أيامٌ قليلة ونكون مع موعد إلهي يتجدد كل عام، تتجه أنظار ملايين المسلمين إلى بيت الله الحرام؛ لتأدية فريضة هي الأقرب لقلوبهم، يأتون غزاةً من كل مكان لينالوا غنائم قد لا يجدونها في مكان آخر أو وقت غير هذا، يأتي الشيخ والصغير والعجوز تترك كل ما معها، الكل جاء هنا فقط ليلقَى ربه، ما بين طواف وإقامة ورميٍ للحجارة، بأفعال منطقية وأخرى لا عقل عندها، لتحقيق رؤيا إبراهيم في ولده؛ يموت الشيطان ملايين المرات، وتنتهي لديك كل الأزمات ما أن تُقبّل حجر لا يضر ولا ينفع، جاء المسلمون بقلوب عاصية وعادوا كيوم ولدتهم أمهم.

ليست بالفريضة اللازمة، ولا هو بالركن الأول أو الثاني، فريضةٌ لها شرط المقدرة المادية والجسدية ويتقدمها أمور عدة في الدين والدنيا، ومع هذا تبقى فريضة الحج هي الأقرب لقلوب المسلمين، يبقى الحج عالقًا في ذهن التائب والعاصي، يسعى إليه القادر وغير القادر القريب أو حتى كان بعيد، فأن تنال لقب الحاج هي أمنية يتمناها الجميع.

الحج ليس سياسة أو اقتصاد، فهو لم يُفرَض كدعاية سياسية وليس منصة تعرض فيها الدول أفكارها، ولم يكن اختيار مكانه لكي يُربِح الدولة المليارات وتتاجر فيه فهو ليس بئر نفطية تدير الأموال، الحج ليس بمسرحٍ كبير تقف عند أبوابه تمنع وتسمح بالدخول كيفما تشاء، ولا بطريقٍ توقف عنده وتعبر من تريد، من حقك فقط أن تنظم وليس لك الوصاية على حجيج هم ليسوا حجاجًا لدارك أو لدولتك فهم حجاج بيت الله وضيوف الرحمن الذي وسع رحابه كل إنسان، فما هكذا تُفتح يا بني شيبة الكعبة.

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا. (النساء 58) هكذا أمر الله نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – بأن يُعيد مفتاح الكعبة إلى بني طلحة وشيبة وأوصى النبي – صلى الله عليه وسلم – بأن يبقى معهم دائمًا، لكن أبدًا لم تكن الوصية النبوية بأن تُفتح للبعض، ويتم إغلاقها في وجه البعض، فما هكذا تُفتح يا بني شيبة الكعبة.

حينما تكون مُفلسًا فكرًا ومنطقًا؛ فأنت على التصرف الغريب والعجيب، فمع ظهور الأزمة الخليجية بدأ كل طرف في استغلال الظروف المحيطة والتوقيتات المختلفة لكسب التعاطف، وأخيرًا مع اقتراب موعد الحج، بدأ الإعلام يتناول خبر منع الحجاج القطريين من تأدية مناسك هذا العام، ولا تتعب نفسك في البحث عن مصدر الخبر، فإذا كنت من متابعي الجزيرة ستجد أن السبب من السلطات السعودية وأن المملكة بدأت في تدويل الحج سياسيًا، أما إذا كنت من متابعي قناة العربية ستصدر لك الخبر مفاده الأزمة قطرية وأن دولة قطر هي المتسبب في محاولة لتدويل الأزمة، أما إذا لم تكن من متابعي هذه أو تلك فعليك أن تنتظر أيام قليلة وستجد الحجاج من كل مكان يؤدون المناسك.

صحيح أن العام السابق شهد منع للحجاج الإيرانيين من تأدية المناسك ولا نعرف من السبب فكل طرف يلقي المسئولية على الآخر، ونستطيع أن نعتبر أنها بداية تدويل موسم الحج سياسيًا ونخشى في الأعوام القادمة أن يستمر مثل هذا حسب الميول السياسي فقد يُفتح للفتحاوي ويُمنع عن الحمساوي، أو نجد الحوثي ممنوع أو غيره، فما هكذا تُفتح يا بني شيبة الكعبة.

لم نكن ننتظر منكم أن يتم استغلال الحدث الإلهي هكذا، ولا أن نجد تحقيق رؤيا نبي الله إبراهيم تتحقق في كابوس الزعماء العرب، وليعلم المصفقون أن الدائرة إن استمرت هكذا ستدور على الجميع، اليوم يتم منعه سياسيًا وغدا تجاريًا كما حاول بعض المفلسين فكريًا داخل مصر باعتبار أن الحج والعمرة يستنزف أموال الدولة.

بيت الله مفتوح وسيظل هكذا أمام الجميع مهما اختلف لونه أو وطنه، ووصية الله بأن تكون السدانة لبني شيبة باقية فهو يعلم أنهم يحافظون عليها، ونحذر من استغلال فريضة الله لصالح أي طرف وإلا رفع الله الكعبة عنده؛ وتبقى مكة المكرمة بلا كعبة ومحرمة وكنا حقا في آخر الزمان، فما هكذا تُفتح يا بني شيبة الكعبة.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد