من المؤسف أن يجد المرء نفسه مضطرًا للدفاع عن أي نظام عربي، فللأنظمة العربية جميعها أخطاء، بل خطايا، تفقدها الشرعية، وتجعل المدافع عنها ليس أكثر من منافق متملق يشوه الحقيقة ويزيف الوعي؛ سعيًا وراء عطاياها ومغانمها. ولكن بما أننا نعيش في عالم تحكمه النسبية المائعة في كل شيء، بحيث تغدو الأحكام الأخلاقية المطلقة أقرب للاستحالة؛ إلا لمن أراد أن يسبح ضد التيار ويقضي قهرًا وكمدًا؛ فإن من الضروري الدفاع عن قطر ضد تلك الهجمة المسعورة التي تشنها حفنة من الأنظمة الخليجية المفتقرة للشرعية، ومن لف لفها من أنظمة وضيعة على استعداد للارتماء في أحضان الشيطان نفسه في سبيل حفنة من الدولارات.

لن أقف عند أخطاء قطر وخطاياها، وأبرزها التورط بإقامة علاقات ملعونة مع الكيان الصهيوني، فمن لا يقيم مثل تلك العلاقات الآثمة من أنظمة العرب، بل من لا يهرول جاهدًا لتعميقها، فليتفضل وليتقدم لرجم النظام القطري بكومة حجارة وليس فقط بحجر. ولكني سأتوقف قليلاً عند بعض الفضائل التي تسوغ احترام النظام القطري والدفاع عنه، مقارنة بالأنظمة الساقطة أخلاقيًا، التي تناصبه العداء.

قد يكفي قطر فضلاً وفخرًا أنها ربما الدولة العربية الوحيدة التي وقفت إلى جانب ثورات الربيع العربي، مهما كانت دوافعها من وراء ذلك. فالثورة على الأنظمة العميلة، وكل الأنظمة العربية تحترف العمالة، هي الخطوة الأولى والشرط الضروري الذي لا بد منه حتى يعرف المواطن العربي معنى الحرية وطعم الكرامة في يوم من الأيام. ومن يساعد على إسقاط تلك الأنظمة، أيًا كانت أسبابه ومآربه، يستحق وسامًا من ذهب. في المقابل، إذا كان أهل قطر يرون وجوب إسقاط نظامهم، فليفعلوا دون تردد أو تأجيل، ولهم الفضل، ولكني لا أظنهم يفعلون. فالنظام الذي يجعل من دخل مواطنيه أعلى الدخول في العالم، ويوفر لهم حياة كريمة، بل مرفهة، ومؤطرة بأفضل الفرص للتعليم والاستطباب والعمل، دون إذلال أو قمع أو منة، هو نظام محترم يستحق التمجيد والاحتفاء، مهما اختلفنا مع سياساته، وبخاصة الخارجية. والمفارقة أن بعض الأنظمة المغتاظة من قطر، وربما الأغنى منها، تترك حكامها الفسدة ينهبون ثروات البلد، ويتركون الملايين من مواطنيهم الجبناء أو البُكماء فريسة للفقر والمذلة.

ومن فضائل قطر التي لا تنسى أنها أنشأت قناة الجزيرة. وعلى الرغم من أنني لن أغفر للجزيرة أبدًا تواصلها مع مجرمي الكيان الصهيوني، مهما كانت المبررات والذرائع لذلك، ومع أنها قصرت بشكل فاضح في تغطية أخبار بعض ثورات الربيع العربي دون أخرى، نزولاً عن ضغوط هذه الدولة أو تلك، وعلى الرغم من أنها أداة من أدوات السياسة القطرية ولا ريب، إلا أنها أسهمت بصورة تاريخية مفصلية في صنع الإعلام العربي. فقبل الجزيرة لم يكن هناك إعلام عربي في واقع الأمر، بل مجرد دكاكين ومحطات ارتزاقية مأجورة وكاذبة تتطفل على مفهوم الإعلام. ومن السخف حقًّا أن تطالب الأنظمة الحاسدة لقطر بإغلاق قناة الجزيرة، فهذا يعني التسليم المهين بعجز العشرات من قنواتها المنحرفة المكدسة بالأفاقين والمطبلين والدجالين عن مقارعة الجزيرة بسلاحها، أي بالكلمة والصورة!

ومن المآثر التي لا تنسى لقطر احتضانها لكثير من المناضلين الذين شردتهم أنظمتهم الدكتاتورية ولم يجدوا ملاذًا عربيًا لهم إلا فيها. ومع أنني ضد استضافة قطر للإخوان المسلمين مثلاً، انطلاقـًا من عدم تعاطفي مع من ذبحونا بسلميتهم المريضة، وكأنهم أدمنوا النوم تحت أحذية الأنظمة المستبدة، بعد تلميعها، إلا أن توفير الملجأ الآمن لهم هو من باب المروءة التي تسجل للنظام القطري، تلك المروءة التي تبخرت من خزانات أنظمة عربية فلقت رؤوسنا بالحديث عن المروءة والنبل والشرف!

أرجو من الله أن تعصف رياح الفرقة بالأحزاب الذين تحلقوا كالضباع حول قطر، وأن يرتد مكرهم عليهم، فنرى فيهم يومًا، بل أيامًا سوداء كالقطران. فقطر، بالرغم من كل ما يمكن أن يقال عنها، هي لو تعلمون من آخر المعاقل العربية الرسمية المحتفظة بشيء من الشرف، وإذا سقطت بأيدي الأنياب الفاجرة المتربصة بها، لا قدر الله، فليتهيأ كل عربي لخلع بنطاله أمام نتنياهو، بعد أن خلع غلمان وسفهاء الخليج ومصر بناطيلهم أمامه!

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد