يتبادر لذهن الكثير منَّا الآن سؤال محوري، هل التهدئة في هذا الوقت تُحسب انتصارًا للمقاومة الفلسطينية، أم ما هي إلا فرصةٌ لجيش الاحتلال الإسرائيلي لتنظيم الصفوف.
في البداية يجب دراسة الظروف الجانبية التي حصلت قبيل طلب وقف إطلاق النار، حيث من البديهيّ أن من كان يحرز تقدمًا لحظة وقف إطلاق النار – على الأغلب – هو من يفرض شروط التهدئة أو يضع معظمها، حيث من الصعب الجزم في حالة الصراع الدائر مؤخرًا بين فصائل المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، ولكن وإن لم نستطع أن نسميه انتصارًا – بالمعنى العسكري – فإن كتائب المقاومة قد استطاعت تحقيق تقدمًا نوعيًّا في مسيرة صراعها مع جيش الاحتلال، حيث تمكنت من تطوير قائمةٍ طويلة من الأسلحة كانت قادرة أن تمكنها من رفع كفتها في ميزان القوى في هذا الصراع.
قائمة طويلة من الأسلحة المطورة يدويًّا في ظروف صعبة وبإمكانيات ضئيلة على أيدي مختصين من أبناء قطاع غزة قد لا يسعني ذكر جميعها ولكن نذكر أهمها، الصاروخ المسمى «ayyash 250» والذي سمي تيمنًا بالمقاوم يحيى عياش، والذي وصل مداه لأكثر من 250 كم وبقدرة تفجيرية هي الأكبر، ليكون بذلك قادرًا على ضرب عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، والوصول إلى الأهداف الإستراتيجية لدولة الاحتلال، هذا وقد أُعلن إدخال الطائرة الاستطلاعية المسيَّرة بدون طيّار «زواري»، والتي تمكنت من تصوير واستطلاع تحركات جيش الاحتلال في المعركة الأخيرة، فقد تمكنت كتائب المقاومة الفلسطينية من إرعاب دولة الاحتلال في غلاف قطاع غزة وحتى وصل صدى المقاومة مدن الداخل المحتل، حيث كانت صفارات الإنذار لا تنفك تدوِّي يوميًّا في عمق تل أبيب، و -برأيي – كان السلاح الجديد والأقوى للمقاومة هذه المرة هم فلسطينيو الداخل المحتل، الذين انتفضوا على الاحتلال الغاصب، وهو ما يشكل تهديدًا على الأمن القومي لدولة الاحتلال، فباغتوهم حين اعتقدت دولة الاحتلال أنها فصلتهم عن جسد المقاومة لعشرات السنين، وحين اعتقد العدو أن فلسطينيي الداخل قد صُهروا في المجتمع الإسرائيلي، فقد رأينا أن هذا لم ولن يكون، وأن الكفاح والمقاومة في الناصرة كانت كالمقاومة في غزة، وكذلك في القدس، وفي بيت لحم، وفي اللد، وفي كل مدننا الفلسطينية المحتلة.
وعلى الجانب الآخر كانت غنائم جيش الاحتلال المجهّز بأحدث المعدات العسكرية لا تتعدى ضرب الأحياء السكنية والمدنيين العزَّل والأطفال والنساء في قطاع غزة، حيث إن تخبطهم وصل لقصف مكاتب الوكالات الإعلامية والمستشفيات والطواقم الطبية، وفشلت فشلًا ذريعًا في رفع ذراعها بوجه المقاومة الفلسطينية في غزة، حيث لو كان ميزان القوى متكافئًا – بوجود سلاح طيران للمقاومة – كانت قوات الاحتلال ستتكبد خسائر مخزية وشنيعة على أيدي فصائل المقاومة الفلسطينية.
فالنتيجة هنا أن المقاومة أحرزت انتصارًا نوعيًّا وعسكريًّا، حيث إن الانتصار النوعي متمثلًا بتوحيد الصف الداخلي كاملًا مع المقاومة ومع الكفاح المسلح لدحر الاحتلال الغاشم كان هو الأقوى، فيجب استغلال هذه الوحدة في الصف الداخلي لفرض شروط الشارع الفلسطيني في هذه التهدئة – مع أني لا أعتقد أن دولة الاحتلال المتغطرس ستحترم ذلك – وبالوقت نفسه الاستمرار بتطوير تقنيات المقاومة تحسّبًا لأي عدوان أو حشد لصفوف جيش الاحتلال، لأنه وكما شهدناه في التاريخ لا يقبل الهزيمة لا يحترم الاتفاقيات ولا يؤمن له جانب، فيجب الآن على الفصائل توحيد الجهود الدبلوماسية بحذر – جنبًا إلى جنب- مع الجهود العسكرية لتحقيق مبتغاهم.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست