يُقال إنه كلما زادت التجارب، زاد يأس الإنسان وملله من الحياة، وفي الحقيقة ينزل الله عليك الثبات في المواقف التي تصدمك، أو تحرجك، وربما تجرحك؛ كي لا تتزعزع عما أنت عليه.
يزرع الله التوتر الممزوج بطعم الأمان في قلوبنا في المواقف التي من الممكن أن نضعف ونيأس ونبكي فيها؛ كي لا يتركنا الرحمان تعالى لأحد من البشر.
لا يريد الله لأحد أن يواسينا. يريدنا الله جل جلاله وتقدست أسماؤه أن نسكن إلى أنفسنا حيث التوجه التام له.
يريدنا الوهاب أن نضيء من مصباح اليأس مصابيحَ الأمل القادم، لا لنطفئ حماستنا.
حتى إن استخرنا الله تعالى في أمر ما وتوكلنا عليه وفوضنا كل أمرنا له ودعوناه، فمن الممكن أن نسلك ذلك الأمر ولا نعلم أن تجربة هذا المسلك هي خير لنا أم لا بشكل كلي، ربما ليس بما هو شكلي، بل بالمضمون. أو لشيء أيضًا لا نتوقعه في جيبة المستقبل.
فلنستمر في سعينا!
ما يكتبه الله لنا هو خير، ولنعلم أن كل طريق مهما بدت ظلمته فهو خير لنا وعلينا.
علينا أن نخجل من الله تعالى إذا لم نحمده على كل حال، ولا يُحمد على مكروه سواه.
وأن نلجأ له بثقة مُطلقة لا تنافسها قوة على وجه الأرض.
لا قوة دولة، ولا قوة مال، ولا نفوذ عشائري، ولا إدارة سلطوية ولا أي شيء آخر!
في وسط الدجى تتلألأ النجوم، ولا نراها إلا لو تأملناها حقًا.
والبحر رغم سطوته وجبروته لكنه يلتقي عند السماء في أفق الرؤية.
ورغم موجات المحيط الطائشة، لا بد أن يرى كل منا في حياته موجة واحدة ترغب أن تتبخر لترتقي غيمة ماطرة لتسقي يباب العالم من أجل عمارة الأرض وبالتالي، شوق الجنان.
الحياة لا تقف على محطة واحدة رغم تعدد السبل.
قال الشاعر محمود البارودي:
فلا تقعدن للدهر تنظر غبَّه … على حسرةٍ فالله مُعطٍ ومانع
فيا قوم هبوا إنما العمر فرصة … وفي الدهر طرق جمة ومنافع
ولا بد أن نعلم تمامًا أنه من كل موقف مهما اشتدت قسوته توجد ذرة خير مزروعة بفضل الرحمن في قلوبنا اطمئنانًا وسكينة ورضا. والحمد لله ممسك أمورنا ووليها!
فلنعلم تمامًا رغم حرارة الصحراء، هناك واحة موجودة.
ورغم اتساع البحر والمحيط، فالجزر كثيرة.
وكل منا له جزيرته. وفي كل جزيرة لنا شيء إما أن يدفعنا للأمام لجزيرة أخرى، أو نتركه لندعو له بالرحمة والشفقة الإلهية، ونذكر فضل يومٍ عشناه بشكل مُجرد.
فليحرك كل منا سفينته وفق تياره ولا ييأس رغم تعدد المصاب.
واعرف بنفسك كيف تقود سفينتك بنفسك. ولا تجعل أحدًا في الكون يحاول ولو محاولة أن يقودها بدلًا عنك.
يستطيع العاقل أن يصل إلى الفضاء بنفسه ولوحده وهو نافض من يده وقلبه وعقله كل العابرين، المتسلقين على ظهره، وغيرهم من السلبيين.
احمل بقلبك أصحاب السلام لكن بحذر، فربما تتقلب قلوبهم مع الأيام. وانطلق سائلًا ربك الثبات والمضي قُدمًا.
عش فردًا حتى لو ملكت المال والبنين؛ لأنك ستلقى الله وحدك فردًا، وسيسألك عن أربع كما أوضح رسولنا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام!
وتذكر ما قاله محمود درويش: «على هذه الأرض ما يستحق الحياة»، فلتحيَ حياتك، من أجل الحياة الحقيقية، ولا تتراجع أو تنكسر في زحمة الأيام!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست