لا يلعب التفاعل الدولي دورًا بارزًا في الأحداث الجارية في القدس والأقصى، إذ تتراوح ردود الفعل الدولية تجاه انتهاكات الاحتلال للمسجد الأقصى، بين القلق، والاستنكار، والتحذير، والمساواة بين الضحية والجلاد، وعلى الرغم من هذا الاستنكار، فإنها تصب بشكلٍ أو بآخر في مصلحة الاحتلال، عبر مساواتها بين المعتدي والمعتدى عليه، وبين أصحاب الحق، وبين المدعين من المستوطنين وأذرع الاحتلال. ولا يقف هذا التباين من قضية الأقصى فقط، بل يصل إلى المواقف من المستجدات الأخرى المتصلة بالقضية الفلسطينية، وفي مقدمتها «صفقة القرن»، وتلويح الاحتلال في بداية عام 2020 بضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغيرها.
مجلس الأمن الدولي: الاكتفاء بالقرارات غير الملزمة
لم يعد الفلسطينيون يراهنون على القرارات الأممية في لجم الاحتلال، والحدّ من تغوله، وفي عام 2020 لم يستطع مجلس الأمن الدولي تحقيق أي من الآمال الفلسطينية، على غرار الأعوام التي سبقته، ولم ينجح في إصدار بيان يدين فيه انتهاكات دولة الاحتلال في الأقصى، وانحسر خطاب الأمانة العامة للأمم المتحدة بالتأكيد أن القدس من قضايا الوضع النهائي، ففي 4 فبراير 2020 قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «لقد أكدنا أكثر من مرة أن القدس لا تزال من قضايا الوضع النهائي، ولا يمكن حلّ مستقبل المدينة سوى على أساس القانون الدولي». وفي شهر يونيو (حزيران) دعا كلّ من غوتيريش والمنسّق الخاص للأمم المتحدة لـ«عملية السلام في الشرق الأوسط» نيكولاي ملادينوف الاحتلال إلى التخلي عن خططه لضمّ أجزاء من الضفة الغربية، بوصفها أمرًا يشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي.
وعلى الرغم من عدم وجود أي مفاعيل عملية لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن قراراتها يمكن أن تقدم صورة عن المزاج الدولي، الذي ما زال ينظر للقدس والأقصى على أنه مقدس إسلامي خالص، ففي 5 نوفمبر 2020 صوتت 139 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يعد المسجد الأقصى معلمًا إسلاميًا، حصريًا للمسلمين، وتمت الإشارة إليه باسمه الإسلامي فقط «المسجد الأقصى»، وجاء القرار من ضمن سبعة قراراتٍ أخرى مؤيدةٍ للفلسطينيين، ومناهضةٍ للاحتلال، أقرتها اللجنة الرابعة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الولايات المتحدة: استهداف الأقصى جزءٌ أساسي من «صفقة القرن»
لم تكن إدارة ترامب استثناءً في الدعم الأمريكي الكبير للاحتلال وما يقوم به من استهداف، ولكن ترامب فتح الباب أمام الاحتلال ليمضي بالمزيد من مشاريعه التهويدية، من دون أن يخشى أي عواقب يمكن أن تعترضه. فقد ختم ترامب عامة الأخير في ولايته الرئاسية بالإعلان عن آخر حلقات تصفية القضية الفلسطينية، ففي 28 يناير 2020 أعلن ترامب عن تفاصيل «صفقة القرن»، وتفاخر بما قدمه للاحتلال الإسرائيلي قائلًا: «أنا مسؤول عن أشياء عظيمة لإسرائيل… ما من رئيس على الإطلاق قام بأي شيء يقترب مما قمت به لإسرائيل، من مرتفعات الجولان والقدس وغيرها»، وقال ترامب ستبقى «القدس العاصمة غير المجزأة أو المقسمة لإسرائيل»، وأكد أن «إسرائيل ستعمل من كثب مع ملك الأردن للتأكد من الوضع القائم حاليًا، في ما يتعلق بالأماكن المقدسة والسماح للمسلمين بممارسة شعائرهم في المسجد الأقصى».
وفي سياق الانزياح الأمريكي الكبير إلى الاحتلال، ذكرت وسائل إعلام عبرية في 12 أبريل 2020 أن سفير الولايات المتحدة لدى الاحتلال ديفيد فريدمان، شارك في صلاة «البركة الكهنوتية»، التي أقيمت بمناسبة «عيد الفصح» اليهودي عند حائط البراق. وفي 5 أكتوبر (تشرين الأول) 2020 شارك فريدمان في صلوات تلمودية في ساحة البراق بمناسبة «عيد العرش» اليهودي، ونقلت وسائل إعلام عبرية عن فريدمان قوله: «حظيت اليوم بالصلاة في الحائط الغربي، وصليت للمصابين بفيروس كورونا، وأتمنى السلامة للجميع».
ولم تقف قرارات الولايات المتحدة عند استهداف القدس في «صفقة القرن»، بل عملت الإدارة الأمريكية على اعتماد صيغ وعبارات جديدة، تستهدف المقدسيين بشكل مباشر وتمسّ حقوقهم، ففي التقرير الأخير لوزارة الخارجية الأمريكية الصادر في شهر مارس (آذار) 2020، تم استبدال تعريف «المواطنين الفلسطينيين في مدينة القدس الشرقية»، بعبارة «المقيمين العرب» أو «غير الإسرائيليين»، ما يعني إسقاط صفة «الفلسطيني» عن سكان القدس المحتلة، وعدّ الفلسطينيين الذين يقيمون في المدينة المحتلة «من غير الإسرائيليين الذين يعيشون في القدس». ولم تقف عند التسمية فقط، ففي 29 أكتوبر 2020، سمحت واشنطن للمواليد الأمريكيين في القدس المحتلة، بتسجيل «إسرائيل» مكانًا للميلاد، في خطوة تكرس ما قام به ترامب من اعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال.
ومع انطلاق السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض، صرح المرشح الديموقراطي جو بايدن في أبريل (نيسان) 2020، بأنه سيحتفظ بالسفارة الأمريكية لدى «إسرائيل» في القدس، وأعلن أنه سيعيد فتح القنصلية الأمريكية في شرقي القدس «لإشراك الفلسطينيين»، على أمل الحفاظ على احتمال حلّ الدولتين.
الاتحاد الأوروبي: الحفاظ على علاقات الاتحاد السياسية والديبلوماسية مع الاحتلال
ولم يكن تفاعل الاتحاد الأوروبي بعيدًا من المشهدية الدولية، وما تكتنفه من ضبابية في التفاعل، فعلى الرغم من رفض الاتحاد لاعتداءات الاحتلال في القدس المحتلة، أو ما تقوم به أذرعه من هدم لمنازل الفلسطينيين ومنشآتهم، إلا أنه يحافظ على علاقة متقدّمة مع الاحتلال، فلم يتّخذ الاتحاد الأوروبي أي إجراءاتٍ عملية من شأنها ردع الاحتلال عن اعتداءاته، بينما يكرر دعوته الحفاظ على الوضع القائم في المسجد الأقصى، محذرًا من أن حدوث أي تصعيد، وخصوصًا حول الأماكن المقدسة في القدس، واستمرار تأكيد الاتحاد التزام أعضائه عدم نقل سفاراتهم إلى الشطر الشرقي من القدس المحتلة.
وفي شهر فبراير (شباط) 2020 رأى الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن «صفقة القرن» تبتعد عن المعايير المتفق عليها على المستوى الدولي، وأضاف أن «بناء سلام عادل ودائم يستدعي مفاوضات مباشرة بين الطرفين حول المسائل العالقة المتعلقة بالوضع النهائي»، لافتًا النظر إلى أن ذلك «يتضمن خصوصًا المسائل المتعلقة بالحدود، وبوضع القدس، والأمن، ومسألة اللاجئين».
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست