل هذا الطالب، ولكن لحسن الحظ أنه لم يكن هناك، وقد حدث أن رأتهم إحدى المعلمات فزعرت، ولكنها كان بها من الشجاعة ما دفعها إلى أن تجذب أحدهم إلى مكتب المدير، وأتى الآخرون خلف صاحبهم، وأخبرت المدير أن يطلب لهم الشرطة؛ فهم مسلحون، وليسوا طلابًا من هذه المدرسة، فما كان منه، إلا أن تركهم يذهبون، دون أن يفعل شيئًا، وذلك لخوفه على سيارته أن يحطموها، أو أن يفتعلوا شجارًا معه، أو أن يعاقب مشرف الأمن في المدرسة، ومشرفي الأدوار؛ بسبب تخطى هؤلاء القادمين من خارج المدرسة لهم، دون أية محاولة لمنعهم، وهناك موقف آخر، وهو عندما أردت أن أحضر طابور الصباح في المدرسة في إحداى المرات، لم أستطع أن أحضره، إلا مرة واحدة، وذلك لبعد مكان سكني من المدرسة، ولكن عندما حضرته كان معظمه عبارة عن خطاب توبيخ من المدير للطلاب، لعدم نشاطهم وخمولهم في الصباح، وبعد هذه الخطاب التوبيخى فوجئت بأن أجد جميع الطلاب يصفقون للمدير، ودار بعقلي سؤال محير: هل أصبح النفاق مادة تعليمية أساسية الآن في المدرسة؟

وآخر نقطة أود الحديث عنها بالنسبة للمعلمين، هي أن بعضهم يجدون أن محاولة السيطرة على الطلاب صعبة جدًا، لذلك معظمهم يهمل هذا، ويدع الطلاب يفعلون ما يشاءون في المدرسة، دون أي إشراف عليهم، وهذا أدى إلى كثرة الفوضى في المدرسة، وأن ترى طلاب يلهون في المدرسة في كل الأوقات أينما ذهبت هناك.

وأخيرًا الأسباب المتعلقة بالمدرسة

معظم الأبواب والنوافذ في المدرسة محطمة، ولا يوجد بها معمل للعلوم، أو الحاسب، مهيأ لتعليم الطلبة، وعدد الطلاب فوق استيعاب المدرسة، فقد اخبرني معلم أن عدد التلاميذ في كل فصل يقدر بحوالي 40 طالبًا للفصل، ولكن يغيب الكثير منهم في معظم الأيام عدا أيام الامتحانات، وأن هذه المدرسة هي أفضل من غيرها، وأخبرني أنه عمل في مدرسة بالمرج سابقًا كان يقدر عدد الطلاب في كل فصل بحوالى 90 طالب.

مرافق المدرسة المحطمة


وأطراف المعادلة هنا هم طلاب لا يهتمون بالتعليم ومناهج لا يعرف الطلاب قيمتهًا، أو يفشل المعلمون في إيصال قيمتها إلى الطلاب، ومدرسون كثير منهم غير مؤهلين، وبعضهم مهملون، ومدير مهمل، لا يحرص على القوانين؛ لتخوفه من طلابه، ومدرسة غير مزودة بالمعامل التي تساعد على تعليم الطلاب، وذات مرافق متهالكة، وامتحانات يتم اجتيازها بالغش، بعد أن اصبحت هي الهدف الوحيد من التعليم، لا التعليم نفسه هو الهدف، وبعد أن ننظر إلى أطراف المعادلة هذه بعناية يجب أن نفكر ونسأل أنفسنا، ما هي نواتج هذه المعادلة؟ وما مستقبل التعليم إذا استمرت هذه الأطراف كما هي في العملية التعليمية؟

وبعد كل هذا السرد إذا فكرت في الموضوع، فإنك لن تستطيع أن تلوم فئة معينة من الفئات الموجودة في هذه العملية التعليمية بأنها السبب في سوء التعليم فهذا سيكون ظلمًا كبيرًا، ففي الغالب أنك لو حاولت التقصى في هذا الأمر لتجد أن هنالك أسبابًا أكثر تؤثر على هذه العملية التعليمية، وتسهم في كونها على هذا السوء، ولكن الأمر الذي يجب فعله هو محاولة البحث عن حلول لهذه المشكلة التي تستمر في التضخم، بينما تقرأ هذه الكلمات.


هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد