هي دعوة أطلقها السلطان عبد الحميد الثاني (1876- 1909) في محاولة منه لمواجهة تردي وضع الدولة العثمانية ما بين حالة الضعف، والتدهور في الداخل، وتصاعد مطامع القوى الكبرى نحوها؛ مما أوجب البحث عن هدف يلتف حوله المسلمون كافة، هدف لا يعرف أي تصنيف يرتكز على جنس أو لون، لا يعرف سوى أخوة الدين، حيث كان السبيل لنجدة الخلافة من كبوتها هو الدعوة للالتفاف حولها، فكانت الدعوة لحركة الجامعة لإسلامية Pan-Islamism كحركة مضادة لمقاومة مد الاستعمار الأوروبي، فهي دعوة للتضامن الاجتماعي، والسياسي بين المسلمين([1]).
فقد كانت شكلًا من أشكال الصحوة واليقظة، فهي امتداد لحركات البعث الإسلامي على مدار القرن الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، ومن ثَمَّ فإن الهدف هو مقاومة الزحف الاستعماري المطرد بإحياء مجد الماضي، والنهوض بأحوال الأمة؛ مما يحقق النجاة للدولة العثمانية من براثن الاستعمار، مما ساهم في إعادة تشكيل العلاقات بين الأخيرة، وبريطانيا التي لم تدخر جهدًا في السعي لتفتيتها، حيث أدركت خطورة سلاح الخلافة، خاصة أن مستعمراتها تقطنها الغالبية المسلمة، إذ تحكم ما يربو على ثلاثمائة مليون مسلم أغلبهم في الهند «درة» مستعمرات التاج البريطاني.
وقد تحدث عدد من الكتاب حول أيديولوجية الجامعة الإسلامية الرامية إلى تحقيق الوحدة بين المسلمين خلال القرن التاسع عشر، حول كونها قوميات مسلمة في مواجهة أجندة الاستعمار، وذكر الكاتب لاندو Landu أن التعريف الثقافي للجامعة الإسلامية يجعلها تصنف كحركة قومية أكثر من كونها دينية، فهي مقاومة للتهديد الخارجي كعادة الحركات القومية. وقد كان جمال الدين الأفغاني (1838- 1897) أحد أبرز تلك النماذج، بل ومهندس حركة الجامعة الإسلامية التي تبناها عبد الحميد الثاني، فهو أحد رموز ودعاة الإصلاح خلال هذه المرحلة، الذين شكلوا ركيزة مهمة للدعوة لحركة الجامعة الإسلامية. تبنى الأفغاني رؤية ارتكزت على ضرورة استخدام العقل، والاقتباس من الغرب بما يتواءم مع طبيعة الشرق، بهدف العودة إلى دائرة التأثير الحضاري، وتقديم الدعم للدولة العثمانية، بل والعمل على تجديد شبابها. فهي الأداة الضرورية للتصدي للزحف الاستعماري، وقد ارتكزت رؤيته حول تحقيق الوحدة بين المسلمين كافة، فقد آمن بالخلافة رافضًا أية دعوات قومية مطالبة بالاستقلال عن تبعيتها؛ مما يجعل من مفهوم الجامعة الإسلامية وفق رؤية الأفغاني ذات معنًي تحرري، ينأى عن الطائفية والمذهبية، كما ينأى عن الاستسلام سواءً للغرب أو للسلطان العثماني، إذ وجد في الصراع بين الشرق والغرب صراعًا حضاريًّا من الدرجة الأولى، وليس صراعًا دينيًّا، كما وجد في التمسك بالخلافة ليس تمسكًا بشخص (الخليفة) السلطان، وإنما ما يحمله المنصب من رمزية ومكانة لدى المسلمين الذين تطلعوا إليه لإعلان الجهاد، ودعمهم ضد تهديدات الاستعمار.
لم يكن دعاة الإصلاح والنهضة هم المحور الوحيد الذي تم الاعتماد عليه، فقد تم الاستعانة بالصوفية، والتي اعتمدت على نهج تمجيد الخليفة، حيث أُحيط بهالة من القداسة، فشكلوا الدعامة التي اعتمد عليها العثمانيون في المناطق المراد فتحها، حيث تدعيم علاقتهم بالمسلمين، كما شكلوا ما يشبه في وقتنا الحاضر مراكز استطلاع الرأي في العالم الإسلامي من تركستان إلى شمال أفريقيا. وقد سعت الخلافة لدعم تواصلها معهم، حيث كان الاهتمام بالتكايا والزوايا بهدف تكوين رابطة تدعم ما يصبو إليه السلطان، الذي عرف عنه ميوله الصوفية، حيث كان الشيخ محمود أبو الشامات اليشرطي (1849 – 1922) شيخه، وهو أحد رجال الطريقة الشاذلية، كما كان الشيخ أبو الهُدَي الصيادي (1849- 1909) من أبرز النماذج التي تم الاستعانة بها، والذي اعتلى مكانة بارزة، فبصفته شيخًا للطريقة الرفاعية ومستشارًا للسلطان، إلى جانب نفوذه، بات لديه عدد من الدعاة، يجوبون المشرق للدعوة للرفاعية ولدعم سلطة الدولة العثمانية (الخلافة)، كما عول أيضًا على الشريف عون (1841- 1905) الذي نجح في أن يحظى ﺑلقب «شيخ شيوخ الطرق»، وبات هو المساعد المخلص للصيادي، والخادم الأمين للسلطان، وقد تجلي دوره من خلال شرافته لمكة، إلى جانب مرشدي الحجاج، حيث الدعوة للجامعة الإسلامية وللسلطان بين الحجيج القادمين من بلدان مختلفة؛ لتنتقل الدعوة للجامعة الإسلامية إلى ربوع العالم الإسلامي، الذي حرص السلطان على دعم أواصر الاتصال به.
كما تواصلت الدولة العثمانية مع بورونو الواقعة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا، حيث منحهم السلطان النياشين والأوسمة والهدايا في محاولة لدعم أواصر الوحدة الإسلامية، وبالتبعية الشعور بقوة الخلافة الحاضنة للمسلمين كافة؛ مما يعود بالنفع على الجامعة الإسلامية، كما تواصل السلطان مع سلطنة زنجبار التي حرص على دعم علاقاته معها، فمنذ عام 1878 توالى إرسال مبعوثي السلطان لزنجبار، حيث كان في مقدمتهم السيد أمين أفندي، الذي حمل خطابًا باللغة العربية لسلطانها، كما قدم إليه وسامًا سلطانيًّا بتكليف من عبد الحميد الثاني، وقد تتضمن الخطاب شرح أهداف الجامعة الإسلامية، أعقبها زيارة أخرى برئاسة المبعوث السلطاني شكري بك؛ مما ساهم في خلق علاقة مترابطة مع زنجبار جسدتها زيارة السلطان سيد علي بن حمود (1902- 1911) سلطان زنجبار عام 1907 إلى إسطنبول، فرغم انتشار المذهب الإباضي في زنجبار، لكن استمر الدعاء للخليفة السني في خطب الجمعة؛ مما يوضح السعي الدؤوب للسلطان في دعم تواصل الخلافة مع المسلمين في كافة الأرجاء.
وفي السياق ذاته، تجلى الشيخ محمد ظافر المدني من طرابلس الغرب، فهو المعلم الروحي للسلطان، وقد ترأس طريقة صوفية ثانوية عُرفت ﺑ«الشاذلية المدنية»، استخدم المناطق التي سادتها طريقته الشاذلية لخدمة السلطان، حيث شمال أفريقيا ومناطق الاحتلال الفرنسي، فقد أوفد مبعوثًا له لزيارة الجزائر وتونس، حيث المناطق الخاضعة للاحتلال الفرنسي، فزار موفده المشايخ واستطاع أن يعود ﺑثمانية آلاف فرنك (أموال الزكاة) للمساهمة في دعم سياسة الجامعة الإسلامية، كما ربطته صلة بالشيخ فضل العمري من ظفار، حيث تولى تعيينه مساعدًا لشريف مكة عبد المطلب عام 1880، في محاولة لكسر التحالفات القبلية العربية الموالية لبريطانيا. كما شكل حلقة اتصال مع محمد المهدي السنوسي (1859- 1902) الذي وجد في بقاء الدولة العثمانية ضرورة دينية وسياسية، كما حرص عبد الحميد الثاني على التواصل مع السنوسي حيث تبادلا الوفود، فأرسل السلطان إليه صادق المؤيد إلى الكفرة بليبيا في سبتمبر عام 1895، حيث كان محملًا بالهدايا، أعقبها إرسال الشيخ عبد العزيز العيساوي من المتصوفين السنوسيين، لتأكيد دعمهم للسلطان والسلطنة، وقد صاحب اتساع النشاط الصوفي رواج لمؤلفاتهم خاصة لأبي الهُدَى الصيادي، ومن ثِّم بات هناك تيار صوفي قوي يدعو للمركزية والالتفاف حول الخلافة.
لقد امتلكت الصوفية القدرة على الحشد والتعبئة ضد المستعمر، خاصةً في شمال أفريقيا، حيث كان العمل منظمًا ما بين لجنة مركزية مقرها العاصمة إسطنبول، تترأس لجان فرعية منتشرة داخل الولايات العثمانية، لا سيما مكة المكرمة، حيث موسم الحج؛ مما يوضح مدى حجم الدور الذي أدته الصوفية دعمًا لسياسة الجامعة الإسلامية، وهو ما عارضه دعاة النهضة والإصلاح الديني؛ مما انعكس بالسلب على حركة الجامعة الإسلامية، حيث لا يستوي توجه دعاة الإصلاح مع الصوفية التي رسخت دعوتها على المركزية المطلقة وتنزيه السلطان عن أي نقد أو خلل، فاجتثاث الأفكار والدعوات الراغبة في الحرية لا ترسخ سوى لحكم مطلق، ولكن يبقي السؤال: كيف يقرب السلطان عبد الحميد شخصيات وعقول على([2]) غرار الصيادي ويُترك لهم العنان، في حين تُقيد حرية العقول الداعية للإصلاح والتجديد؟ وهو ما يتطابق مع مقولة جلادستون «اعمل ما تستطيع عمله، واكسب ما تستطيع كسبه»، فربما قدرة الصوفية على الحشد والتعبئة دفعت السلطان العثماني الذي عُرف برجاحة العقل، أن يقبل بتلك الأوضاع؛ أملًا في إنقاذ دولته من خطر الفناء.
واستمرارًا لسياسة دعم الجامعة الإسلامية كان الاهتمام بالعرب، حيث آمن السلطان أن نجاة دولته، يكمن في ضرورة دعم أواصر التعاون بين العرب والأتراك، فكانت سياسة استقطاب العرب التي تحولت لاضطهاد عقب عزل السلطان عبد الحميد عام 1909، فقد تم تأسيس إدارة خاصة لإدارة شئون العرب، وذلك في القصر السلطاني، حيث حرص السلطان على تنصيب العرب عددًا من المناصب العليا في الدولة كجزء من سياسة الاستقطاب المتبعة، فشكلوا كتائب الزحوف العربية، التي تولت حراسة القصر السلطاني، وقد حظيت بإعجاب الأجانب، كما كان هناك أحمد عزت باشا العابد (1864- 1937) المعروف ﺑ«عزت العربي» الذي شغل منصب السكرتير الثاني في القصر السلطاني، إلى جانب محمود شوكت باشا (1856- 1913) الذي شغل منصب قيادة الجيش، كما حرص السلطان على زيادة ساعات دراسة الدين بالمدارس النظامية، إلى جانب الاهتمام بتدريس اللغة العربية، وإنشاء مدرسة العشائر العربية في محاولة لاستقطابهم للخلافة، وكان مقرها إسطنبول، وهي مدرسة داخلية تتكفل الدولة بكامل نفقاتها.
واستمرارًا لدعم حركة الجامعة الإسلامية جاء خط سكة حديد الحجاز، الذي عُرف في السجلات ﺑ «خط شمندفر الحجاز أو خط الحجاز الحميدي»، إذ لم تكن الفكرة وليدة العصر الحميدي، وإنما ترجع جذورها إلى عصر السلطان عبد العزيز (1861- 1876)، لكن حملها عبد الحميد الثاني على عاتقه كجزء من سياسة دعم الجامعة الإسلامية، فخطوط السكك الحديدية ذات أهمية اقتصادية وعسكرية بالغة، فقد كان من المخطط لذلك الخط أن يبدأ من الشام (دمشق) مرورًا بكل من (عمَّان– معان– تبوك– مدائن الصالح) إلى أن يصل للمدينة المنورة، وقد تم إسناد إدارة المشروع لعزت العربي، فالهدف ربط سكة حديد الأناضول بسكة حديد بغداد، يرافقه إنشاء شبكة اتصال تلغرافية بمحاذاة الخط الحديدي، بما يحقق التواصل بين الولايات ومركز الحكم. جدير بالذكر أن خط حديد بغداد عام 1898 كان يهدف إلى الربط بين أوروبا، والهند مرورًا بسوريا– الإسكندرية– حيفا، مع إنشاء شبكة ري للاستفادة من مياه الرافدين (دجلة والفرات)، وأمام مساعي الربط بينه وبين سكك حديد الحجاز سوف تتحقق فائدة كبرى، فتتحول الأراضي الواقعة على جنباته لمروج خضراء تجلب منافع اقتصادية، إلى جانب دورها في تسهيل تحركات الجيش، وهو ما جاء ذكره في مذكرات السلطان عبد الحميد، وأكده البارون فون أوبناهيم Von-oppenheim في مؤلفه الذي دار حول الهلال الخصيب وأهميته الاقتصادية، وقد تمنى السلطان أن تستمر الدبلوماسية الألمانية بمنأًى عن التأثير الإنجليزي الرامي لعرقلة أية مشروعات تُقدم الدولة العثمانية على القيام بها.
فقد جاء الاهتمام بخط الحجاز بصورة بالغة، فقد تعددت أهميته، فعلى الصعيد الديني؛ فهو يوفر الأمن والراحة إلى جانب السرعة للحجاج، بل ويجعلهم بمنأًى عن التعرض لهجمات البر والبحر حيث البدو والقراصنة، كما يساعد على خفض تكلفة الحج؛ مما سيفضي إلى زيادة أعداد الحجاج، وعن أهميته الاقتصادية؛ فلا شك في دوره في تحقيق انتعاش اقتصادي للمدن الواقعة على امتداد الخط الحديدي، لا سيما مع وجود توجه لمد الخط إلى إحدى مواني البحر الأحمر؛ مما يساهم في انتعاش التجارة بقوة، بل وانتقالها من قناة السويس إلى خط الحجاز، وحوله أهميته العسكرية؛ فتكمن في تسهيل تحركات الجيش وتعبئته حال تعرض أي من اليمن أو الحجاز أو البحر الأحمر للاعتداء، إلى جانب أهميته السياسية، في دعم تكتل المسلمين ووحدتهم خلف الخلافة العثمانية، كذلك تحقيق ما اعتبره السلطان جانبًا من استقلال الدولة العثمانية عن أوروبا،
توالى العمل في الخط الحجازي الذي تم اتخاذ قرار بدء العمل فيه في مايو عام 1900، وقد تم تدشين العمل في حفل مهيب، في الأول من سبتمبر عام 1900، وهو ما يقابل العام الخامس والعشرين من حكم عبد الحميد الثاني، ومع حلول عام 1905 اكتملت المرحلة الأولى التي امتدت من الشام إلى معان، وقد انطلقت أولى رحلاته لنقل البضائع والركاب. وفي 31 أغسطس عام 1908، وصل الخط إلى المدينة المنورة، حيث بلغ طوله مع إضافة الخطوط الفرعية 1900 كم.
فقد شكل الجيش العثماني عماد العمالة المشاركة في المشروع؛ مما ساهم في خفض النفقات، إلى جانب بعض العمالة المحدودة القادمة من أرجاء العالم الإسلامي، حيث بلغت خمسة آلاف عامل، ومع ضآلة الأجور التي تلقاها الجنود، فقد سُمح لهم بإنهاء خدمتهم العسكرية مبكرًا، أي قبل عام عن موعدها المحدد، كما تولى المهندس الألماني مايسنر باشا رئاسة أربعة وثلاثين مهندسًا منهم سبعة عشر عثمانيًّا، وما تبقى كان السواد الأعظم منهم من الألمان، إلى جانب بعض الجنسيات الأخرى القادمة من النمسا واليونان وإيطاليا، هذا وقد استغرق بناء الخط ثماني سنوات.
جدير بالذكر أنه مع وصول الخط إلى منطقة مدائن الصالح، شكل ذلك بداية المنطقة الحرام، إذ يمنع غير المسلمين من الدخول إليها ليستكمل المهندسون المسلمون البناء، والذين ازدادت أعدادهم، كما بات لديهم خبرة جراء التعامل مع المهندسين الأجانب منذ بدء المشروع، الأمر الذي انطبق أيضًا على العمالة، ليصبح الجزء الممتد من مدائن الصالح للمدينة المنورة هو نتاج عمل المسلمين فحسب، ورغم ما عانته الدولة العثمانية من الديون التي كان السلطان على دراية كاملة بخطورتها على الدولة سواء الداخلية، أو الخارجية منها، وهو ما حرص على تجنبه خلال تمويل ذلك المشروع، حيث ارتكز التمويل على تبرعات المسلمين، وهو ما ناوأته بريطانيا عبر نشر الشائعات بين مسلمي الهند، حول إهدار أموال التبرعات وعدم استخدامها لإنشاء الخط، كما حظرت عليهم تعليق «وسام خط حديد الحجاز»، الذي كان يُمنح لكبار المتبرعين.
يُذكر أن الهند ضمت 166 لجنة معنية بجمع التبرعات من أجل خط حديد الحجاز، الذي كان من أبرز دعاته في الهند السيد عبد الحق الأزهري، وهو من مدينة بغداد يقيم في الهند، ويعمل إمامًا لمسجد منارت في «بومباي» الواقعة غرب الهند، هذا وقد تولى ترجمة نداء السلطان عبد الحميد الثاني «بشأن التبرع لحديد الحجاز» إلى اللغة الأردية، كما تجلى محمد إنشاء الله؛ وهو مواطن هندي من حيدر أباد حيث أصبح محررًا لصحيفة تصدر في أمرتسار ثم لاهور في الهند، وهو أحد أبرز المشرفين على حملة جمع التبرعات في الهند، هذا ورغم المقاومة البريطانية لتلك التبرعات، لكنها بلغت 5000 ليرة عثمانية شريطة إيصال الخط الحديدي إلى جدة، وهي المحطة الأولى التي يبلغها حجاج الهند عند وصولهم للأراضي المقدسة.
هذا وقد كان تعطيل خط الحجاز باكورة عمل الإنجليز عام 1914، عقب انسحاب العثمانيين من مكة والمدينة، حيث يُشكل التهديد الأكبر لمصالحها الإمبريالية في المنطقة، ولم تكن فرنسا بمنأًى عن سياسة حليفتها؛ حيث عمدت إلى فرض ضرائب جمركية باهظة على مستلزمات خط الحديد، التي تمر بالمواني التابعة لها، وتعطيل خروجها، فلا شك من تأثير ذلك في وتيرة العمل الذي بات البطء هو رفيقه الدائم، لكنه لم يتوقف واستمر العمل فيه، وكأن رجل أوروبا المريض يعلنها للكافة أنه لم يمت، فما يزال ينبض قلبه بالحياة. هذا وقد شارك السلطان العثماني نفسه بالتبرع للخط الحجازي بخمسين ألف ليرة، وتوالت التبرعات من كافة مسلمي العالم، بما في ذلك إيران؛ حيث أرسل شاه إيران مظفر الدين (1896- 1907) جانبًا من التبرعات إلى الدولة العثمانية، كما وردت تبرعات من مسلمي روسيا وسنغافورة والصين، حيث قُدرت تكلفة الخط بثلاثة ملايين ونصف ليرة عثمانية، ومع اتساع حجم النفقات فُرضت ضريبة المسقفات (قدرها خمسة قروش تفرض على كل ذَكَرٍ)، كما أُلزم العاملون بالدولة بالتبرع براتب شهر، كما تم نقل مخصصات دائرة الحج وقدرها مائة وخمسون ألف ليرة لتغطية نفقات الخط؛ ليصل حجم النفقات إلى ثمانية ملايين ونصف ليرة، لتتحقق بذلك مقولة السلطان عبد الحميد الثاني «يا مسلمي العالم اتحدوا»، لكن إدراك الغرب لخطورة تلك العبارة حال دون دخولها حيز التنفيذ.
حقيقة الدعوة التي أطلقها السلطان عبد الحميد لقت استجابة التف حولها المسلمون من كافة البقاع، لكن في ظل إدراك القوى الكبرى بقيادة بريطانيا لخطورة تلك الدعوة، التي اعتبرتها بمثابة سلاح فتاك يمتلكه السلطان (الخليفة) حال نجاحه قد تتبدد كافة المؤامرات الرامية لهدم الدولة العلية، لذا كان لا بد من هدمها والقضاء عليها. ويبقى السؤال هل يمكن تطبيق دعوة السلطان عبد الحميد في وقتنا الحاضر؟
1) آية الله أحمد عبد المنعم، العلاقات المصرية العثمانية (1881- 1923)، (رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب جامعة الإسكندرية، 2016)، ص91- 95.
2) آية الله أحمد، مرجع سابق، ص 96- 100.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست