“الوطنية هي حُب الوطن والانتماء إليه قلبًا وقالبًا والعمل من أجل رُقيه وتقدمه ومناصرته في السلم والحرب، أما السياسة فهي فن اغتنام الممكن والمتاح من الفرص وتتنافس فيها كل المجموعات باختلاف ألوانها وأطيافها وتحاول جاهدة الوصول للحكم وامتلاك مفاتيح السلطة”
مبدأ وهدف قدمه شباب 6 أبريل منذ 2008 وحاولوا ويحاولون بكل الطرق أن يروّجوا له بين البسطاء وأن يزرعوه في عقول الساسة المخضرمين الذين فرقتهم أيديولوجياتهم وانتماءاتهم منذ عقود طويلة وتوارثتها الأجيال.
نجح هؤلاء الشباب وكثير ممن آمن بفكرتهم بشكل كبير في توحيد الغرماء والفرقاء في بداية الثورة في 2011 ولكن سرعان ما عادت النزعات والنزاعات الأيديولوجية والانتمائية لتعصف بأهداف الثورة.
سوف تظل المشكلة الكبرى في مصر هي غياب الوطنية في السياسة وكثير من السياسيين الذين لا يعملون من أجل الوطن بحق ويتخذونه ستارًا لأهدافهم الخاصة، فهناك من يعمل من أجل إقامة مشروع أيديولوجي معين وهناك من يسعى لتمكين جماعته سواء كانت سياسية أو دينية أو مؤسسية، وآخرون يسعون للسيطرة على السلطة لتحسين وضعهم الاجتماعي أو الاقتصادي، وإلى جانب كل هؤلاء يوجد الكثيرون ممن يجدون في مصر مجرد سوق كبير وفرص لمشاريع كبيرة مربحة لا أقل ولا أكثر.
الوطنية هي حُب الوطن والانتماء إليه قلبًا وقالبًا والعمل من أجل رُقيه وتقدمه ومناصرته في السلم والحرب، أما السياسة فهي فن اغتنام الممكن والمتاح من الفرص وتتنافس فيها كل المجموعات باختلاف ألوانها وأطيافها وتحاول جاهدة الوصول للحكم وامتلاك مفاتيح السلطة.
الأصل في السياسة هي عمل إجراءات معينة للقيام بإصلاح وتطوير المجتمع بشكل مستديم ومن المفترض أن تكون تلك الإجراءات والطرق والوسائل والغايات أخلاقية ومشروعة وعادلة. السياسة ليست ألعابًا قذرة ولا فن الكذب ولا ترسيخًا لمبدأ الغاية تبرر الوسيلة كما نرى حاليًا. والعمل السياسي كما هو اليوم أصبح بعيدًا كل البعد عن المبادئ والقيم الوطنية، بل إنه أصبح عملًا يهدف في المقام الأول لتحقيق مكاسب حزبية وتحالفية من مقاعد برلمانية وحصص وزارية وصولاً لأعلى رأس في السلطة، وأصبح يخدم المشتغلين به ويحقق مصالحهم وأهدافهم بدون أي اعتبارات لخدمة الوطن والمواطنين وهو ما نشأ العمل السياسي لتحقيقه في الأساس.
هناك فارق واضح وكبير بين الوطنية والسياسة؛ فإن الوطنية هي قيم ومُثل عليا وأهداف نبيلة أما السياسة فهي ضوابط وتكتيكات وأهداف قابلة للتبديل والتغيير.
الوطنية هي اختيار حاسم بين الأبيض والأسود لصالح الأبيض، والسياسة تفضل دوما اللون الرمادي الذي يتيح لها المناورة بين الأسود والأبيض وأحيانا كثيرة تصبح بلا لون واضح.
الوطنية تضحية ونكران للذات وحرص على الآخرين والمجتمع، أما السياسة فمصالح وتعتمد على حسابات معقدة للمكسب والخسارة واحتراف السياسة كاحتراف أي مهنة أخرى قد تتطلب استغلال الآخرين حتى بأبشع الصور.
لابد أن يدرك الساسة أن التنافس والخصومة السياسية لها حدود وهذه الحدود هي حدود الوطنية، الاختلافات الفكرية مشروعة بل هي أصل التنافس ولكنها لابد وأن تكون في إطار وطني في المقام الأول.
الوطنية فوق السياسة ومصلحة الوطن فوق مصالح كل الكيانات والتوجهات السياسية، ولابد أن يعلو الانتماء الوطني فوق النزعات والنزاعات الحزبية والأيديولوجية وأن تكون السياسة هي وسيلة تخدم الوطن قبل الحزب أو المؤسسة أو الجماعة أو الحركة أو التحالف.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست