الواقعية الجديدة هي حركة تأكيد على تصوير الواقعية في السينما، ظهرت بداياتها في السينما الإيطالية بعد الحرب العالمية الثانية، وتعتمد على التصوير المباشر والبسيط لمعاناة الأفراد والطبقات الفقيرة في المجتمع.

وخلاصة الواقعية كما يفسرها لوسيانو فيسكونتي هي: “تقديم فيلم يحكي حكاية ، دون إعطاء أي انطباع بأن هناك أحدا يحكي الحكاية”، أي أن أفلام الواقعية تأخذنا لمشاهدة صور من قلب الواقع الحي، ولا تفرط في السردية السينمائية والتركيز على الصور الارستقراطية، بل تعكس واقع الأحداث، التي تأتي دائما من قلب المجتمع، ومن أماكن بسيطة وحقيقية وتصور تفاصيل حياة حقيقية، وبعضها تأتي أيضا عن شخصيات حقيقية.

 

نشأة الواقعية العالمية

وقد تطور هذا الاتجاه السينمائي على يد مجموعة من النقاد السينمائيين الذين كانوا يكتبون في المجلة الايطالية الشهيرة “Cinema”، التي كان رئيس تحريرها فيتوريو موسوليني، منهم مايكل أنطونيوني, ولوسيانو فيسكونتي، وسيزار زافاتيني وجتسبي دي سانتس وفيتوريو دي سيكا، وقد صار هذا الاتجاه معروفًا على مستوى العالم في عام 1945.

وقد كان التصوير في مواقع حقيقية وخاصة في الأحياء الفقيرة والضواحي، وتناول حياة الطبقات الفقيرة والعاملة، والتصوير ذو الحس التسجيلي، بصورة تقرب إلى الأفلام الوثائقية ، وتجنب الحوار المنمق وتفضيل الحوارات العامية عليه، هي أهم سمات اتجاه الواقعية.

وزادت جرعة الواقعية في أفلام السينما من خلال اللجوء إلى الحوار التلقائي والارتجال أحيانا، والاعتماد على وجوه جديدة، أو ممثلين مغمورين إضافة إلى نجوم الصف الثاني والثالث.

 

ومن أفلام الواقعية الإيطالية الجديدة

  • روما مدينة مفتوحة : للمخرج روبرت روسيلليني.
  • بايسان : لروبرت روسيلليني.
  • سارق الدراجة : للمخرج فيتوريو دي سيكا.
  • ملمعي الأحذية : للمخرج فيتوريو دي سيكا.
  • معجزة في ميلانو : للمخرج فيتوريو دي سيكا.
  • الأرض تهتز: للمخرج لوشيانو فيسكونتي.
  • الأرز المر: لجتسبي دي سانتيس.

 

ولكن، كانت انطباعات الحكومة الإيطالية بعد الحرب حول أفلام هذه الموجة بعيدة كل البعد عن الإيجابية، وهو ما حذى بجيوليو أندروتي الذي صار فيما بعد نائب وزير في حكومة دي جاسبري أن يقول عن أفلام الواقعية الجديدة أنها: “غسيل قذر لا يجب غسله، وتعليقه، لكي يجف في العراء” !

 

نشأة سينما الواقعية في مصر

كان هناك سمات مشتركة بين الواقعية الجديدة في إيطاليا، والواقعية الجديدة في مصر في الثمانينيات، مثل خروج الكاميرا إلى الشارع، والاهتمام بالشخصيات الهامشية، وعدم التقيد بالأفكار الكلاسيكية في التعبير باللغة السينمائية، لكن الواقعية الجديدة في مصر استوعبت أيضا كل تيارات التجديد التي جاءت بعد الواقعية الإيطالية في العديد من البلاد في الستينيات، كما استوعبت العصرين الذهبيين: الأول والثاني في تاريخ السينما المصرية، حتى وصولهم إلى ذروة النضج في النصف الثاني من الخمسينات، وقد عبر جيل الواقعية الجديدة في مصر عن عصره كما لم يعبر جيل آخر من قبل.

 

ولكن، هل سبقت السينما المصرية إيطاليا إلى تصوير الواقع؟

حينما زار صلاح أبو سيف إيطاليا عام 1950 صرّح قائلاً: “لا أظن بأنّ الواقعية الجديدة في مصر كانت ثمرة التأثيرات الإيطالية. والواقع أنّ هذا الأسلوب كان قد بدأ في مصر في فيلم “العزيمة” الذي أخرجه كمال سليم عام 1939″ وقد باع قصته لشخص يُدعى ستولوف، ويرى أبو سيف أن فكرته هي أساس فيلم “سارق الدراجة” لدِي سيكا ! بينما يقول دي سيكا بأن الكاتب الإيطالي الشهير زافاتيني هاتفه ليلاً حينما كان منغمساً في قراءة كتاب جميل يحمل عنوان “سارقو الدراجات” للكاتب الإيطالي لويجي بارتلوني، وقد وجد في الكتاب مادة ثرية يمكن نقلها إلى الشاشة. وهذا ينفي تماماً اعتقاد أبو سيف !

ولكن في الحقيقة، بعد الحرب العالمية الثانية أنجز كامل التلمساني أول أفلامه “السوق السوداء”1945 وعالج فيه مشكلة الاتجار بقوت الشعب، لكن الفيلم فشل، فاتجّه إلى الأفلام التجارية، والذي اعتبره الكثير من النقاد السينمائيين البداية الحقيقية للسينما الواقعية في مصر. وقد تجاوز فيه المخرج سينما الدعاية، وقصص الحب المكررة، والملاهي الليلية، وما إلى ذلك.

وبناء على ذلك يمكن النظر إلى الواقعية في السينما المصرية باعتبارها خلق تلقائي خاص بقدر ما هي انعكاس للمادة العالمية.

 

كما تتعدد نماذج تجسيد الواقعية في السينما المصرية

واقعية صلاح أبو سيف المميزة

بدأت المرحلة الأولى من الواقعية في مصرفي الخمسينات، من خلال مجموعة من المخرجين السينمائيين مثّلوا في أفلامهم مظاهر الواقع المصري، وعلى رأسهم صلاح أبو سيف، يوسف شاهين، هنري بركات، وكمال الشيخ.

وقد ترك كل واحد من هؤلاء المخرجين بصمة خاصة في تيار الواقعية المصرية، حيث تأثر صلاح أبو سيف بالواقعية الجديدة وأخرج “لك يوم يا ظالم” 1950 وهو مقتبس عن رواية لأميل زولا، لكن السيناريو رُفض؛ لأن بطل الفيلم شرّير فأنتجه على حسابه الخاص، ثم أنجز فيلم “الأسطى حسن”1952 الذي كان مرآة لحياة الفقراء المصريين، ثم توالت أفلامه التي أرست شهرته كمخرج واقعي مثل: “ريا وسكينة” 1953، “الوحش” 1954، “شباب امرأة” 1956، “الفتوة” 1957، “بداية ونهاية”، “القاهرة 30″، وسواها من الأفلام التي يكون فيها البطل هو الإنسان الفقير، المسحوق بعد أن كان البطل من الباشوات أو الطبقة الثرية المترفة.

ويعتبر صلاح أبو سيف هو أكبر رواد الواقعية السينمائية في مصر، ومن الجدير بذكره أن اسم نجيب محفوظ، أكبر كتّاب الرواية الواقعية في الوطن العربي، قد ارتبط بأفلام صلاح أبو سيف، واستعمل أبو سيف لأول مرة الممثل غير المحترف: حيث قدّم العديد من الشخصيات التي أصبحت محترفة، مثل: عماد حمدي، نجوى إبراهيم، حمدي أحمد، عبد العزيز مكيوي، محمود ياسين، لبنى عبد العزيز وغيرهم. كما كان صلاح أبو سيف متأثراً بالسينما الروسية الرمزية، فلا غرابة أن يستعمل الرمز في معظم أفلامه.

 

الوعي الواقعي في أفلام يوسف شاهين

برز يوسف شاهين في خمسينات القرن الماضي، وأنجز 42 فيلماً من ضمنها خمسة أفلام قصيرة. تنوع منجزه السينمائي بين أفلام اجتماعية وسياسية وتاريخية وسيرة ذاتية.

أنجز شاهين فيلم “باب الحديد”1958 الذي يعتبر أحد أهم الأفلام الواقعية في تاريخ السينما المصرية. وقد وصل إلى قمة نضجه، الواقعي والسياسي، في فيلم “الأرض” 1969 الذي تناول فيه قضية الفلاح المصري. وناقش شاهين في “العصفور” 1972، و”عودة الابن الضال”1976 أسباب نكسة حزيران عام 1967. أما مجموعة أفلامه التي تنطوي تحت موضوع السيرة الذاتية فهي على التوالي “إسكندرية ليه” 1978، و”حدوتة مصرية” 1982، و”إسكندرية كمان وكمان” 1990، و”إسكندرية نيويورك” 2004.

وقد تأثر شاهين بفكرة توظيف السيرة الذاتية بعدد من المخرجين الأوروبيين الذين سبقوه إلى تجسيد هذا الجانب، وعلى رأسهم فيدريكو فيلليني الذي استطاع الحديث عن همومه وهواجسه الذاتية، دون الابتعاد عن هموم الوطن والمجتمع، حيث يلتقي الهم الذاتي بالموضوعي فيؤلفان نظرة ثاقبة للواقع الاجتماعي والسياسي.

 

واقعية هنري بركات وكمال الشيخ

أنجز هنري بركات ما يربو على التسعين فيلماً خلال مشواره السينمائي. وتنوعت موضوعات أفلامه، حيث أخرج بركات “في بيتنا رجل” 1961 عن رواية لإحسان عبد القدوس تقدم صورة عن الواقع السياسي، و”الباب المفتوح” 1963 عن قصة للطيفة الزيات، حيث يناقش فيه قضية المرأة التي تقع ضحية لعوامل القهر في المجتمع، و”الحرام” 1965 عن قصة ليوسف إدريس ويعتبر من أنضج الأفلام الواقعية في السينما المصرية.

وكما أن بركات قد انتقل من غرفة المونتاج إلى الإخراج عام 1952، فقد بدأ كمال الشيخ حياته السينمائية في غرفة المونتاج، مثل: بركات، لكنه سرعان ما غادرها إلى عالم الإخراج السينمائي.

في عام 1954 أنجز فيلم “حياة أو موت” وهو أول فيلم مصري يصور بكامله تقريباً في شوارع القاهرة. وهو يشبه “سارق الدراجة” لدي سيكا من حيث البحث في شوارع روما. كما أخرج “اللص والكلاب” 1963 عن رواية لنجيب محفوظ، يتمحور هذا الفيلم حول قضية محمود أمين سليمان الذي لقبته الصحافة بالسفاح؛ لارتكابه عدة جرائم، كما أخرج “ميرامار” 1961 عن رواية لنجيب محفوظ تحمل الاسم ذاته، ويعتبر هذا الفيلم من كلاسيكيات السينما المصرية.

وبدأت السينما المصرية في أواخر السبعينات تبتعد عن الواقعية وتمرّ بمرحلة أفلام المقاولات التي لا تمت للواقع بصلة، وتهدف إلى تحقيق الأرباح المادية الكثيرة، حيث كان المخرجون المصريون ينجزون أفلاماً تجارية ملفتة تستجيب لذوق الجمهور الواسع؛ بحجة “أن الجمهور عايز كده”، ومع ذلك فقد خرج في الثمانينات جيل جديد يشكِّل امتداداً طبيعياً لجيل صلاح أبو سيف وبركات ويوسف شاهين، وهؤلاء هم على التوالي محمد خان، عاطف الطيّب، خيري بشارة، داوود عبد السيد، شريف عرفة، ورأفت الميهي.

 

سينما محمد خان الحية

بعد عودة محمد خان من لندن التي درس فيها السينما وشاهد فيها الكثير من الأفلام العالمية أخرج عام 1978 فيلم “ضربة شمس” حيث صوّر معظم الفيلم في الديكورات الطبيعية وكان بداية لموجة جديدة اسمها “الواقعية الجديدة” أو “السينما الجديدة” التي اهتمّت بالخروج إلى الشارع، وتصوير الناس البسطاء الاعتياديين، وتجسيد معاناتهم بواسطة الكاميرا المحمولة كما فعلوا الواقعيون الإيطاليون الجدد آنذاك.

أنجز محمد خان أكثر من عشرين فيلماً معظمها من روائع أعمال الواقعية الحية في السينما المصرية، من بينها “موعد على العشاء”1981 ، “الثأر” و”الحريف”  و”أحلام هند وكاميليا”، و”أيام السادات” و”بنات وسط البلد” و”في شقة في مصر الجديدة”. ثم عاد خان لسينما الواقعية بفيلم “فتاة المصنع”.

 

عاطف الطيب، ونقد السلطة

على الرغم من أن حياة عاطف الطيب القصيرة بأكملها لم تتجاوز الـ 47 عاماً، إلاّ أنه كان أحد أكثر مخرجي الواقعية الجديدة ظهوراً وانتشاراً. حيث قدّم صورة واقعية صادقة للمواطن المصري. ففي فيلم “مقايضة” 1978 وهو فيلم قصير تناول فيه هموم الإنسان المصري البسيط، حيث يقوم فلاح مصري بمقايضة محصوله الذي حققه خلال عام كامل بجهاز راديو!

غالبية أفلام عاطف الطيب تحمل نكهة معارضة في طياتها، وتسلّط الضوء على المواطن المصري المسلوب حقه، ويعاني من السلطة التي تنتهكه على الدوام.

وأجرأها “كشف المستور” 1994 فيتناول فيه موضوع الدعارة المنظمة، حيث تقوم المخابرات المصرية بإعداد فتيات يمارسن الجنس مع الشخصيات الدبلوماسية كطعم للحصول على معلومات سرية بحجة خدمة الوطن، وأعمال أخرى من بينها “المزمار” و”البريء” الذي يتناول بطش السلطة في تعذيب النزلاء وقتلهم في المعتقلات، وباستغلال جهل المجنّد العسكري في تنفيذ الأوامر و”سواق الأتوبيس” وهو من أكثرها اقتراباً من الناس ومعاناتهم.

وقد تأثر عاطف الطيب بالمخرج “دي سيكا” في عدة نواحي مثل اختيار الموضوع، والنهايات المفتوحة، واستعمال الأسلوب البسيط في سرد الموضوع.

 

واقعية خيري بشارة

خلق خيري بشارة بصمته الخاصة من خلال أفلامه الواقعية التي تنطوي على شاعرية معينة في تناول الأحداث والشخصيات. ففي “الأقدار الدامية” 1982 حاول تحليل الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في مصر قبل حرب 1948. وفي “العوّامة 70” عرّى بعض أوجه الفساد في المجتمع، كما جسّد معاناة الجيل الذي عانى من نكسة حزيران، وقد تم اختيار فيلمه “الطوق والإسورة” 1986 من بين أفضل 27 فيلماً في تاريخ السينما العربية، أما فيلم “أمريكا شيكا بيكا” 1993 فقد قدّم فيه مجموعة الشباب الذين يقررون السفر إلى أمريكا لإيجاد فرص عمل لتحقيق أحلامهم، لكنهم يقعون ضحية النصابين فيُتركون في غابات رومانيا، وتكون النتيجة أشدّ من الفقر الذي كانوا يعانون منه.

اشترك بشارة في كتابة جميع سناريوهات أفلامه؛ كي يضمن تحقيق الواقعية الجديدة التي ينتمي إليها كموجة فنية جديدة آنذاك، مقتديًا في ذلك باشتراك صلاح أبو سيف في كتابة السيناريو لأغلب أعماله.

 

داوود عبد السيد، وشاعرية الصورة الواقعية

يختلف داوود عبد السيد عن أقرانه في حبه للتصوير داخل الاستوديو وتجسيد فكرة النهايات المتعددة كما فعل في فيلم “الكيت كات. أنجز السيد عدداً من الأفلام الوثائقية قبل أن يبدأ بإخراج الأفلام الروائية، وأولها “الصعاليك” الذي تناول فيه رحلة صعود الصعاليك من قاع المجتمع إلى قمة النشاط الاقتصادي والسياسي، كاشفاً من خلالهما الواقع المصري على حقيقته من دون رتوش.

وتميز السيد بصورته السينمائية الشاعرية رغم واقعية المادة الدرامية، حيث تتحرك الكاميرا بسحر خاص وتتمازج الألوان في جو شاعري فريد، مما يؤكد على أن الكاميرا عند داوود أداة سحرية لالتقاط جماليات الواقع الحية وإشباع حس الذائقة البصرية للمُشاهد، يظهر ذلك بوضوح في صورة “الكيت كات” و”أرض الخوف” و”رسائل البحر”.

الألوان في أفلام داوود كائن حي بذاته، تدخل في علاقة حب دافئة مع الكاميرا تنتقل إلينا في كل لقطة، علاقة حميمة لا أعتقد أنني الوحيدة التي تنتبه إليها في أفلامه. كاميرا داوود عبد السيد هي بطل رئيس يجذبك إليه، تتحدث، وتنفعل، وتحب وتكره، ومثلما تأثر الطيب بدي سيكا فيسهل ملاحظة تأثير بازوليني على داوود عبد السيد، وخاصة في نظرته للمرأة.

 

شريف عرفة، سينما ضد الإرهاب

لا يخرج شريف عرفة عن سياق الواقعية الجديدة في مختلف أفلامه، ولكنه يميل إلى تناول موضوع الإرهاب في أعماله الذي ركز عليه في العديد من أفلامه، مثل: “الأقزام قادمون” 1987، و”الملائكة لا تسكن الأرض” الذي يعتبر أول فيلم مصري يتناول ظاهرة الإرهاب والتطرف الديني بشكل مباشر، و”اللعب مع الكبار”1991 الذي يتناول فيه شخصية حسن بهلول “عادل إمام” الذي يبلغ مباحث أمن الدولة عن قضايا إرهابية سوف تحدث، ويغوص أكثر في موضوع الإرهاب من خلال فيلمي “الإرهاب والكباب”1992، و”طيور الظلام”1995 موضحاً أن الإرهاب هو الوجه الآخر للفساد، أما “اضحك الصورة تطلع حلوة” 1998 فيقوم على تصوير التفاوت الطبقي في المجتمع المصري، ويصور المعاناة الناتجة من ذلك التفاوت.

 

رأفت الميهي، وفانتازيا الواقع

بينما برز رأفت الميهي باعتباره مخرج واقعي جاد وصادم في الوقت ذاته، حيث عمد دائمًا إلى تحدي الاعتيادية وخرق القواعد بأفكار أفلامه، ويعتبر الميهي رائد دراما الفانتازيا المصرية، وهي الحبكة الدرامية التي تميز بها، حيث تتطلب منك مشاهدة أفلامه تفتيح آفاق ذهنك والتحرر من قناعاتك الخاصة، ومحاولة البحث عن الإسقاطات الرمزية لأحداثه وشخصياته، التي قام ببلورتها في إطار فانتازي يستهدف تابوهات الحياة الواقعية.

ومن أشهر أفلام رأفت الميهي التي عكست أسلوبه السينمائي “الأفوكاتو” الذي يعد هو الخطوة الأولى فى طريق “الفانتازيا” التى ظلت مرتبطة باسم رأفت الميهى، وقد أحدث ضجيجًا، عندما تم تقديم المخرج وبطل الفيلم للمحاكمة بتهمة إهانة النظام والسخرية من القضاء، و”عيون لا تنام” ويركز الفيلم على أنانية الأشخاص عندما يتعلق الأمر بالمال، وذلك نتيجة للمادية التي أصبحت تسيطر على المجتمع، وفيلم “السادة الرجال”، “سمك لبن تمر هندي”، “سيداتي آنساتي” و”قليل من الحب كثير من العنف “.

 

موجة جديدة من محاكاة الواقع

وغابت السينما المصرية عن تقديم أفلام الواقع لأكثر من عقدين بعد موجة قادها المخرجان الراحلان عاطف الطيب ورضوان الكاشف، والمخرجون محمد خان وخيري بشارة وعلي بدرخان، بينما لا يمكن إنكار أن أفلام من نوعية: “هي فوضى” ليوسف شاهين و”دكان شحاتة” لخالد يوسف و”واحد صفر” لكاملة أبو ذكري و”بنتين من مصر” لمحمد أمين، وغيرها هي أفلام أنتجت في السنوات الأخيرة، تنتمي إلى السينما الواقعية. لكنها لم تشكل اتجاها سينمائيا متكاملا.

ثم ظهرت موجة الأفلام الجديدة التي تركز على التصوير في مناطق حقيقية، في محاولة لنقل الواقع كما هو منذ ثورة 25 يناير، من بينها فيلم “الشتا اللي فات” للمخرج إبراهيم البطوط، وشارك في كتابته أربعة مؤلفين، هم ياسر نعيم وحابي سعود وأحمد عامر، إضافة إلى مخرجه، وشارك في بطولته عدد كبير من الوجوه الجديدة، وعدد من صناع السينما المستقلة الذين عملوا في الفيلم بالمجان دعما لصناعه.

وتدور أحداث الفيلم حول الأيام الأولى لثورة 25 يناير، من خلال ثلاث قصص إنسانية الأولى لضابط في جهاز مباحث أمن الدولة، والثانية لمقدمة برامج تلفزيونية والثالثة لمهندس حاسوب، وجميعهم لهم أدوار أو علاقات وثيقة بأحداث الثورة في أيامها الأولى.

ومثّل: فيلم “هرج ومرج” أيضا نموذج لهذا التوجه السينمائي الجديد، وتدور قصة الفيلم في إطار من الفانتازيا الاجتماعية حول تنافس شابين على حب فتاة في بيئة مجتمعية منغلقة تقتصر الاهتمامات فيها على تلبية الاحتياجات الأساسية، ليرصد الفيلم حالة الخواء المجتمعي التي يعاني منها الشباب.

وفي فيلم “فرش وغطا” للمخرج والمؤلف أحمد عبد الله، يقوم بالبطولة آسر ياسين وعمرو عابد مع ممثلون جدد، وتم تصوير الفيلم بالكامل في أماكن حقيقية بالعاصمة.

ويعتمد الفيلم صيغة جديدة لحوار محدود جدا بين الشخصيات، مع التركيز على الحكي من خلال الصورة في إطار يدمج الشكلين الوثائقي والروائي للأحداث التي تدور حول فتح السجون والانفلات الأمني خلال الأيام التي تلت ثورة 2011.

بينما ازدهرت بعد الثورة صناعة الأفلام التسجيلية والوثائقية مقارنة بصناعة الأفلام الروائية التي كانت الأكثر رواجا قبل ذلك.

وفي فيلم “الخروج للنهار” للمخرجة والمؤلفة هالة لطفي – الحائز على أكثر من عشر جوائز دولية – يغيب النجوم والممثلون المعروفون، ويظهر موضوع واقعي وشخصيات واقعية وأماكن واقعية هي البطل الحقيقي في الفيلم، الذي تدور أحداثه حول محنة أسرة فقيرة بأحد أحياء القاهرة الشعبية، حيث الأب مقعد والأم ممرضة وابنتهما تواجه مشكلة في التعبير عن مشاعرها، حيث لا تجد زوجا بعد أن تجاوزت الثلاثين من عمرها.

وفيلم “عشم” – تأليف وإخراج ماغي مرجان –  الذي يشارك بالتمثيل فيه المخرج محمد خان والمخرج المسرحي محمود اللوزي وعدد كبير من الوجوه الجديدة، ويقدم الفيلم ست قصص متشابكة تحدث في أحياء مدينة القاهرة المضطربة التي تقبع على حافة التغيير.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد