لا يختلف اثنان اليوم في أن الحكومات في العالم قد أدركت بالفعل مدى هشاشة أنظمتها الصحية، خاصة عندما يتعلق الأمر باستجابة سريعة لمواجهة أوبئة مستجدة أو جائحة ذات بعد دولي.
كورونا أو (كوفيد 19)، وهي التسمية العلمية للفيروس المستجد الذي أخلط جميع الحسابات الدولية، وفرض عليها إعادة ترتيب الأولويات بمراجعة شاملة للأنظمة الصحية ومدى استجابتها السريعة للمخاطر المتوقعة.
والجزائر على غرار نظيراتها من دول العالم أدركت أن الاهتمام بموضوع الأمن الصحي أصبح حتمية تقتضي إعادة النظر فيها، سواء بتطوير نظام صحي قادر على الصمود في مواجهة الأوبئة والمراض المتنقلة، أو تحديث نظام إنذار مبكر وتحديد الاستجابة اللازمة عن طريق توفير آليات سلسلة تسهل من عملية توفير اللقاحات والعلاجات الفاعلة ميسورة التكاليف في حالة الاستعجال.
وكأية دولة تدرك أن أمنها الصحي جزء لا يتجزأ من أمنها القومي، وأنه لا يقل أهمية عن بقية الأولويات التي تسطرها الحكومة ضمن برنامجها، وفي خضم كل هذا عندما حلت أزمة كورونا بالجزائر، أعلن رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون عن إنشاء الوكالة الوطنية للأمن الصحي في الجزائر، لتوكل لها مهمة إعادة النظر في المنظومة الصحية والتدقيق في البرامج الصحية الوطنية وتقديم جميع التوصيات التي من شأنها تطوير النظام الصحي الجزائري، كما استغلت الدولة أزمة كورونا لتبدأ في خطوات فعلية، وهذا ما يمكن استنتاجه من خلال الإسراع في دراسة وهيكلة الوكالة الوطنية للأمن الصحي بشكل يبرز النوايا الحميدة لإصلاح المنظومة الصحية في أقرب الآجال.
والأمر الذي سيحسب بالفعل لهذه الوكالة هو دمج الكفاءات الوطنية في المهجر بالكفاءات الوطنية أصحاب الخبرة، والتجربة داخل الجزائر لتكون انطلاقة مبنية على تصور، وطني واضح بتوصيات دولية معمول بها بشهادة الخبراء والمختصين.
في حقيقة الأمر لن يكون عمل هذه الوكالة سهلًا، بل سيكون الطريق أمامها طويلًا، خاصة عندما تدرج نقاط إعادة هيكلة فواعل المنظومة الصحية، ومن بين التحديات التي يجب على المكلفين أخذها بعين الاعتبار هي التوصل إلى إحصاءات صحيحة وشاملة تغطي جميع ربوع الوطن، وهذه عملية صعبة وتقتضي تشكيل لجان عمل متخصصة للسهر على جمع المعلومات وتقييدها وفق لنظم معلوماتية متطورة وحديثة، هذه الأخيرة التي ستصبح فيها بعد بنك معلومات تساعد في عمليات صنع وتبني البرامج الوطنية الصحية وتقييمها، والتي بدورها ستسهل من عمل صناعة القرارات اللازمة في الوقت المناسب دون أي تاخير، وهذا ما سيطلق عليها في المراحل المتقدمة بصناعة السياسة الصحية، والتي ستضع أي ملف صحي أمام جهات صناعة القرار في الوقت المطلوب، والتي ستعكس مدى تحكم الدولة في جميع المعطيات التقنية واللوجستية عند مرحلة إدارة المخاطر أو خضم إدارة الأزمة.
صحيح أن الآمال كبيرة وإصلاح المنظومة الصحية أمر ليس بالهين، إلا أن الاحتكام للخبرة العملية، والاستناد للكفاءات العلمية، وإعطاء الضوء الأخضر للمختصين، مع كثير من الإخلاص في العمل ستكون له نتائج إيجابية سنلمسها في حينها، كشيء يستحق العمل عليه والسهر على إنجاحه طبعًا.
ومن بين أهم الآليات المقترحة لتفعيل دور هذه الوكالة – الاستقلالية – في التسيير والعمل بعيدًا عن أي اعتبارات لتحقيق الاهداف المرجوة منها في أقرب فرصة؛ لأن المهمة الملقاة على عاتق تشكيلتها تقتضي الحرص والإخلاص في العمل.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست