أعلن الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» يوم 14 أغسطس (آب) 2020 عن اتفاق إماراتي إسرائيلي؛ يهدف إلى بناء علاقات ثنائية مباشرة، وتبادل سفارات بين العاصمتين، كان هذا الإعلان مفاجأة في الأوساط السياسية؛ بسبب توقيته الغريب، وخروجه المفاجئ دون أي مقدمات، ما طرح أسئلة كثيرة تعبر عن مدى غرابة توقيت القرار.
صحيح أن التقارب الإماراتي الإسرائيلي كان معلومًا، ففي سنة 2018 شارك وزير الاتصال الإسرائيلي السابق في مؤتمر «المندوبين المفوضين للاتحاد الدولي للاتصالات»، الذي أُقيم تحت رعاية «محمد بن راشد آل مكتوم»، حاكم دبي ورئيس الحكومة الإماراتية، كما شاركت البعثات الرياضية الإسرائيلية في أبو ظبي.
وفي سنة 2019 أبرمت الإمارات صفقة استفادت بموجبها من إسرائيل تطوير قدراتها الاستخباراتية، واقتنت منها طائرتي تجسس، كما هنأت الإمارات إسرائيل بمناسبة عيد حانوكا (الأنوار) اليهودي، بالإضافة لتأكيد وزارة الخارجية الإسرائيلية زيارة سرية لوفد إماراتي لها في نفس السنة.
كما أن سنة 2020 كانت مليئة بالأحداث، التي تؤكد هذا التقارب، كانت في مقدمتها اتفاقية عدم اعتداء بينهما عقدت في أمريكا -حسب موقع أكسيوس-، ثم جاء تنسيق الإمارات للقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» ورئيس مجلس السيادة السوداني «عبد الفتاح البرهان»، بالإضافة لمجموعة من البعثات التي وصلت الإمارات في أكثر من مناسبة، والمساعدات بين البلدين أثناء أزمة فيروس كورونا.
كل هذا التقارب الحذر، والخفي نوعًا ما؛ هو ما جعل إعلان التطبيع مفاجئًا عند الجميع، فالتطبيع كان متوقعًا لكن التوقيت لا، هذا ما يطرح أهم سؤال: لماذا الآن؟
المتابع للأحداث الداخلية في إسرائيل وأمريكا، بالإضافة للأحداث الإقليمية سيجد مجموعة من الأجوبة المقنعة، ولأن كل حركة في السياسة ت عني بالضرورة وجود مصلحة وراءها، سأحاول الإجابة عن السؤال من منطلق ماذا استفاد كل طرف؟
- إنقاذ ترامب: أسرع «ترامب» بعد مكالمته مع «نتنياهو، ومحمد بن زايد» الذي نتج عنه اتفاق التطبيع، أسرع لإعلان هذا الإنجاز ليتم استثماره إعلاميًّا على أنه نصر كبير، حتى أنه أبدى رغبته في تسمية الاتفاق باتفاق ترامب، إلا أنه تراجع عن ذلك، كل هذا لحشد اليمين، وضمان دعم اللوبي الإسرائيلي، في الوقت الذي تراجع فيه أمام منافسه «بايدن» في سباق الانتخابات الرئاسية.
- مأزق نتنياهو: يعاني «نتنياهو» من وعد أطلقه يلاحقه مثل الكابوس في الوقت الذي حال بينه وبين تحقيقه رفض المجتمع الدولي للخطوة كليًّا؛ فقد وعد «نتنياهو» بضم أجزاء رئيسية من الضفة الغربية المحتلة، وبسط السيادة الإسرائيلية عليها، إلا أن الجميع اعتبر هذه الخطوة غير ممكنة، وتم رفضها حتى على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية؛ هذا ما جعل «محمد بن زايد» يغرد بأن الاتفاق يشترط إيقاف خطة الضم، كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إنه قد تم تأجيل الخطة، وبهذا يغطي خسارة بنصر عبارة عن هدية من الإمارات.
- صراعات محمد بن زايد: تخوض الإمارات صراعات كبيرة في المنطقة دعمًا لرؤيتها التي تعادي كل تغيير في الدول العربية والإسلامية، وعداءها لكل أشكال الإسلام السياسي، والتي تعتبر ليبيا أحد أهم وأكبر هذه الصراعات إلا أنها اصطدمت بمنافس قوي يمثل تهديدًا على خططها فيها وفي المنطقة.
دخلت تركيا الصراع بقوة، وقلبت موازين القوى حتى تطور الخطاب من رسائل بين السطور إلى تهديد مباشر، حيث توعد وزير الدفاع التركي «خلوصي آكار» الإمارات بأنها ستدفع ثمن أفعالها، ما جعل «محمد بن زايد» يتقرب من «ترامب» بمباركة من تل أبيب للحصول على دعم أمريكي، وحلف إماراتي إسرائيلي ضد تحركات تركيا في المنطقة؛ لهذا فإن شراء هذه المباركة سيكون له ثمن، والثمن كان التطبيع.
كل هذا ضمن سعي الإمارات لحشد حلف ضد تركيا، ويعتبر هذا الاتفاق حسب الكثير إعلان قيام الحلف، وهذا ما يفسر خطاب «أردوغان» بأن التطبيع خيانة للقضية الفلسطينية، وقوله بدراسة سحب السفير التركي من أبي ظبي، رغم أن بلاده أيضًا مطبعة منذ زمن بعيد.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست