“لقد كذبت على بلدي, لقد كذبت على نظام حكومتنا, على أحلام الشباب الذين كانوا يريدون الاشتراك في الحكومة والآن هم يرونها كلها فاسدة”.  كان هذا من ما قاله الرئيس ريتشارد نيكسون في حوار تليفزيوني مع المذيع دافيد فروست عن فضيحة وترجيت التي تغنى بها الشيخ إمام من كلمات الشاعر أحمد فؤاد نجم قائلًا: “شرفت يا نيكسون بابا يا بتاع الووترجيت”.

فضيحة ووترجيت هي من أبرز الأحداث السياسية التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية, ما حدث أن الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون وقبل الانتخابات الرئاسية لعام 1972 كان يرى أن فرص فوزه باتت ضعيفة وقرر التنصت على أعضاء الحزب ووضع أجهزة تنصت في مبنى الحزب الديمقراطي الكائن بووترجيت التي اشتهرت الفضيحة باسمه.

ما حدث أنه بعد أن تم اكتشاف وجود أجهزة التنصت وإلقاء القبض على أشخاص من قِبل الشرطة، وبعد تحقيقات ومحاكمات ظهرت الشكوك حول الحكومة الأمريكية ووصل الشك إلى تورط الرئيس نيكسون في هذا العمل.

بدأ الكونجرس في العمل على إقالة الرئيس نيكسون، ولكنه سبقهم وقدم استقالته. ظلت هذه الفضيحة تلاحق الرجل حتى وفاته عام 1994. لم يقبل الشعب الأمريكي فكرة أن يتجسس رئيس الدولة على الحزب المعارض له، أو أن يستغل نفوذه عندما رفض تقديم بعض الأدلة (شرائط مسجلة) إلى لجنة التحقيقات واستخدم سلطته التنفيذية, الأدلة التي قدمها بعد ذلك ولكن بعد اقتطاع بعض الوقت منها, لم يقبل الشعب رفض الاستخبارات الأمريكية تقديم بعض الأدلة بحجة أن بها ما يمس الأمن القومي للولايات المتحدة.

الصندوق الأسود: خرج علينا الصحفي عبد الرحيم علي بهذا الاسم (الصندوق الأسود) لبرنامجه الذي كان يذاع على إحدى الفضائيات, مادة هذا البرنامج تقوم على شيء واحد فقط وهو تسجيلات وتنصت على بعض المكالمات والأحاديث لشخصيات عامة لها عمل سياسي ومن يسمون بالنشطاء السياسيين. لم يدخر عبد الرحيم علي أي جهد في السب والتشهير بهذه الشخصيات ووصفها بالعمالة وخيانة الدولة وبعض الألفاظ الأخرى.

لن نتكلم عن شرف الصحافة أو لو أن هذه الاتهامات صحيحة كيف لا يحقق فيها النائب العام؟ فلا أعتقد أن هذه الاسئلة تحتاج لإجابة.

ولكن دعني في السطور القادمة أقتبس لك من الدستور المصري وتحديدًا المادة 57 من باب الحقوق والحريات والتي كُتب فيها “للحياة الخاصة حرمة وهي مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية, والبرقية, والإلكترونية, والمحادثات الهاتفية, وغيرها من وسائل الاتصال حرمة, وسريتها مكفولة, ولا تجوز مصادرتها, أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب, ولمدة محددة, وفي الأحوال التي يبينها القانون”.

كان هذا من دستور 2015 والدساتير السابقة تكفل هذا الحق مثلها مثل الدستور الحالي وجعلت للحياة الخاصة حرمة. يمكننا أن نسأل أنفسنا سؤالًا أو اثنين, من الذي يستطيع أن يسجل كل هذه المكالمات ولشخصيات مختلفة؟

من المستفيد من جعل مثل هؤلاء الشخصيات من الخونة والعملاء والمخربين – كما قال عبد الرحيم علي-؟ أظن أن الإجابة واضحة. دولة القانون؟

يخرج علينا كل يوم المذيعون في البرامج الحوارية والإخبارية ليقولوا لنا إننا في دولة قانون وأن من يخطئ سيحاسب كبيرًا كان أو صغيرًا وأن الدستور الذي وافق عليه الشعب هو أساس الدولة المصرية واحترامه واجب على كل مواطن في هذه البلد.

فهل يمكن أن يخرج علينا في يوم ما أحد من كانوا مسؤولين وقت تسجيل هذه المكالمات -وأغلبهم ما زالوا مسؤولين سواء كانوا ظاهرين أو مختفيين- ليعتذر للشعب المصري وللشباب على التنصت على المعارضين والتشهير بهم. وانتهاك الدستور الذي من المفترض حمايته.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد