في البداية أتمنى لو يكتب التاريخ كُتاب وأدباء قرأنا ونقرأ لهم. لا لشيء سوى أن التاريخ قصة طويلة وأحيانًا تعاد تفاصيلها بدقة نُدهش لها. على أية حال هي أمنية خاصة، قد تلاقي استحسان أو استهجان لطرحها. بعيدًا عن الأمنية، فالرواية التي تحكي أحداثًا ومواقف نعرفها من قبل هي رواية صعبة على سهولتها، هذا لأن القارئ يقارن طوال الوقت بين ما يعرفه مسبقًا وبين ما يقرأه ويقع بين يديه في صفحات.
وعلى ذكر الصفحات والأوراق فرواية شمعون المصري تحتفي بالوريقات على طريقتها الخاصة، مجزئة الرواية إلى 68 ورقة ضمن أربعة كتب، كل كتاب فيها يؤرخ لجزء من رحلة نبي الله موسى على لسان شمعون المصري، وقد يتداخل معه رواة آخرون عاصروا جزءًا من الحكاية.
تحكي لنا الرواية حكاية بني إسرائيل وما فعلوه مع نبي الله موسى، وما نزل بهم من عقاب، وما كانوا يتمتعون به من نعم لم يقدروها حق قدرها. وعلى لسان الراوي شمعون، كانوا أكثر شعوبًا تدليلًا، وأكثرهم عقابًا أيضًا.
تبدأ الرواية بمشهد النجاة لبني إسرائيل من بطش فرعون، المشهد الشهير الذي ينفلق به البحر نصفين وتظهر أرضًا صلبة يعبر عليها المؤمنون، ثم تطبق المياه على فرعون وحاشيته. بعيون الولد الصغير شمعون يصف المشهد ومدى إعجازه، المشهد الذي نساه بنو إسرائيل مرات، وعارضوا موسى وطلبوا أكثر من مرة أن تأتيهم أية تثبت صدق نبوته، ومع كل آية يعودون للإيمان، وبمرور الوقت، وحدوث أزمة جديدة، يخرجون منه مطالبين بمعجزة أو آية أخرى وهكذا.
قضى بنو إسرائيل الوقت في الجدال، وكثرة الطلبات والتنعم بالمعجزات والآيات، ثم الكفر بها ووقوع العذاب بهم حتى حق عليهم التيه وهو أشد أنواع العذاب. التيه هو التيمة المفضلة للأدباء، لا أفضل من أن تسطر كلمات عن حيرة بشر مثلك، يدور حول نفسه ولا يصل.
البطل في الرواية هو الراوي شمعون، الذي نستعرض حياته طفلًا إلى أن صار كهلًا، يروى بقية الحكاية لنا. شمعون عاش في تيه خاص به، غير الذي كُتب على بني إسرائيل، فقد أباه الذي كان معلمًا له في حياته وبعد مماته، وافترق عن أمه التي علمته الحنان وكيف يفتح قلبه للإيمان. اتبع أبوه نبي الله موسى وتعاليمه، وقد يكون من القلة الذين آمنوا بكل جوارحهم، ولم يقترف من أثام بني إسرائيل لكن حين وقع العقاب في كل مرة كان يشمله.
ما فهمته من الرواية أن جوهر الأديان واحد، وكلها تدعو إلى الرحمة، والعدل، واليقين. قرأت معنا الرواية سورة الكهف التي نقرأها في أيام الجمعة، ونقف على الدروس التي تلقاها سيدنا موسى من الخضر عليه السلام. اللغة المكتوب بها الرواية سلسة وثرية بالمعاني والمفردات الجميلة. قصص الحب مؤثرة تتوج بالارتباط وتشعر معها بالاكتمال رغم الاختلافات العرقية والدينية أيضًا.
أما عن تسلسل الأحداث فمترابط، ولا تشعر بالملل رغم طول الحكاية. قد يتساءل البعض عن فائدة تكرار حكاية النبي موسى، رغم معرفتنا جميعًا بها، وحفظ معظمنا للسورة القرأنية التي تتناولها؟ ورأيي أن التاريخ أكبر معلم للبشرية. وأن الإنسان لم يتغير، في بدو أو حضر، الطبائع والأطماع متشابهة كتشابه النهايات والمصائر. كثيرًا ما ربط الكاتب بين الأحداث التي يرويها شمعون، وأحداث سبقت عليها أو تلتها؛ مما يوثق تكرار التاريخ وتشابه ما مرت به البشرية.
استمتعت بالرواية وهي تستحق القراءة والنقاش باستفاضة أكثر. الرواية مدهشة كونها تخلق من الأحداث المعروفة سلفًا نصا ينبض بالحياة، فتقرأ بينما تصور لك الكلمات المشاهد كأنه شريط سينمائي، فمشهد البداية وانفلاق البحر ومشهد تجمع بني إسرائيل حول العجل الذهبي الذي سحرهم بصنعه السامري ومشاهد أخرى تنقلك لهذه الحقبة وبالطبع المفردات كانت مناسبة لتوظيفها في مواضعها.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست