واحدة من مشاكل العالم التي ملأت الفكر اﻹنساني هي مشكلة النظام الاجتماعي اﻷمثل الذي يصلح للإنسانية، والذي به نسعد في حياتنا الاجتماعية. وقد مر اﻹنسان على مر العصور بالعديد من الأنظمة الاجتماعية غير أن أبرزها اليوم أربعة، وهي : 1. النظام الديمقراطي الرأسمالي. 2. النظام الاشتراكي. 3. النظام الشيوعي. 4. النظام اﻹسلامي.
ولا يخفى على متتبع لتاريخ اﻷمم في العقود الأخيرة الصراع القائم بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي على المستويين الفكري والسياسي. أما النظام الشيوعي فهو نظام فكري خالص، وإن كانت الاشتراكية أولى اللبنات التي مُنِيت بها النفس لقيام المجتمع الشيوعي الخالص، وفيما يخص النظام اﻹسلامي فقد مر بتجربة من أروع النظم الاجتماعية وأنجحها، ثم عصفت به العواصف بعد أن خلت الساحة من القادة الذين يرفعون هم هذا النظام، أو كاد.
النظام الرأسمالي الديمقراطي
لعبت الديمقراطية الرأسمالية دورًا كبيرًا في اﻹطاحة بالظلم في الحياة الاقتصادية والحكم الديكتاتوري فيما يتعلق بالحياة السياسية، ناهيك عن جمود الكنيسة في الحياة الفكرية. ويقوم هذا النظام على مبدأ اﻹيمان المطلق بالفرد، وبأن مصالحه الخاصة بنفسها تكفل مصلحة المجتمع، ويمكن القول إن النظام الديمقراطي الرأسمالي يقوم على أربع حريات:
1.الحرية السياسية
وتتمثل الحرية السياسية في كون الفرد – المواطن – هو المسؤول عن انبثاق الجهاز الحاكم، وذلك عن طريق التصويت والانتخاب العام، وهذا راجع باﻷساس لعدم وجود الفرد الذي يرتفع في نزاهة قصده، ورجاحة عقله، على اﻷهواء واﻷخطاء، وبالتالي فمن الطبيعي أن لا يباح بمسؤولية المسألة الاجتماعية لفرد أو لمجموعة، خاصة من اﻷفراد.
2.الحرية الاقتصادية
ترتكز الحرية الاقتصادية على اﻹيمان بالاقتصاد الحر، وبالتالي فتح جميع اﻷبواب وتهيئة كل الميادين أمام المواطن في المجال الاقتصادي، ومنه فلكل فرد مطلق الحرية في انتهاج أي أسلوب، وسلوك أي طريق لكسب الثروة وتضخيمها ومضاعفتها على ضوء مصالحه ومنافعه الشخصية.
3.الحرية الفكرية
تأتي الحرية الفكرية لتضمن للناس أن يعيشوا أحرارًا في عقائدهم وأفكارهم، يفكرون حسب ما يتراءى لهم ويحلوا لعقولهم، ويعتقدون ما يصل إليه اجتهادهم أو ما توحيه إليهم مشتهياتهم وأهواؤهم بدون عائق من السلطة.
4.الحرية الشخصية
أما الحرية الشخصية، فتعبر عن تحرر اﻹنسان في سلوكه الخاص من مختلف ألوان الضغط والتحديد, فهو يملك إرادته وتطويرها رفقًا لرغباته الخاصة، ما دامت لم تصطدم بحرية اﻵخرين.
الواضح من خلال الحريات اﻷربع للنظام الديمقراطي أنه يحتكم لثلاث قواعد:
1 – مصالح المجتمع بمصالح اﻷفراد.
2 – الفرد هو القاعدة التي يجب أن يرتكز عليها النظام الاجتماعي، وهذا يحيلنا للقاعدة الثالثة.
3 – أن الدولة الصالحة هو الجهاز الذي يسخر لخدمة الفرد ولحسابه، واﻷداة القوية لحفظ مصالحه وحمايتها.
ارتكازًا على ما سبق، يتضح أن النظام الرأسمالي نظام مادي محض، ولو أنه لا يرتكز على أسس فلسفية واضحة، عكس النظام الشيوعي الاشتراكي الذي سنتطرق له لاحقًا، وقد نشب عن كون هذا النظام ماديًا محضًا مجموعة من الويلات والمآسي، أولها وأخطرها انعدام اﻷخلاق داخل المجتمع الرأسمالي. اﻷمر الذي سينشب عنه انحطاط على مستوى الفرد والمجتمع، الشيء الذي سيؤثر على المستويين السياسي واﻹقتصادي، ويجعلنا نعيد التفكير في الحريات اﻷربع التي يرتكز عليها النظام. هل فعلًا تتحقق هذه الحريات؟ أم هي فقط أوهام لم ولن تتحقق في المجتمع الرأسمالي.
أختم بفقرة من كتاب فلسفتنا لكاتبه السيد باقر الصدر – بتصرف – و للعلم فمصدري الرئيس فيما سبق هو الكتاب اﻵنف الذكر.
الحقوق السياسية بين أفراد المواطنين، وإن لم تمح من سجل النظام ليست إلا خيالًا وتفكيرًا خالصًا. إن الحرية الاقتصادية والتي خلقت زمرة صغيرة تمركزت الثروة العظمى بين أيديها في مقابل طبقة متوسطة منهكة وأخرى معدمة هي المسيطرة على الموقف والماسكة بزمام اﻷمور، وتقهر الحرية السياسية أمامها. فإن الفئة السابقة بحكم مركزها الاقتصادي في المجتمع، وتمكنها من استعمال جميع وسائل الدعاية واﻹعلان، وقدرتها على شراء اﻷعوان واﻷنصار، تهيمن على مقاليد الحكم في اﻷمة، وتسخر السلطة للقيام بمصالحها والسهر على مآربها. ويصبح التشريع والنظام الاجتماعي خاضعًا لرأس المال، بعد أن كان من المفترض في المفاهيم الديمقراطية أنه من حق اﻷمة جمعاء.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
النظام الاجتماعي