إن الحاجة للارتباط والقبول واحدة من الغرائز التّي طورها الكائن البشري للحفاظ على حياته، لأنها تعتبر من آليات البقاء (survival mechanism)، لذلك يحتاج الإنسان إلى تكوين علاقات ناجحة حاجته للأكل والشرب.

من الواضح جدًّا أن حياة الإنسان أصبحت أكثر سهولة، وقضاء حوائجه أصبح أكثر سرعة، وتدخلاته الطبية أصبحت أقل ألمًا وأسرع شفاءً، إلاّ أنه وعلى الرغم من التطور العظيم للعالم وقف عاجِزًا أمام إشكالية ألم الرفض الاجتِماعي والعاطفي.

معَ كلّ هذا التطور وتحول المُجتمعات من قبلية إلى فردية، وتمكن الإنسان من التحرر من فكرة العيش في المجموعات، إلا أن المخ البشري لم يطور آليات للاستجابة للألم النفسي، بل ما زال يتعامل معه بطريقة بدائية.

الإحساس بالرفض الاجتماعي ما زال معضلة الطب النفسي الحديث، حيث يعتبر من أصعب الاضطرابات النفسية وأكثرها شيوعًا.

في كتاب «أرض جديدة» يقول إيكهارت تول أن الألم النفسي هو طُفيلي يعيش داخل الإنسان، ناتِج عن تراكم تجارب مؤلمة لم يتم التعامل معها بالشكل الصحيح.

في سنة 2003، قامت الدكتورة Naomi Eisenberger بتجربة بعد طرحها لعدة تساؤلات عن حقيقة وجود رابط حقيقي بين الألم النفسي والجسدي، بعد أن لاحَظت أن الوصف اللّغوي للألم النفسي مُطابق تمامًا لوصف الألم الجسدي في كل لغات العالم، (broken heart)، قلب مكسور، وعبارات أخرى مثل صفعة على الوجه أو (I was hurt )…

مبدأ التجربة كانَ يقوم على جعل مجموعة من الناس يَتشاركون تبادل الكُرة إلكترونيًّا، بعد مدّة يتم حرمان واحد منهم من تبادل الكرة.

بعد وضع الشخص المَرفوض في اللّعبة، تحت جهاز (FMRI Scanner) لملاحظة التغييرات التي تحدُث بعد إحساسه بالرفض، تمت ملاحَظة وجود نشاط زائد في أماكِن المخ المسؤولة عن الألم الجسدي (Dorsal anterior cingulate)، (Anterior Insula).

بعد عدّة تجارب لاحقة سنة 2010، توصل العلماء إلى أن مخ الإنسان لا يُفرق بين الألم الجسدي والنفسي ويتَعامل معهما بنفس الطريقة، فالنسبة للمخ انكسار القلب يشبه انكسار اليد تمامًا!

انطلاقًا من هذه الفكرة قاموا بوضع مجموعة من الأشخاص تعرضوا لصدَمات عاطفية ورفض اجتماعي تحت تأثير «الباراسيتامول» لمدة ثلاث أسابيع، بعد مقارنة النتائج تبيّن أن المتطوعين الذين أخذوا المُسكن أحسوا بألم نفسي أقل أقل مُقارنة بالآخرين.

في مقال نشره الطبيب النفسي Nathan Dewal سنة 2011 وضّح أن أغلب المُتعرضين للرفض الاجتماعي يعانون من قلق واكتئاب وأداء ذهني منخفض في المهام الصعبة، وعدم التحكم في الانفعالات بالإضافة إلى انعكاسات صحية كقلة النوم، واختلال وظائف الجهاز المناعي وأمراض القلب.

في تجربة فريدة قام علماء النفس في جامعة كولورادو، بإحضار مجموعة من الأشخاص كانوا قد تعرضوا لانفصال عاطفي خلال آخر ثلاث أشهر، وقاموا بتقسيمهم إلى مجموعتين.

قاموا بتزويد الأشخاص في المجموعتين بنفس المحلُول، مع اختلاف الملاحظة، أخبروا المتطوعين في المَجموعة الأولى أن المحلول فعّال ضد الألم النفسي ويُساعد في تخطي الاضطراب الناتج عن تجربة الانفصال، وأخبروا متطوعي المجموعة الثانية أنه محلول عادي.

بعد فحص المخ، النتائج أظهرت أن نشاط الأماكن المسؤولة عن الألم كان أقل بالنسبة للأشخاص في المجموعة الأولى مقارنة بالمجموعة الثانية لمجرد اقتناعهم أن المحلول فعّال.

مهما كان رد فعل الإنسان بعد التعرض لرفض اجتماعي وعاطفي، المُسكنات بأنواعها ليست الحل، التجربة الأخيرة تؤكد أن اقتناع الإنسان بفعالية ما يفعلُه هو الحل .

قناعاتك وتوقعاتك الإيجابية تُحفز أماكن المخ المسؤولة عن الشعور الجيّد (Peraqueductal gray) والتّي عادة تُحفز عن طريق الدوبامين.

في النهاية، الحل أمام معضلة الألم النفسي يَكون باستخدام أساليب نفسية مشابهة، كالتخلص من الإحساس بالعجز والذنب، فالإحساس بألم الرفض نابع من عدم قدرتك على المحاولة، وتخطي المشاعر السلبية من أجل علاقات صحية جديدة.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد