خمسة أشهر من المفاوضات الماراثونية بين القاهرة وأديس أبابا، برعاية الولايات المتحدة من أجل الوصول إلى حل للأزمة المحيطة بسد النهضة الكبير في إثيوبيا على نهر النيل، حيث لم توقع الحكومة الإثيوبية على إعلان المبادئ الذي جرت صياغته في المناقشات الثنائية، وتضاف الآن أشهر المفاوضات العجاف إلى سنوات الجمود بشأن هذه القضية، إنها تصل الآن إلى المرحلة التي تستطيع فيها أديس أبابا وبكل بساطة فرض الأمر الواقع.
ومن تجليات ذلك أنه لم يجر الاتفاق على جدول زمني لمفاوضات جديدة كما كان الحال في الماضي، وبدلًا من ذلك انتهت المحادثات مع أديس أبابا متجاهلة هذه الأخيرة إلى حد كبير المطالب المصرية، في غضون ذلك وقعت مصر اتفاقية من جانب واحد جرت صياغتها مع الأمريكيين والبنك الدولي، والتي كانت إثيوبيا طرفًا غير مشارك في هذه الاتفاقية التي تحظى بدعم العراب الأمريكي، الذي يلعب على متناقضات كلا البلدين، حيث كان هناك دعم عام من واشنطن للقاهرة ودعم ضمني لأديس أبابا، وقد تعززت هذه السياسة المزدوجة والحربائية من خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، إلى العاصمة الإثيوبية قبل أيام فقط من توقيع الاتفاقية الأخيرة.
قال وزير المياه والري الإثيوبي إن السد في مراحله النهائية، وإن ملء الخزانات سيبدأ في يوليو القادم، وقد اعتبرته القاهرة استفزازًا وتهديدًا صريحًا ﻷمنها المائي الذي سيكون لذلك تأثير كارثي على ملايين المصريين الذين يعتمدون على النيل في مياه الشرب والري والزراعة والطاقة.
مما حدا بالقيادة المصرية (الانقلابية) إلى مواجهة هذا المعطى التصعيدي من جانب إثيوبيا، حيث التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بكبار ضباط القوات المسلحة المصرية، وشدد على ضرورة إظهار أعلى درجات الحذر والإعداد الجيد والاستعداد القتالي، وشدد على ضرورة أن يكونوا مستعدين لتنفيذ أي مهام توكل إليهم لحماية الأمن القومي المصري في ظل التحديات الحالية التي تواجه المنطقة.
وقد أشار العديد من المراقبين والمحللين لمسار الأزمة بين القاهرة وأديس أبابا، إلى أن اجتماع السيسي مع ضباط الجيش والبيانات التي تلت ذلك كانت تهدف إلى إرسال رسالة ضمنية مبطنة إلى إثيوبيا، بأن مصر نفد صبرها، بالرغم من أن هذه الخطوة أتت جد متأخرة بسبب انشغال النظام المصري الجديد بعد الانقلاب العسكري على ثورة 25 يناير، والانقلاب على أول حكومة مدنية ديمقراطية منتخبة في تاريخ مصر الحديث، بملاحقة المعارضين وتثبيت حكمه، من خلال قمع كل الأصوات والأطياف السياسية، إضافة إلى دعم حكومات نشاز (خليفة حفتر) تتقاسم محددات ورؤى وأهداف أنظمة الانقلاب العسكري نفسها.
وربما يعد اللجوء إلى الخيار العسكري حسب العديد من المراقبين خيارًا محفوفًا بالمخاطر، نظرًا إلى التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالجغرافيا والسياسة، والقدرات العسكرية، إذ ترتبط جميعها بالعلاقات الإقليمية والقضايا المحلية التي تؤثر في كل من مصر وإثيوبيا فمحددات العلاقة المائية بين البلدين يخضع أيضًا لعدة تأثيرات وتدخلات إقليمية ودولية، لها أجندات خفية في تغيير الخارطة الجيوسياسية من خلال هذا السد، وهو استهداف لمصر في أمنها المائي نظرًا إلى دورها التاريخي والمحوري في قيادة المنطقة، وهذا ما جعل أطراف إقليمية خليجية لها ارتباطات دولية في دعم انقلاب الجنرال السيسي، الذي أطاح أول حكومة مدنية منتخبة من طرف الشعب المصري.
ويمكن القول إن مربط الفرس من كل هذا هو ما قاله مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق عبد الله الأشعل، عندما أوضح أن المسار الذي اتخذته الأزمة منذ البداية هو مؤامرة إثيوبية إسرائيلية أمريكية، تهدف إلى حرمان مصر من حصتها في النيل.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
سد النهضة