من بعد السنة الأولى لثورة يناير، والشباب الثوري مشغول بإقناع عامة الشعب؛ للحاق بركب الثورة، والذي تكمن فيه النجاة للجميع، ولكن لماذا لم يقتنع الشعب، بالرغم من كل ما حدث وما يحدث؟

قامت ثورة يناير للمطالبة بـ«العيش، والحرية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية»، وهي أشياء بديهية، يجب أن تكون في متناول الجميع، دون النظر إلى المستوى الاجتماعي أو الفكري، ومن أجل تلك المطالب انضم للثورة عامة الشعب ودافعوا عنها, لكن سرعان ما تحول هذا الانضمام إلى معاداة للثورة والثوار، بالرغم من أن ما حدث، وما يحدث، يتحمل الجزء الأكبر منه عامة الشعب، والمؤسسات الحاكمة, وما ذنب الثورة والثوار فيما يحدث؟ هل  هم من اعتقلوا الآلاف من الشباب والنساء، وحتى الأطفال؟ هل هم من يقتلون أي فرد يختلف معهم في الرأي؟ هل هم من قاموا برفع أسعار المواد الغذائية، ومؤخرًا الأسعار الجنونية للأدوية؟ كل ما حدث يدعوا للانتفاض، والثورة، ولكن، لماذا لم يلحقوا حتى الآن بركب الثورة، والمطالبة بحقوقهم، ومساندة من يدافع عن حقوقهم؟

عامة الشعب لديهم الأسلوب الفكري لـ«آزر» والد سيدنا «إبراهيم» عليه السلام؛ فعندما آتى الله إبراهيم العلم والحكمة؛ لكي يصل إلى عبادته وحده، وهي الطريق الصحيح، لكي يسير فيه، وأثبت لوالده خطأ اعتقاده، عندما قام بتحطيم الأصنام التي يعبدها؛ لكي يثبت له أنها لا تغني ولا تسمن من جوع، وأنها ـ حتى ـ لم تقم بالدفاع عن نفسها؟ لم يقتنع آزر، بل إنه سلك الدرب المضاد، وتوعد إبراهيم بالتحريق، وقد فعل، لولا معجزة الله, فهم يعتقدون أن الحياة الطبيعية هي ما كان يعيشيها آباؤهم وأجدادهم، وأن أي شيء جديد مخالف للطبيعة التي يتعودوا عليها تجب محاربته.

ولهم من تفكير ابن سيدنا «نوح» عليه السلام الجزء الأكبر؛ فعندما جاء الطوفان لكي يغرق الأرض بما عليها، وكانت فرصة النجاة الوحيدة هي ركوب السفينة، ودعا نوح ـ عليه السلام ـ ابنه؛ لكي يركب معه، رفض، وقال «سآوي إلى جبل يعصمني من الماء»، لكنها لم تكن كأي ماء؛ فقد جاء ليأكل الاخضر واليابس. ومات غريقًا. وكُتبت النجاة لمن صعد على سطح السفينة .

فهل اتباع سياسة السير إلى «جانب الحائط»، والابتعاد عما هو مخالف للقديم، سيقوم بإنقاذك؟ بالطبع «لا»! فالسير في ركب الثورة هو سبيل النجاة.
ولكن، ألم يخطئ الثوار؟ بالطبع أخطأوا في حق أنفسهم، وفي حق الثورة؛ فالثورة الحقيقية هي الثورة على نظام فكر الشعب، فإذا تغير نظام الفكر ـ بالضرورة ـ تغير نظام الحكم، والحاكم، ولكن الثورة على نظام فكر الشعب لا تكون بلغة المصطلحات التي لا يفهمها، وتبدو غريبة، أو تكون عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، التي لا يرتادها عامة الشعب, خاطبوا العامة على قدر عقولهم واحتياجاتهم، ولتنزلوا من منابر المصطلحات النظرية التي لا تسمن ولا تغني من جوع للعامة، ولا تيأسوا ـ حتى ـ مع عدم اقتناع العامة؛ لأن احتمالية عدم اقتناعهم كبيرة جدًا، فبالرغم مما يحدث، والذي يدعو للانتفاض والثورة، إلا أنهم سلكوا الدرب المضاد، ولكم في آزر، وابن نوح عبرة، حتي وإن يأس البعض منكم، من تغيير فِكر الشعب، فعلى الاقل ما زلتم مؤمنين بالثورة، وقادرين على توعية الأجيال القادمة  بالثورة, عامل النجاح الأكبر للثورة هو قوة الإيمان بها، ولكم في نوح وإبراهيم عليهما السلام عبرة. فبالرغم من قلة العدد، إلا أن قوة الإيمان بالفكرة هي التي تكللها بالنجاح, فلا تدعوا الأجيال القادمة تسلك درب أجدادهم.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

الآباء, الثورة
عرض التعليقات
تحميل المزيد