لا تتشابه أعوام القدس المتلاحقة؛ إذ تصطخب أعوامها بالمزيد من اعتداءات الاحتلال ومحاولاته التضييق على المقدسيين، واستهداف وجودهم وقطاعاتهم الحياتية، فمن محاولات أذرعه الأمنية والاستيطانية الاستيلاء على منازل المقدسيين، وسحب بطاقات إقامتهم الزرقاء، واستهداف مؤسسات المجتمع المدني المقدسية، وصولًا إلى فرض الضرائب واستهداف تجار القدس، في سياق الإمعان في إفقار المجتمع المقدسي، تُشكل مروحة الاعتداء هذه، العناوين العامة لمئات الأحداث اليومية، التي تستخدمها سلطات الاحتلال لممارسة المزيد من الضغط على المقدسيين.
المصادرة والاستيلاء على ممتلكات المقدسيين وعقاراتهم
شهد عام 2020 محاولات أذرع الاحتلال السيطرة على أراضي المقدسيين وعقاراتهم، في أنحاء مختلفة من المدينة المحتلة، وتكاملت في ذلك جهود محاكم الاحتلال والجمعيات الاستيطانية، والأذرع الأخرى الأمنية والعسكرية، وفي حي بطن الهوى في بلدة سلوان يهدد الاحتلال أكثر من 87 عائلة بالإخلاء على قطعة أرضٍ واحدة في البلدة، إذ تُطوع سلطات الاحتلال جميع أدواتها لمصادرة ممتلكات المقدسيين. ونذكر في ما يأتي أبرز عمليات المصادرة والاستيلاء في عام 2020:
– في 20 يناير (كانون الثاني) 2020 أصدرت محكمة الاحتلال قرارًا بإخلاء بناية الرجبي في حي بطن الهوى في سلوان، لمصلحة جمعية «عطيرت كوهنيم» الاستيطانية المتطرفة، ويضم المبنى ثلاث شقق سكنية.
– في 26 يناير 2020 أصدرت محكمة إسرائيلية قرارًا بإخلاء مبنى عائلة الدويك في حي بطن الهوى، لمصلحة جمعية «عطيرت كوهنيم»، ويتكون العقار من خمسة طوابق، وتعيش فيه خمس عائلات.
– في 27 يناير 2020 أصدرت محكمة الصلح قرارًا بإخلاء عائلة عزات صلاح من منزلها من سلوان، لمصلحة جمعية «إلعاد» الاستيطانية.
– في 29 يونيو (حزيران) 2020 أصدرت المحكمة المركزية في القدس المحتلة قرارًا بطرد عائلة سرمين من عقارها في منطقة سلوان، لمصلحة مستوطنين تدعمهم جمعية «إلعاد».
– في 30 يونيو 2020 سيطرت مجموعة من المستوطنين على منزل في حي وادي الربابة في سلوان، على أثر تسريبه من جهة مالكه، ونقلت الأثاث إليه.
– في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 كشفت صحف عبرية أن المحكمة المركزية في القدس المحتلة، أصدرت أمرًا قضائيًا بإخلاء 87 فلسطينيًا من أراضيهم، بذريعة امتلاك يهود هذه الأراضي قبل عام 1948، ووصفت صحيفة «هآرتس» هذا القرار، بأنه انتصار جديد للجمعيات الاستيطانية اليهوديّة.
– في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2020 قررت محكمة «الصلح» التابعة للاحتلال إخلاء عائلتين من حي بطن الهوى في بلدة سلوان، وتسليم العقارين إلى جمعية «عطيرت كوهنيم» الاستيطانية.
سحب الهويات الزرقاء المقدسيّة
صعدت سلطات الاحتلال إصدار قرارات سحب الهويات الزرقاء الخاصة بالمقدسيين في عام 2020، وبحسب «مركز الدفاع عن الفرد- هموكيد» الإسرائيلي، سحبت وزارة الداخلية في حكومة الاحتلال الهويات الزرقاء لـ18 فلسطينيًا من القدس المحتلة، وبحسب هذه المنظمة سحبت سلطات الاحتلال هويات 14 ألفًا و701 فلسطينيًا من القدس المحتلة من عام 1967 حتى 2020. وينشر المركز هذه المعطيات بناء على مراسلات يقوم بها مع وزارة داخلية الاحتلال، وتوضح هذه الأرقام استمرار سياسية الاحتلال في استهداف الوجود الفلسطيني في القدس، ويُشكل سحب الهويات إجراءً عقابيًا من جهة واستهدافًا ديموغرافيًا من جهة أخرى.
استهداف التعليم والأونروا في القدس
تتابع سلطات الاحتلال محاولات إنهاء وجود وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا في القدس المحتلة، وشهدت السنوات الماضية محاولات الاحتلال استهداف قطاع التعليم على وجه الخصوص، في إطار تطبيق مفاعيل «صفقة القرن»، وتطبيقًا لمخططات الاحتلال في أسرلة قطاع التعليم في المدينة المحتلة.
وفي السياق ذاته، أعلنت بلدية الاحتلال في 1 يناير 2020 عن إنشاء مجمع مدارس يتبع لوزارة التعليم في حكومة الاحتلال، وبحسب القناة العبرية السابعة سيقام التجمع في مخيم شعفاط وعناتا، ليكون بديلًا عن مدراس وكالة الأونروا، وتبلغ كلفة المشروع نحو 7 مليون شيكل (نحو 2 مليون دولار)، وبحسب مصادر مقربة من البلدية تسعى هذه الخطوة إلى إخراج الأونروا من المدينة المحتلة بشكل كامل.
وإلى جانب الاستهداف المباشر للوكالة، عملت سلطات الاحتلال على استهداف المشاريع الممولة من الوكالة، ففي نهاية شهر سبتمبر (أيلول) 2020 استدعت سلطات الاحتلال رئيس اللجنة الشعبية في مخيم شعفاط محمود الشيخ، للمرة الثانية خلال أسبوع للتحقيق معه في قضية مركز الشباب الاجتماعي واللجنة الشعبية ومشاريعها في المخيم، وتعمل اللجنة على تنفيذ مشاريع خدمية عامة ممولة من وكالة الأونروا من مانحين أوروبيين.
إغلاق المؤسسات وقمع الفعاليات
تلاحق سلطات الاحتلال المؤسسات الفلسطينية في القدس المحتلة، عبر قرارات الإغلاق، بذرائع مختلفة، في محاولة لإضعاف بنية المجتمع الفلسطيني في المدينة المحتلة، ومحاولة إزالة أي مقومات للصمود في المدينة المحتلة. ففي 17 مايو (آيار) 2020 أغلقت سلطات الاحتلال جمعية «تطوع للأمل»، في بيت حنينا شمال القدس المحتلة، بذريعة العمل في القدس لمصلحة السلطة، واعتقلت قوات الاحتلال رئيسة الجمعية سلفيا أبو لبن، واعتدت على نجلها وزوجها خلال إغلاق الجمعية، وأفاد شهود عيان أن عناصر مخابرات الاحتلال أغلقت بوابة الجمعية بالشمع الأحمر، وعلقت القرار على بوابتها باللغتين العربية والعبرية.
وفي سياق الضغط على المؤسسات الفلسطينية في القدس المحتلة، شنت قوات الاحتلال في 22 يوليو (تموز) 2020 حملة على المؤسسات الثقافية في المدينة المحتلة، فقد اقتحمت مركز يبوس الثقافي، وصادرت منه ملفات وممتلكات خاصة، واقتحمت المعهد الوطني للموسيقى، ولم تكتف قوات الاحتلال بهذه الاعتداءات، فقد اقتحمت قوات الاحتلال منزل مديرة مركز يبوس رانيا الياس، ومنزل مدير المعهد الوطني للموسيقى سهيل خوري، واقتادتهما إلى أحد مراكز التحقيق في المدينة المحتلة.
استهداف تجار القدس
يستهدف الاحتلال القطاعات الاقتصادية في القدس المحتلة، ويركز على استهداف تجار القدس الذين عانوا في عام 2020 تضييقًا كبيرًا نتيجة قرارات الإغلاق المتكررة التي أصدرتها أذرع الاحتلال، والتي فاقمت من معاناة تجار القدس. وتُعد الضرائب أبرز الوسائل التي تحاصر المقدسيين عامة والتجار على وجه الخصوص، إذ تُشير مصادر مقدسية إلى أن سلطات الاحتلال تجبي نحو 35% من ميزانية المقدسيين على شكل ضرائب، ولكنها في المقابل تقدم لهم خدمات تساوي نحو 5% مما تتم جبايته، أي أن الضرائب التي تجبيها سلطات الاحتلال تهدف إلى إفقار المجتمع المقدسي بشكلٍ أساسي، وتأتي سياسية الاحتلال هذه في سياق ما تفرضه سلطات الاحتلال من حصار اقتصادي تتصاعد صوره وأشكاله في الأعوام القليلة الماضية.
وعلى أثر فرض الاحتلال الإغلاق الشامل بسبب تفشي كورونا، تفاقمت معاناة التجار المقدسيين في البلدة القديمة، وبحسب مصادر مقدسية، انخفض عمل التجار المقدسيين بنسبة 90%، وتضررت قطاعات على غرار محال الملابس والعطور وغيرها، وبعد مرور عدة أشهر من انتشار كورونا في المناطق المحتلة، ارتفع عدد المحال التجارية المغلقة في القدس من نحو 350 محلًا إلى نحو 800 محل، وهذا ما يؤشر إلى تفاقم معاناة الفلسطينيين في المدينة، خاصة أن إغلاق المحل الواحد يمكن أن يؤثر في عددٍ من العائلات.
ختامًا تقدم المعطيات السابقة صورة مصغرة عما يتعرض له المقدسيون من اعتداءات متنوعة، تكمل ما تقوم به سلطات الاحتلال من اعتقالهم واستهداف أمنهم، وغير ذلك من خطط التهويد التي تتعرض لها المقدسات في المدينة المحتلة. ولا نسلط الضوء على هذه المعطيات من باب الترف المعلوماتي، بل في سياق بلورة خطط عمل لبلسمة جراح المقدسيين، وتصويب أولويات دعم المقدسيين وتثبيتهم في أرضهم.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست