لم تكن اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك المناسبة الأولى لتبادل باكستان والهند الاتهامات حول الأمن الإقليمي والحدودي ودعم الإرهاب على جانبي الحدود، لكن بعد أسابيع من حصار فرضته الهند على سكان إقليم كشمير المتنازع عليه بين البلدين وصل التوتر إلى أوجه.

ولم تفلح التصريحات الباكستانية منذ بدأت نيودلهي الحصار على الكشميريين في كبح جماح ناريندا مودي الذي يعتبر مهاجمة الكشميريين جزءًا من حملة محلية لكسب تأييد اليمين الهندي من جهة وإرضاء الجيش الهندي الذي يريد فرض الأمر الواقع في إقليم كشمير، وإنهاء احتمالات التفاوض مع باكستان حول مصير الإقليم.

لكن عمران خان رئيس وزراء باكستان المنتخب بعد عامين من احتجاجات شابهت احتجاجات الربيع العربي في شكلها – رغم اعتبار كثيرين عمران أداة جديدة في يد الجيش ضد الأحزاب التقليدية – فشل في تقديم موقف متوازن لبلاده حول الأزمة مع الجارة الهند، فبعد أن شرح لدقائق في خطابه المطول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عدد الخطوات التي اتخذتها حكومته منذ وصولها للسلطة من أجل فتح قنوات الحوار مع الهند تحول عمران إلى خطاب تهديد ليس جديدًا على السياسة الخارجية الباكستانية من حيث الإشارة إلى استخدام الأسلحة النووية، وهو تهديد لا يدرك سياسيو نيو دلهي فقط والأعضاء الدائمون في مجلس الأمن عدم جديته، إلا أن غالبية الباحثين والسياسيين الباكستانيين يدركون أيضًا بأنه تهديد لا يتجاوز كونه أداة لكسب التأييد الشعبي من الشارع الباكستاني العاطفي في غالبيته ومؤيدي عمران المخلصين والمؤيدين حتى لما ثبت فشله من سياساته خلال العامين الماضيين.

إلا أن عمران ركز على تحذير آخر اعتقد بأنه قد يحصل على اهتمام الغرب الذي توسل عمران تعاطفه مع الكشميريين وانصاف الأمم المتحدة لهم بتطبيق قرارات مجلس الأمن حول قضيتهم وهو توسل يعلم عمران أنه لن يجدي فقرر استخدام التحذير من التطرف ولجوء المسلمين الكشميريين والمسلمين داخل الهند وخارجها لمهاجمة الأهداف الهندية.

ورغم أن تحذيرات عمران من التطرف والهجمات ضد الهند في كلمته تحولت لأداة استخدمتها الهند لاتهام باكستان مجددًا بتمويل وتشجيع الهجمات الإرهابية ضد الهند، إلا أن ذلك ليس أسوأ ما ستواجهه قضية كشمير خلال العامين المتبقييين من عمر إدارة ترامب.

فالمتابع لتطورات السياسة الهندية في كشمير يدرك بان نيودلهي وجدت الكثير من الإلهام في السياسات الإسرائيلية التي توظف وجود ترامب في البيت الأبيض لتمرير سياسات متطرفة على المستويين السياسي والعسكري.

وبشكل مشابه لما تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين تتخذ الهند كثيرًا من الخطوات الميدانية والقانونية لتثبيت الأمر الواقع في كشمير وحسم صراع دام لعقود من خلال فرض خيارت ميدانية مع ثقة صانعي القرار في نيودلهي بأن الشجب والتنديد الباكستاني لن يتجاوز ذلك، إلا إلى عمليات محدودة ستوظفها الهند لاتهام باكستان بدعم الإرهاب مجددًا.

والخلاصة هي أن ناريندا مودي وينيامين نيتنياهو في سياستهما ضد الفلسطينيين والكشميريين يتشابهان في كثير من المعالم والخطوات والأهداف بكسب تأييد اليمين او فرض الأمر الواقع والإستفادة القصوى من وجود ترامب.

لكن المقلق هو سذاجة ما تقوم به باكستان في مواجهة الخطوات الهندية، فخطاب عمران العاطفي في الأمم المتحدة يشبه إلى حد كبير خطاب ياسر عرفات على ذات المنصة عام 1974 والذي قال فيه عبارته المشهورة «لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي». فعمران طالب الأمم المتحدة بتوظيف الغصن الأخضر الذي يمده عمران من خلال جاهزية بلاده للحوار مع الهند، ولكن البندقية، التي حذر عمران من اللجوء إليها، كما سبقه أبو عمار، ليست بندقية قادرة على فرض قوة ذات وزن على طاولة التفاوض.

ويعلم أي باحث في الشؤون الإستراتيجية بأن استخدام الأسلحة النووية أو الحرب المفتوحة ليس خيارًا مطروحًا بالنسبة لباكستان التي خسرت حروبًا سابقة مع الهند، ولا يطيق اقتصادها أي ضغوط أو عقوبات، إذا ما غامرت عسكريًا بأي شكل.

ولذلك فإن استنساخ الانتفاضة الفلسطينية داخل كشمير هو الخيار المرجح سواءً دفعت نحوه باكستان أو لجأ إليه الكشميريون بأنفسهم إن ضاق ذرعهم بالحصار الهندي الذي كرست تحركاته الأخيرة تحول الهند من قوة تدير شؤون الإقليم لحين تقرير مصيره إلى قوة احتلال قسري ستترك يد البطش التي تستخدمها أثرًا بالغًا في تشكيل وعي جمعي كشميري لضرورة عدم انتظار النجدة الباكستانية ومواجهة الاحتلال بما تيسر من وسائل المقاومة.

خاصة وأن عمران، بالرغم من استمرار تنازع بلاده على الورق مع الهند على كشمير، إلا أنه لا يمثل للكشميريين ما مثله ياسر عرفات للفلسطينيين، فالكشميريون لم ينجزو خلال أكثر من 60 عامًا ما أنجزه الفلسطينيون في أقل من 30 عامًا بانتزاع اعتراف أممي بقيادتهم والاستماع إليها في نيويورك.

لم تصل باكستان إلى هذا الحد من الضعف في الملف الكشميري في تاريخها، أو بالأحرى لم يصل الجانب الهندي إلى هذا الحد من الثقة بالدعم الأمريكي ضد أي اعتراضات باكستانية في واشنطن من قبل وذلك لحاجة واشنطن لإسلام أباد لعقود في الحرب ضد السوفيت، ثم الحرب على الإرهاب في أفغانستان، ولذلك فإن عمران خان لم يجد في جعبته ما يستطيع ان يقدمه سوى التهديد الوهمي بحمام الدم والحرب النووية والتحذير من إسقاط الغصن الأخضر.

لكن الأسابيع الأخيرة أثبتت أن العلاقات الباكستانية الهندية تدخل منعطفًا تاريخيًا نحو مزيد من التطرف الهندي ومزيد من التراجع الباكستاني إلى قواعد حساب المخاسر، بدلًا عن لغة الأخذ والرد حول ملف كشمير التي صبغت علاقات البلدين خلال العقدين الأخيرين.

ولذا فإن معالم مستقبل الدور الباكستاني في ملف كشمير يشبه إلى حد كبير ما آلت إليه أدوار الدول العربية في القضية الفلسطينية، لكن الفرق هو أن باكستان ستستمر في استخدام ملف التهديدات الهندية والتوغلات في كشمير لتبرير زيادة الإنفاق العسكري والتركيز على أمن الحدود وهو مكسب للجيش الباكستاني داخليًا، لكنه لا يغير كثيرًا في مستقبل كشمير.

ويبقى الملف الأفغاني الذي حققت باكستان فيه خطوة طال انتظارها من خلال احتضان مفاوضات مباشرة بين قيادي طالبان الأفغانية وممثلين للولايات المتحدة قبل أيام هو الملف الوحيد الذي يمكن لباكستان استخدامه في استعادة الدعم الأمريكي في الملف الكشميري هو ما يمكن لباكستان تقديمه في إقناع طالبان بالجلوس إلى طاولة الحوار والقبول باستمرار القواعد الأمريكية في أفغانستان لضمان المصالح الإستراتيجية الأمريكية التي جلبت جنود العم سام إلى كابل.

وحتى يصل تأثير إسلام اباد على طالبان الأفغانية إلى حد إقناع الأخيرة بالدخول في عملية سياسية إلى جانب القبول ببقاء القواعد الأمريكي في البلاد، وهو ما قد يستغرق سنوات إن لم يكن عقود، فإن تحرر الكشميريين لا يمكنه التعويل على السياسة الخارجية الباكستانية، أو وصول رئيس أمريكي مستعد لمعاداة الهند في الملف الكشميري، ولذا سيضطر الكشميريون إلى لعب دور ميداني اكبر في تقرير مصيرهم في مواجهة احتلال يتخذ من إسرائيل مثلًا يحتذى.

بينما لا يزال الكشميريون يصارعون بعد أكثر من 60 عامًا على صناعة شكل واضح لقيادة مرحلة جديدة من النزاع من أجل استقلالهم، أو على الأقل إكساب قضيتهم المصداقية اللازمة للاعتراف بحقهم في تقرير مصيرهم والحصول على دعم إقليمي ودولي لهذا الحق على المستوى السياسي على الأقل.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد