منذ تكوين الجنين في بطن أمه، وهو يحتاج إلى أن يشعر بالحب وتبادل مشاعر الألفة بينه وبين أمه، وأحيانًا بمن حوله، وليس الجنين فقط من يحتاج إلى ذلك، جميعنا نحتاج إلى ذلك حتى الموت وينقسم الاحتياج إلى مادي ومعنوي سنتعرف إليهما الآن.

المادي: هو الحاجة إلى المال وكسب قوت اليوم، ويزول حين نعثر على عمل جيد وبهذا يختفي الاحتياج المادي.

المعنوي: حرمان شخص من إعطائه الحب والعاطفة والحنان الذى يحتاجه من والديه والبيئة المحيطة به.

كلاهما احتياج وكلاهما يجعل المحروم يعاني؛ ولذلك ذهب بعض علماء علم النفس لتجربة الاحتياج بوضع مجموعة من صغار القرود الرضع فى قفص، ومعهم مجسمان لقردتين، أم واحدة من سلك تنتج لبنًا، والأخرى من الفرو ولكنها لا تنتج لبنًا، وقاموا بالمراقبة، وملاحظة إلي أي منهما سينجذب الصغار، وكانت النتيجة هي التصاق القرود بالقردة الفرو، والذهاب إلي الأخرى عند الاحتياج إلى اللبن فقط، وهذا يدل على أن الاحتياج للحب أصعب أنواع الاحتياج أكثر من الطعام.

ولذا ترى كارين هورني، أن الحرمان من الحب يحركنا في ثلاثة اتجاهات.

1- التحرك المرضي تجاه الناس، ويحدث ذلك للشخص عند حاجته إلي رفيق درب أو صديق أو زوج بغض النظر عن الفوارق بينه وبينهم، بسبب حاجاته القصرية.

2- التحرك ضد الناس ويحدث ذلك للشخص العدواني الذي سيطرت عليه العصبية حتى بات ينظر للجميع على أنهم  مثله.

3- التحرك بعيدًا عن الناس وتتمثل فى العزلة لدى الشخص واكتفاؤه بنفسه، وعدم مخالطة أقرب الناس له، ويردد أكذوبة الوحدة أفضل من الجميع.

ويختلف ذلك من شخص لآخر.

وفقًا لكل ما سبق؛ فإن عدم شعور الإنسان بالاحتياج الكافي يؤدي إلي شعوره بالضعف وكثرة الاكتئاب وخروجه عن طوره المألوف ومشاكل نفسية أخرى والبعض يرفض العلاج؛ ولذلك أشبعوا أولادكم بالحب والحنان والاهتمام والاكتفاء بدلًا من امتلائه بطرق أخرى نندم عليها لاحقًا.

التعلق

لا تتعلق بأي شيء، المعاناة والألم أسبابها التعلق، التعلق جزء من الموت، التعلق بالأشياء والشغف بها ينتهي تدريجيًّا عندما نشعر فقط بأنها أصبحت لا تناسبنا بعد الآن.

يقول ميلان كونديرا:«لا تكن سريع التعلق فمعظمهم عابرون»

ومن خلال هذا المقال سنعلم الآتي

ما هو التعلق؟

حالة عاطفية تسيطر على مشاعر الإنسان، حالة تسيطر على كافة تفاصيله حتى يصبح أسيرًا بمن يضروه باسم الحب والاحتياج، وهناك أشخاص يستطيعون التعافي من مرض التعلق بسهولة، والبعض الأخر يحتاج إلى طبيب معالج مختص، وهناك من يستسلم ويبقي مسجونًا تحت بند التعلق، وكأنه في غيبوبة ولا يريد أن يفيق، حتى لو بقي متعلقًا بشيء يضره، ولا يشعر معه بأي متعة أو استقرار داخلي.

لماذا يحدث التعلق؟

شعور عاطفي داخل المتعلق؛ إذ يبحث بطريقة ما عن الأمان والمساندة، فيأتي المتعلق به ليسد هذا الشعور، فيفرح المتعلق نتيجة سد الشعور، حتى إذا أذاه، لا يمكن للمتعلق الاستغناء بالمتعلق به، ويتوهم أنه يشعر معه بالحب والسعادة وإذا تخلى عنه سيحل عليه الحزن، لكن هذا الشعور لا يمت إلى الحب بصلة.

ما هي علامات التعلق؟

1- الشعور أن هناك شخصًا يأخذ معظم وقتك ويسيطر على فكرك، وذهنك شارد طول الوقت، ولا يمكنك التفكير إلا به.

2- ترتيب أولوياتك على حسب أولوياته والتضحية من أجله، حتى لو على حساب نفسك.

3- تطابق شعورك مثل شعوره بمعنى إذا فرح فرحت وإذا حزن حزنت، وكأنه لا يوجد حولك سواه.

4- مراقبة المتعلق به في كل خطواته، ماذا يحب، وماذا يكره وماذا يفعل الآن، وكأنك توأمه الملتصق.

5- اهتمامك الكبير بمظهره، وصحته وإهمالك لنفسك.

6- تغير مزاجك بسبب محادثتك له، فإذا قال لك شيئًا يفرح تطير من السعادة، وإذا قال شيئًا يحزن يسود العالم في عينيك.

7- الغيره الشديدة التي تغمرك تجاهه، وكأنه قطعة نادرة يصعب تكرارها.

8- تريده أمامك طوال الوقت وتعد الثواني والساعات قبل كل مقابلة.

9- عدم قدرة التخلص من تلك العلاقة حتى لو كانت مؤذية وتؤثر على حياتك بشكل سلبي.

«ليس من الضروري وجود جميع العلامات، لتعرف أنك مصاب بمرض التعلق، يكفي أن تجد معظمها في نفسك»

كيف تتحرر من التعلق؟

1- الاعتراف لنفسك أنك مصاب بمرض التعلق.

2- أخذ استراحة والابتعاد عن تلك العلاقة المؤذية.

3- التقرب إلى الله، وسد وسوسه الشيطان التي تأتي بداخلك لتقول:«إنك ضعيف ولا تقدر على القيام بذلك».

4- تكوين علاقات صداقة جديدة، وأن تحيط نفسك بالداعمين لك.

5- فعل أشياء تحبها، وزيارة أماكن جديدة، والمشاركة في كورسات للرسم والكتابة والاستمتاع بالقرءاة.

6- التركيز على نفسك، وأولوياتك وطموحاتك ووضع حدود لك؛ لكي لا يتعدى أي شخص حدوده.

7- إزالة الأفكار السلبية التي بداخلك، وكن محبًا لنفسك، فكلما أحببتها زادت ثقتك داخلك، وانطبع هذا الشعور الداخلي على مظهرك الخارجي.

وأخيرًا تذكر قول الإمام الشافعي (رحمه الله): «كلما تعلقت بشخص أذاقك الله مر التعلق، لتعلم أن الله يغار على قلب تعلق بغيره، فيصدك عن ذاك ليردك إليه».

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد