«نحن اليوم أسوأ مما كنا عليه، ولعلّنا غدًا نكون أفضل مما نحن عليه».
عبارة بسيطة سلسلة، واضحة المعنى والمغزى، ذات طابع تشاؤمي إلى حدٍ ما، لكن لن نجعلها تقف أمام حرصنا في المحاولة للمضي قدمًا نحو العمل على نفض الغبار الذي عمّ وساد مرحلتنا التي نشهد وأظهرها ذات طابع ضبابي، التي لم نعها حتى الآن، ولم نعد قادرين على تحديد مآلاتها.
كما هو المعروف أن من أولى خطوات حل المشكلة، هو تحديد المشكلة، يأتي هذا الطرح المبسط متلازمًا مع الشعور الذي يجعلنا نقر كفلسطينيين أننا وفي الآونة الأخيرة خاصة نعاني من أزمة في تحديد ما نريد، لربما هنا أترك هامشًا لتفسير هذه الحالة، وهو أننا من الممكن أن نكون وجدنا أنفسنا أمام خيارات عدة، لا نملك فيها نظرات ثاقبة تحدد لنا ملامح ومظاهر وتضاريس المكان الذاهبين إليه، هنا نكون قد وقعنا في جدلية سوء التقدير والاختيار والممارسة أيضًا، وهذا بعينه يلغي وجود مظلة جامعة وموحدة تجسد رؤى الشعب الفلسطيني وتطلعاته المستقبلية لما يريد.
بالتناوب، وفي نفس السياق، لقد تعددت وتكررت تلك الأصوات المنادية بإلزامية الشارع الفلسطيني نحو «الإلمام بطبيعة الصراع القائم» والوعي به، في سياق تعزيز ثقافة الكل الفلسطيني وتجسيد هويته الفلسطينية، الأمر الذي يكفل جدّية التعامل مع الإسرائيلي ويكفل إعادة النظر في العلاقة معه، محتل أم شريك، «المطلوب هو الغوص نحو ما يرقد في الأعماق، نحو الذي يتطلب جهدًا فلسطينيًا حتى الإلمام به ومعرفته»، كل هذا يأتي بمعزل عن تبني القضايا التي تطفو على السطح، فنحن كفلسطينيين بحاجة للتخلي عن بعض الملوثات التي تعتري ذهنيتنا، والتي حالت دون توسيع مداركنا كما يجب ويلزم. إذًا «نحن بحاجة للتخلي أكثر من الحاجة في الحصول على الشيء».
«لعل من المفترض أن يكون حديثنا بالأفكار لا بالأحداث، في واقع ظرف لا يستوعب مزيدًا من الأشخاص العاديين» قلتها سابقًا وأرددها اليوم، في وقت ازدحمت فيه قضية الحكم على الأشياء من خلال ما يحدث، وغض النظر عن السبب والمسببات.
إذا أتينا لنعبر عما يجول في خواطرنا كفلسطينيين إزاء ما يجري على مستوى الساحة الفلسطينية الداخلية، لعلي أذكر واحدة من أهم القضايا التي خلقت جدلًا واسعًا في صفوف الفلسطينيين، بما يتعلق في الترجمة والتفسير، ألا وهو مركب أوسلو، الذي عجز الفلسطيني عن تفسيره وتفسير مجراه ومرساه.. فما بين معارض ينادي بإلفاء أوسلو، بفعل شبحه الذي لاحق الفلسطينيين أينما كانوا وحجب عنهم الكثير الكثير، سرعان ما يأتي المؤيد ليقول (لولا أوسلو ما بنقبض راتب)، هذا الذي ربط كل حاجاته اليومية بأوسلو.. لم يعد قادرًا على تصور حياته في ظرف مغاير لظرف أوسلو، لم يكن ليترجم القضية بأفكارها، بل لجأ لترجمتها وفق الحدث ووفق ما يرى. فما بين هذا وذاك كثيرًا ما نسمع بعبارة «إلى أين نحن ذاهبون؟» الأمر الذي أثار شفقتنا على أنفسنا، والذي أظهرنا بمظاهر لا نحسد عليها.
في الحقيقة أنه ليس من الأمر الصحي أن يجعل الفلسطيني من – أوسلو – محددًا لطبيعة علاقته مع الإسرائيلي، لسببين أهمهما: أولًا، إن اتفاق أوسلو جاء في الدرجة الأولى ليحدد طبيعة العلاقة بين الطرفين وفق رؤية إسرائيلية لتمكين احتلالها وشرعنته، فبالتالي نكون شركاء مع الإسرائيلي في تحقيق هدفه. وثانيًا إن فلسطينيتنا التي يجب أن تكون، تتطلب منا القول والفعل والإقرار بأن هذا البلد لا يقبل القسمة على اثنين، وإن كان هذا الكلام بعيدًا عن ما نشهده ونعيشه اليوم، لكن لا مبرر لنا في تجاهله ونسيانه وعدم الحديث فيه، ولا مبرر لنا أن لا تعيش فينا هذه المسلّمات.
لربما أستطيع تعزيز مجمل هذه الرؤى بما قاله فلسطينيين ميونخ عام 1972.. إن العالم لا يحترم إلا الأقوياء، ونحن لن نكون أقوياء بالكلام والإعلام والإعلان ولن نكون أقوياء إلا حين نضع الموت موضع الحياة ونجعل شرف الالتزام يرتقي إلى شرف الممارسة، وبالتالي نعطي لشعاراتنا مضمونًا نضاليًا عمليًا يجعل أعداءنا يشكون في مقدرتهم على مواجهتنا ونجعلهم نهاية الأمر يؤمنون أن لا مناص لهم إلا التسليم لمطالبنا العادلة.
ولأننا أصحاب حق، فوجب علينا أن نحيي هذا الحق بذكره دومًا، فهذه هي فلسطينيتنا التي يجب أن تكون، وهذه هي فلسطين التي نريد.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست