إن مجرد وجود البرنامج النووي الإيراني، والقدرة المتأصلة لدى تركيا على أن تحذو حذوها إذا رغبت في ذلك – من أجل الهيبة الوطنية – يتناقض بشكل حاد مع الوضع في السعودية والدول العربية الأخرى، التي تفتقر إلى القدرات الفكرية الوطنية القادرة على تنفيذ مثل هذه البرامج، ولذلك فإنها تحتاج إلى نقل التكولوجيا من قوة نووية قائمة بالفعل، مثل باكستان.
وهكذا تنشأ المذاهب الأصولية أو تتضح وضوح الشمس في أوقات الكوارث، سواء كانت كوارث فعلية أو مُدركة، وقد يتغير الشعور بالخطر إلى حالات اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية قمعية ومنذرة، لكن يجري إدراك الكارثة اللاحقة على أنها كارثة الهوية بواسطة أولئك الذين يخشون خطر الانقراض كشعب أو الانحراف في خضم ثقافة متشابكة تعمل على التوفيق بين المعتقدات لدرجة تقويض مدى فاعليتها في أثناء الركض لتحقيق التجانس.
وهنا قد نجد تحليل وثيق الصلة في كتاب النظام السياسي في المجتمعات المتغيرة للمؤلف صامويل هنتيغتون ويناقش هذا التحليل خلق عدم الاستقرار من خلال حشد القوى الاجتماعية التي تكونت عن طريق النمو الاقتصادي، حيث نرى بطء المؤسسات السياسية في إدخال دوائر انتخابية جديدة. باختصار، يذكر هنتيغتون أن ذلك ينتج ليس بسبب غياب الحداثة، بل نتيجة الجهود المبذولة لتحقيقها التي تخلف خللًا سياسيًا.
ومن ذلك (كان) إعلان تجاري تلفزيوني محل تساؤل للحزب الجمهوري: فمن خلال واحد من أكثر الإعلانات التلفزيونية شهرة للحملة الانتخابية الرئاسية العام 2000 في الولايات المتحدة أدير من قبل الجمهوريين، وأشار إلى خطة الوصفات الطبية التي قدمها الديمقراطيون، هذا الاعلان على شاشة ثابتة – وللحظة قصيرة – تم استخدام كلمة (فئران – Rats)..
واقترح بعض نقاد وسائل الإعلام أن الجمهوريين كانوا يستخدمون إيحاء مموها ليربطوا، في أذهان أولئك الذين كانوا قد تعرضوا لهذه الإعلانات التجارية، بين الديمقراطيين والفئران. الذين صمموا هذا الإعلان نفوا أن تكون هذه نيتهم، وقال طبيب الأعصاب الذي سألته عن الإيحاءات المموهة أنه يعتقد أن الإيحاء قد ثبتت فاعليته.
وفي اتجاه آخر، كيف تؤثر الكوارث الطبيعية والإنسانية على مسار الانتخابات وعلاقاتها بالهيئات والمنظمات غير الحكومية التي تشارك في حملات الإغاثة؟
الابتعاد عن الأذى.. في أستاد أسترودوم في هيوستن بدأت أعداد لا تحصى من الأشخاص المجهدين الذين تم إجلاؤهم مرحلة محيرة جديدة في حياتهم التي غيرها إلى الأبد خراب إعصار كاترينا 29 أغسطس (آب) 2005م؛ اليسار يلقي اللوم على نظام يميل إلى دعم الأغنياء. واليمين يلقي اللوم على ثقافة فقر موهنة. من الواضح أن اللوم يقع على كليهما.
ومع ذلك فقد أشار ديفيد هارفي ذات مرّة إلى أنّ الصراعات الحالية بعد العقد الأول من الألفيّة هي صراعات على جودة الحياة اليوميّة. من البرازيل إلى تركيا فالشرق الأوسط، كانت الصراعات على تحسين الشرط الإنسانيّ عبر المطالبة بالدمقرطة، والاهتمام بالبيئة، والإسكان، والأجور. يرى هارفي أن مثل هذه الحراكات كانت كثيرًا عصيّة على التصنيف الطبقيّ نوعًا ما نظرًا لتداخل فئات كبيرة فيها، فهي ليست صراعات عماليّة فحسب، ولا بيئيّة فحسب، ولا سياسيّة. ربّما يوضّح تساؤل أرممبرست المعضلة حينما تساءل هل الثورة في مصر، مثلًا، هي ثورة على النيوليبراليّة، أم ثورة نيولبيراليّة؟ في ضوء طوفان صندوق النقد الدولي النيوليبراليّ للحكومة التي أسلمت البلد لصندوق النقد دون وجود لأيّ رائحة لسفينة نوح!
إن ذلك قد يعبر عن القيم التقليدية والحرية واليقين الأخلاقي كما يتعلق الأمر بالهوية، الكوارث، الانتخابات؛ ويمكن أن تعزى الأسباب المعنية بذلك إلى أسباب اجتماعية – نفسية، وأخرى اجتماعية – اقتصادية، والأولى تتعلق بالمكانة والأسلوب، والأخرى تتعلق بالسلطة الدينية والسياسية على قدر كبير من الأهمية في الحفاظ على رؤية محافظة للنظام الاجتماعي.
ولذا، أود أن أتساءل ما أوجة العلاقة بين الزلزال الذي ضرب محافظة القاهرة 1992، وحملات الإغاثة التي كشفت التحرك للنقابات والاتحادات المهنية خلال تلك الفترة – الزلزال – كاستجابة لتلك الكارثة وبين المنظمات غير الحكومية التي شاركت في أعمال الإغاثة بعد الزلزال، لكنها فيما بعد استُخدمت بواسطة نظام الحكم ضد سعد الدين إبراهيم (بسبب) الدعم الذي كان يتلقاه من الاتحاد الأوروبي لمراقبة انتخابات العام 2000.
وبرزت من خلالها أهمية تكوين إطار عمل سياسي مشترك يهدف إلى حشد الدعم على طول خطوط متمايزة، قد تعمل على التغيير الهائل لمجريات الأمور من منظور طبائع الأمور، ودورها نحو قيمها الأخلاقية. وكان هذا السياق التي اعتمدت على انتقاد سياسة الحكومة وتوفير الجاذبية النبوئية للتغيير في ظل التحديات المفروضة عليها، وبلورة العملية الإنتاجية للتوجهات؛ حيث من المحتمل بإن تلك العلاقة تكمن في استطلاع الإمكانات التي يمكن أن تنجم عن العلاقات التفاعلية بينها في المستقبل إدارة الأزمات التفاعلية.
ومنها ما يتعلق بعملية بناء الهوية في النسق اليومي لدى الأفراد والجماعات والمؤسسات، ومدى انسجامها وتوافقها مع الديناميات والتفاعلات الداخلية التي تتشكل من خلالها، والتي قد ينجم عنها الفرص الفعلية لتحقيق الإمكان الوظيفي في سياق ميزة تنافسية كما هو الحال لدى الأقليات اللغوية ضمن خصائص، متطلبات العدالة الإجتماعية؛ بل قد يتضح بالأحرى علاقة إيجابية الإتقان، الرخاء، أو علاقة سلبية بين أصلهم ووضعهم الاجتماعي – الاقتصادي الذي يبدو أنه لا يرتبط بقوة بمسألة اللغة.
وإذا ما كان لإعصار مكونو الذي ضرب أرخبيل سقطرى، مايو (أيار) 2018، وإعصار لبان في المهرة، أكتوبر (تشرين الأول) 2018 من أثر في (التحول) اللغوي، (التنوع) البيولوجي والبيئي؛ تشكيلة التعدد اللغوي الاجتماعي استجابة لاحتياجات قائمة، وهذا يحولها بالتالي إلى لغة مكتوبة على نحو تدريجي. وبناءً على ذلك، قد تختلف أيضًا تقييمات الجماعة المتماسكة، والجماعة غير المتماسكة للتنوعات اللغوية..في إطار ما يُسمى ظاهرة التقييم الاجتماعي للصيغ اللغوية التي قد تتأثر بالمحيط السياسي والديموغرافي، التحول الديمقراطي /السياسي من معيار الممارسة الفعلية للسلطة (أو تكافؤ النظم السياسية) إلى التشديد على المشروعية الديمقراطي (أو رجحان كفة الديمقراطية القائمة على التعددية)؛ حيث يجدر التذكير بأن التزام الأمم المتحدة بغاية الديمقراطية لا يحكم مسبقاً على الترتيبات المعيّنة التي ترغب الدول في تنفيذها، وأن الكرامة والمساواة والاحترام المتبادل، كما تقول ديباجة دستور اليونسكو، لا تتعارض مع تنوُّع نظم سياسية مقبولة أو جديرة بالاحترام في جميع أنحاء العالم. وهو ما يظهر في مجالات الثنائية أو التعددية اللغوية الرسمية في الإدارات الوطنية.التي ينبغي تنفيذ سياسات لغوية وطنية من أجل حماية التنوع اللغوي.
وهكذا، تصبح اللغة المشتركة الهدوء الذي يسبق العاصفة؛ وهي في الأساس مجموعة من التقارير عن زيارة معينة إلى الاتحاد السوفيتي في لحظة معينة من حياته – هيكل – في أجواء معينة سادت فيهوقد وقعت جميعًا أثناء عملية تاريخية هائلة تداعت وتدافعت فيه تغييرات بدأت زلزالا داخل حدوده، ثم تدفقت طوفانًا كاسحًا إلى أوروبا الشرقية، إلي أوروبا الغربية إلى بقية العالم يجرب أمامه عقائد سادت وأوضاع رسخت وخرائط تحددت وموازين قوة كان الظن طوال نصف قرن تقريبًا أنها في ثقل الجبال، كما إدارة مسألة الهوية، الانتخابات، الكوارث جزءًا من مسؤولية الدولة، والعناية بها تترتب عليها أعباء مالية، في إطار تحسين البنية التحتية الإقليمية.
وعلى الرغم من تزايد الوعي بالممارسات الجيدة النابعة من المعارف المحلية بشأن إدارة الموارد، إلا أنه لم تتطور بدرجة كافية النظم المؤسسية للتنبؤ بالمفاجآت اللاحقة للكوارث، بما في ذلك تأثيرها على تنوع الممارسات الثقافية. وما الزلزال الذي عصف بمدينة بام القديمة في إيران عام 2003 سوى برهان آخر على هشاشة التراث الإنساني في مواجهة الكوارث الطبيعية.
وكوسيلة لتيسير التكيُّف وبما يُزيد من إمكانية سوء التواصل بين الثقافات ويؤثر بالضرورة على قدرات الجماعات والمنظمات وعلى نتائج تقديم المساعدة كانت استراتيجية أوباما في الاتفاق مع إيران تهدف بدرجة كبيرة لترشيد سلوك إيران عبر عملية تحويل داخلية كبرى لصالح التيار الإصلاحي؛ فإلغاء العقوبات الاقتصادية والانفتاح على العالم سيستفيد منه في المقام الأول النخبة الاقتصادية وأصحاب المصالح والشريحة العليا من الطبقة الوسطى المهيمنين تقريبًا على المؤسسات التعليمية والثقافية والفاعلين الأكثر حركية في المجال السياسي، وكل نصر دبلوماسي أو مكسب اقتصادي يحققه الإصلاحيون يضاعف من فرصهم ويكسبهم قطاعات شعبية أوسع وقدر أكبر على التأثير في القرار السياسي..
ترامب نسف كل ذلك بالانسحاب من الاتفاق النووي. وأثبت للإيرانيين ما كان جزء كبير منهم يحاول أن ينساه: أمريكا لن ترضى إلا بإيران راكعة وخاضعة تمامًا. باختصار ترامب قال اليوم للإيرانيين: ظريف ليس له قيمة. اذهبوا إلى سليماني!
وفي هذا الصدد، يتعين وضع مؤشرات موثوقة وقابلة للمقارنة دوليًا من أجل تقييم أثر السياسات اللغوية على التنوع اللغوي وتشجيع الممارسات الجيدة.
وتتضح من خلالها العلاقة بين أوراق بنما، وقضايا التغير المناخي، ومنها تحديات العولمة البيئية؟!
للتأمل:
النظر إلى الخلف والنظر إلى أمام كليهما ضروري للتقدم (مثلما يفعل سائق السيارة ينظر في المرأة المعلقة أمامه لكي يرى الخلف، ثم يعيد تركيز بصره على طريقه المفتوح إلى أمام) إذًا نظرة إلى الخلف ثم تركيز على المستقبل، أو يصبح التقدم مغامرة محفوفة المخاطر.
*محمد حسنين هيكل، من كتاب (الزلزال السوفيتي).
-أعشق جمال الطبيعة أحب الورد أتنفس عبق الحروف تأسرني رقة أحساس المعاني والصور.
–الوردة متهمة بالخيانة العظمى
لأنها تجاهر في عطرها
في زمن الروائح غير الوطنية
وفي زمن الروائح الكريهة
المضرة بصحة الضمير
وصحة المستقبل.
* الشاعر: محمد القعود.
يسير في ليل البلاد ضميره ضوء وحزنه عشقٌ وزاد. * الشاعر: محمد القعود.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست