إن الالتزام دائمًا ما يكون إحدى ركائز الشخصية، وخاصة الشخصية الانضباطية، المعاصرة، المتقدمة، إذ إن قوام الشخصية عامة، ولا أقصد بذلك الشخصية المصرية بعينها، فالالتزام مطلب مهم من مطالب الشخصية المعتدلة، الملتزمة، التي لا تقبل على نفسها، ولا لنفسها أي عداوات أو ضغائن، فهذه الفتاة التي لبست لبسًا ضيقًا، الذي حدد معالم جسمها كله، فيراه الناظرون إليها، ويطمع الذي في قلبه مرض! إلا من رحم الله – سبحانه وتعالى- فتتعرض للاغتصاب والإهانة، ومن ثم نرى بذاءات، وتلاحق، وتهمًا ملفقة، وسبًّا يلاحق المغتصب، أي إن عملية الاغتصاب مكلفة بعض الشيء! ففي تلك، يسب الذي اغتصب، وتؤذى التي اغتصبت، دون جدوى!
هنا، آتي بكم إلى النوع الثاني، ذلك النوع من النساء، اللاتي يلبسن لبسًا محتشمًا، مناسبًا، مطلوبًا خلقيًّا ومجتمعيًّا لها، فتتعرض أيضًا للاغتصاب! من قبل فئة أخرى من الشباب المنحطين فكرًا وخلقًا، وأما عن الرأس الذي به عقلهن، أود القول إن بعضهن مكشوفات الرأس، والبعض الآخر مستور، والسؤال هنا، واضح، جلي: «هل ستتوقف أحداث الاغتصاب مجددًا، إذا التزمن الحجاب؟!» تقريبًا، بالنسبة لنا، نود القول «لا»، فلن تتوقف أبدًا!
ولنقل في معضل الأمر، إن الإسلام جاء محددًا الفروض من الكفايات، ومبينًا الشروط من التطوعيات، ومنصفًا بين الأحاديث والآيات، ومرشدًا للصواب من المضللات، وساترًا النساء المتبرجات، وموضحًا أمر الرجال من السيدات، ومتفوقًا في رشد العقل في الآثم من الموضوعات، ومتكلمًا عن الأركان والنسك المكملات، ومبرمًا بين أركان خمس بين المسلمين والمسلمات، وكافلًا أركانًا ستًا بين المؤمنين والمؤمنات، فتلك عشرة يتزين بهن الإسلام كمالًا، وبشأن ذلك، نقصد بذلك مدى فرض الحجاب، أو النقاب من عدمه، فارضًا إياه بشكل اختياري، ونستند بذلك إلى قوله: «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ»، أي: «يغطين»، أو: «يسترن صدورهن من مبدأه إلى منتهاه»، ولم يقل: «وليحجبن»، أو: «وليتنقبن»، بل قال: «وليضربن»، أي: «التغطية أو السترة التي تستر ما يهيج ناظرًا إليها»، ونتذكر لكم عن ذلك فرقًا جميلًا بين أمري «النقاب والحجاب» لغويًّا، والذي منه أمر، أو قل فرض الحجاب والنقاب من عدمهما، فلو قلنا: «تنقب فلان خمرًا»، أي: «شرب الخمر حتى نقبت رأسه على العقل، فأخذ يهزي كلامًا غير مفهوم، ويطلق عليه هنا: مخمورًا أو ببسط القول لغة نقول: «سكرانًا»، إذن نستند بذلك مثالًا على أن فعل «تنقب» يفيد بتلك الماهية المعروفة عن أصله، وبالمثل، نستطيع القول مثلًا: «تحجب أو تخمر فلان خمرًا»، أي: «حجب أو خمر عقله عن الوعي والإدراك»، إذن فإن القول بأن امرأة تحجبت أو تغطت رأسًا، أي: «حجبت أو غطت رأسها عن النظر والمشاهدة»، وإذا قلنا بأن امرأة تنقبت، أي: «حجبت أو غطت رأسها ووجها عن النظر والمشاهدة»، ومن هنا نستطيع القول لكم إن «النقاب ليس فرضًا»، تلك وجهة نظر شخصية بحتة، وليس ذلك يفيد التبرج أو السفالة خلقًا، هي المطلوبة، وليس ذلك يفيد بأحقية خلع الحجاب، لذلك نكمل وجهة النظر السالفة السابقة كلامًا، والتي نود أن تكون مقبولة فكرًا، ونقول إن «النقاب ليس فرضًا، بل الحجاب بالطبع واجب»، ونود احترامها!
ولو نظرنا إلى الأديان الأخرى، ولتكن المسيحية، سنجد جملة إنجيلية تقول: «من نظر إلى امرأة واشتهاها كأنه زنى بها»، ومن هنا نجد أن كل الديانات تجرم الاغتصاب فعلًا وعملًا، ولو وسعنا تلك النظرة زمنًا، ومددناها أمدًا، سوف نجد أن الناس قبل أي ديانة حقيقية معروفة كالإسلام، عرف الناس بكرم أخلاقهم في تلك القضية، ومن هنا نستند إلى قول «عنترة بن شداد»: «فاقني حياءك لا أبالك واعلمي… أني امرؤ سأموت إن لم أقتل»، ومن هنا الاستناد القوي إلى أنها عملية، إن لم تكن قضية، مكلفة، متعبة، مرفوضة، موضوعة، مذمومة، ولذا فإن الحجاب فرض، والنقاب ليس فرضًا، كما قلنا هذا رأي شخصي بحت تمامًا.
نعم، أرى أنها جريمة، فلماذا لا نضع قانونًا «لجريمة الاغتصاب» غير هذه القوانين الحالية من مجرد «غرامة مالية– حبس بضعة أيام» فقط، ومن ثم يعاود الشخص هذا مثل هذه البذاءات مرات ومرات أخريات، كالذي اعتاد أن يدفع مالًا مقابل شيء ما يأخذه، وهكذا، أم أنها مخفضة لنزيد منها؟! هل نجيب قولًا واحدًا بنعم!
وأما عن نوعنا الآخر، ذلك النوع من المنتقبات اللائي يلبسن ثيابًا سوداء حجبت – كما قلنا شرحًا، ووضحنا فرقًا، في السالف السابق من كلامنا في مبدأ كلامنا– كل معالمها ظنًّا منها أن لا أحد يمس شيئًا منها، فتتعرض أيضًا للاغتصاب! الذي انتاب بلدنا، من شباب منحطة خلقًا، ومتخلفة فهمًا، ومن هنا أضع سؤالين: هل المنتقبة لها مغتصبوها؟! ولماذا؟!
وكما قلنا، فإن فرض الحجاب جاء لصالح المحجبة، واختيارية النقاب جاءت لصالح المنتقبة، وأمر تركهما جاء لصالح المتبرجة، وأحقية التمسك بأي منهما جاءت لصالح المخيرة، ومن هنا نستطرد – سويًّا– سؤلًا: «هل ذلك يعزى إلى أن خلع الحجاب واجب؟!» ذلك الكلام ليس فلسفيًّا، وليس تقريريًّا بحتًا، ولكنه مجرد استنتاجات بسيطة لأسئلة منطقية فكرًا، وحتمية أمرًا، ولكن دعنا نقول كلامًا، نبدؤه أولًا بسؤال: «ماذا يفيد الحجاب لمحجبة منحطة الأخلاق؟! وماذا يفيد النقاب لمنتقبة لمجرد السترة من شيء وهي رديئة السمات؟! وماذا يضر بالمتبرجة تركها أيًّا منهما وهي حسنة السمات وعالية الأخلاق؟! وأخيرًا: ماذا يضر بنا إن طرحنا تلك الأسئلة؟» ونكرر كلامنا مقسمين بالله صدقًا ويقينًا – والله– إن هذا الكلام في هذا المقال التقريري الرأي، ليس تشهيرًا ولا شهرة، ولا إضافة أي كلام لنطيل مقالنا، بل هو مجرد رأي بسيط، نضيف به رأيًا، لعلنا ننصح به أحدًا، أو لعلنا نضيف به معلومة، فقط.
وختامًا، نأتي بكم إلى إضافة بسيطة، ليس لها تعلقًا أو صلة نسبيًّا بأصل موضوعنا، ولكن لا بأس من قولها، فنأتي بكم إلى أن هناك اغتصابًا «فكريًّا»، فالاغتصاب ليس جسديًّا، أو جنسيًّا فقط! فمن تضبط رأسه على فكر معين، فهو مغتصب «فكريًّا» من قبل آخرين! مثله مثل الطفل – مثلًا وليس قطعًا– الذي نهدئه مؤقتًا لأمر ما يطلبه، وليس في صالحه تمامًا، وقت طلبه له، ومن ذلك المثال نضيف إلى أنه هناك أشخاصًا تضبط عقول بعض الناس البسطاء إلى أمر معين، ليس له علاقة بدين، ولا واقع تمامًا، فيجعلون منهم الذين يقتلون الناس باسم الإسلام مثلًا، الآن، أعرفتم من أقصده بعينه؟! فهذا النوع اغتصاب «فكري»، لا جنسي! لا يقل بذلك خطرًا عنه في شيء! ونرجو أن يكون رأينا رأيًا حياديًّا عن أي شخص تمامًا، ولنكتتب سويًّا أجوبة حول تلك الأسئلة البحتة، التي عرضناها في مجمل كلامنا تعليقًا، أو مراسلة، ولكم جزيل عرفاننا، وعظيم شكرنا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست