نحو تعزيز مكانة تركيا الإقليمية والدولية في القرن الحادي والعشرين

تنظر تركيا إلى نفسها كواحدة من القوى الرئيسة في منطقة الشرق الأوسط، سواء أكان ذلك على صعيد دورها الإقليمي أم في حفظ التوازن الاستراتيجي، فالكل يعلم أن لتركيا من المقومات الجيوستراتيجية ما يؤهلها لذلك، فالقيادة السياسية التركية عادة لتكتشف نفسها من جديد في خضم بيئة إقليمية دولية عالية التنافسية، ولتطرح تساؤلات مهمة تتعلق بمكانة تركيا الدولية في القرن الحادي والعشرين، فالجميع يعلم أن لتركيا أهدافا استراتيجية بعيدة المدى تتمثل بسعيها إلى أن تكون ضمن القوى العشر الأولى عالميا بحلول عام 2023 وإلى أن تكون بالمرتبة الأولى بحلول عام 2070 ويبدو أنها جادة بذلك كونها وضعت الخطوط العريضة لتحقيق هذه الأهداف المستقبلية.

ويبدو أن أحد هذه الأهداف الرئيسة هو سعيها إلى أن تكون إحدى قوى النادي النووي من خلال سعيها إلى امتلاك التكنولوجيا النووية ومن ثم إنتاج القنبلة النووية مما سيمنحها أسبقية استراتيجية إقليمية، إلا أنه بنفس الوقت قد يضفي عليها نوعا من العزلة، فقد صرح مسؤول عسكري ألماني رفيع المستوى عن سعي تركيا إلى امتلاك السلاح النووي سرًا في ظل انشغال العالم بالبرنامج النووي الإيراني، ورجح إلى أنها قد بدأت فعلًا بالإجراءات العملية لذلك، فعقب الاتفاق المبدئي الذي توصلت إليه القوى الغربية مع إيران مطلع الشهر الماضي، أثيرت مخاوف من ردود أفعال عربية وسط طموح إقليمي متزايد لإعادة التوازن في القوى مع إيران، لكن في ظل هذا الزخم، توقع مراقبون أن تكون تركيا قد بدأت بالفعل برنامجا سريا قد يخطف الأضواء في الأعوام المقبلة.

فهناك العديد من المؤشرات التي تبين أن تركيا بدأت فعلا بذلك، ومنها أنها وقعت في عام 2011 اتفاقا مع شركة (روس أتوم) الروسية لبناء مفاعل نووي كبير على بعد 300 كيلومتر من المدينة الساحلية أنطاليا بقيمة 15 مليار دولار، وألحقته باتفاق آخر قيمته 17مليار يورو مع شركة يابانية – فرنسية، إذ أن بنود هذه الاتفاقيات نصت على تنازل تركيا عن الشرط المعتاد في مثل هذه الصفقات ولم تلزم الشركات المتعاقدة معها بالتخلص من قضبان الوقود النووي المستخدمة، وهي عادة ما تحتوي على 90 بالمائة من النفايات النووية و9 بالمائة من اليورانيوم غير النقي و1 بالمائة من البلوتونيوم غير النقي، كما أشارت مصادر أخرى إلى أن العالم الباكستاني (عبد القادر خان) قد يكون قد زود تركيا بخطط بناء القنبلة النووية كما فعل مع كل من إيران وليبيا وكوريا الشمالية.

ومن بين المؤشرات الأخرى هو طلب الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) في عام 2011 من قطاع التسليح التركي بتطوير صواريخ بعيدة المدى. إذ أن مثل هذه الصواريخ يصعب التحكم بأهدافها، كما يمكن استخدامها في حمل أسلحة الدمار الشامل، وكان ساسة أتراك ومن بينهم الرئيس السابق (عبدالله غول) في عام 2013، قد صرحوا بأن تركيا لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي بينما تسعى إيران إلى امتلاك القنبلة النووية، وقد يكون (أردوغان) بحاجة إلى مثل هذا البرنامج النووي ليقترب من تحقيق أحلامه باستعادة أمجاد الدولة العثمانية وبسط نفوذها في المنطقة.

وقد تسهم محاولات التقارب بين تركيا والسعودية مؤخرا إلى توطيد العلاقات بالتالي مع باكستان الحليف المهم للرياض، ولا يستبعد مراقبون أن يكون لباكستان دورًا هامًا في تطوير هذا البرنامج النووي الذي قد يعيد صياغة العلاقات الخارجية التركية تجاه أوروبا والشرق الأوسط وروسيا الاتحادية، فضلا عن تدعيم المشروع الإسلامي التركي في المنطقة، المنافس التقليدي للمشروع الشيعي الذي تتبناه إيران، لكنه قد يثير قلقا كبيرا في أوروبا والشرق الأوسط، وقد يدفع باتجاه بدء عملي للسباق النووي الذي يخشاه جميع الأطراف في المنطقة.

ومن خلال ما تقدم يبدو أن المحاولات التركية الرامية لامتلاك البرنامج النووي تنبئ بحالة من التصعيد الإقليمي اللامتناهي، بالإضافة إلى أنه قد يشكل حافزا لقوى إقليمية أخرى إلى التحرك السريع والجاد من أجل امتلاك التكنولوجيا النووية كالسعودية ومصر ودول الخليج، ومن ثم تصبح منطقة الشرق الأوسط على شفا صفيح ساخن نتيجة سعي الجميع إلى امتلاك السلاح النووي.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد