في محاولة أخيرة لإنعاش عملية السلام المتجمدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، انطلق مؤتمر السلام الدولي في باريس، بمشاركة أكثر من سبعين دولة ومنظمة دولية لبحث عملية السلام في الشرق الأوسط، ليعلن المشاركين في مؤتمر باريس تمسكهم بمبدأ حل الدولتين، ورفض أي قرارات أحادية، ممهدًا لفرصة أخيرة لبدء حوار مباشر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، رغم التحفظ البريطاني، والموقف الإسرائيلي المراوغ والرافض للمؤتمر؛ تحسبًا لما قد ينتج عن الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب. فما بين الفرصة الأخيرة لإمكانية التوصل لحل ينهي النزاع الفلسطيني الإسرائيلي قبل نهاية ولاية أوباما، وما بين إضفاء الرمزية على المؤتمر انتظارًا لسياسات الإدارة الأمريكية الجديدة، ينتظر المشاركون بالمؤتمر، والمراقبون ما ستؤول إليه عملية السلام بعد انقطاع دام لأكثر من عامين.

مؤتمر باريس والفرصة الأخيرة

تزامن عقد مؤتمر باريس مع تأزم التوصل لحل الدولتين بسبب تكثيف الاستيطان الإسرائيلي، وقبل أيام من تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، لتؤكد أكثر من سبعين دولة ومنظمة شاركت بالمؤتمر التمسك بمبدأ حل الدولتين، وعدم الاعتراف بأي قرارات أحادية الجانب تتعلق بالحدود والقدس.

يندرج المؤتمر في إطار المبادرة الفرنسية التي أطلقت قبل عام لتهيئة الأسرة الدولية، وحث الفلسطينيين والإسرائيليين على استئناف المفاوضات المتوقفة منذ أكثر من عامين.

ويعد المؤتمر المحطة الأخيرة في سلسلة المبادرة التي أطلقت لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، نظرًا لتراجع فرص حل الدولتين، وتدهور الأوضاع على الأرض بسبب عمليات الاستيطان، وعمليات الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة ضد قوات الاحتلال.

ونسبت تقارير لمسودة بيان عن المؤتمر دعوة إسرائيل وفلسطين «لإعادة التأكيد رسميًّا على التزامهما بحل الدولتين»، وتجنب اتخاذ «خطوات أحادية الجانب تستبق نتائج مفاوضات الوضع النهائي».

اللافت في المؤتمر، أنه لم يحضر الفلسطينيون أو الإسرائيليون المؤتمر، حيث تقضي الخطة بأن تجتمع 70 دولة لمناقشة الوضع في الشرق الوسط ومسار عملية السلام، والتوصل لمقترحات يتم عرضها على الجانبين الفلسطيني، والإسرائيلي في مرحلة لاحقة.

من جانبه، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس في وقت سابق، إن مؤتمر السلام الدولي في باريس، ربما يكون الفرصة الأخيرة لتنفيذ حل الدولتين.

تأتي احتمالات الفرصة الأخيرة، وذلك قبل أيام من انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وتنصيب الرئيس الجديد دونالد ترامب المعروف مُسبقًا بدعمه لإسرائيل، لذلك تزداد التخوفات من قبل المسؤولين الإسرائيليين إزاء التحركات التي قد تتخذها إدارة أوباما قبل انتهاء ولايتها، لا سيما وأنها امتنعت قبل شهر عن التصويت على قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي للمرة الأولى منذ 1979، وهو ما أثار غضب الرئيس المنتخب دونالد ترامب الذي دعاها لاستخدام حق الفيتو.

مراوغة إسرائيلية

قبيل انطلاق المؤتمر، حاولت إسرائيل إضفاء عدم الأهمية واللامبالاة على ما ستؤول إليه نتائج المؤتمر، حيث وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤتمر باريس بأنه «مؤتمر مفبرك» و«عبثي»، وأنه يهدف لتبني المزيد من المواقف المُعادية لإسرائيل.

وحول مقاطعة إسرائيل للمؤتمر، قالت صحيفة «الوطن» السعودية في افتتاحيتها: «إسرائيل لن تتجاوب مع أي دعوة من أجل إحلال السلام؛ فهي تعتقد أن ذلك السلام يعني بداية نهايتها، فالأطماع الإسرائيلية في المنطقة أكبر من الوصول إلى حل مع الفلسطينيين بكل تأكيد».

أما صحيفة «لوموند» الفرنسية، أوضحت على لسان إيلي بارنافي، السفير الإسرائيلي السابق في باريس، أن امتناع إدارة أوباما عن التصويت في مجلس الأمن لمنع قرار إدانة الاستيطان، هو سبب رفض نتنياهو للذهاب إلى المؤتمر.

وأوضحت الصحيفة أن ائتلاف نتنياهو يعول على الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لإضفاء الشرعية على سياسة الاستيطان، مؤكدًا أن الاحتلال الإسرائيلي وحده يبرر إقامة مؤتمر باريس لوقف هذه المأساة على الفلسطينيين.

ولم تكن إسرائيل وحدها، التي أعلنت رفض ومقاطعة المؤتمر، حيث انضم مستشارو الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب في انتقادهم للمؤتمر الذي تم عقده قبل وقت قليل من تولي ترامب منصبه رسميًّا، وهو ما ذكرت صحيفة «هآرتس» العبرية.

البيان الختامي

ورغم الانتقادات الإسرائيلية، انطلقت فعاليات المؤتمر ليؤكد البيان الختامي المشترك أن الحل الأمثل للصراع بين الفلسطينيين، والإسرائيليين ينبغي أن يكون وفقًا للقرارات الدولية، ومبنيًا على مبادرة حل الدولتين، والامتناع عن اتخاذ أي خطوات أحادية يمكن أن تؤثر في سير المفاوضات فيما يتعلق بـ «القدس والحدود والأمن واللاجئين».

وشدد البيان الختامي للمؤتمر على أن الحل الوحيد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتوصل إلى السلام في الشرق الأوسط هو إنشاء دولة فلسطينية مستقلة «تتعايش مع إسرائيل جنبًا إلى جنب».

كما دعت الدول المشاركة طرفي النزاع إلى برهنة تمسكهما بحل الدولتين من خلال السياسيات والأفعال، مُعربين عن ترحيبهم بكافة أشكال التعاون بين اللجنة الرباعية، وجامعة الدول العربية، وباقي المكونات التي تعمل على أهداف البيان.

وأبدى المشاركون استعدادهم لعقد اجتماع لاحق قبل نهاية العام الجاري لدعم الطرفين في التوصل إلى حل الدولتين عبر المفاوضات، ولمتابعة الجهود التي سيبذلها الفلسطينيون والإسرائيليون نحو ذلك.

وشدد البيان على أهمية مبادرة السلام العربية التي أطلقتها السعودية في عام 2002 «كأساس واضح لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي»، فضلًا عن الإشارة إلى أهمية تسوية الوضع الإنساني في قطاع غزة.

وخلال المؤتمر، برزت مواقف مؤيدة للبيان، ومنها ما جاء على لسان وزير خارجيتها جان مارك إيرولت، الذي تحدث عن ضرورة اعتماد حدود 67 وحل الدولتين، معتبرًا أن هدف المؤتمر هو التحضير لأرضية حوار مباشر بين الإسرائيليين، والفلسطينيين لتحقيق السلام، ومؤكدًا في الوقت ذاته على تمسك المشاركين بالمؤتمر بـ«أمن إسرائيل»، ومتعهدًا بتخصيص الاتحاد الأوروبي لاستثمارات ضخمة بالمنطقة حال توصل الطرفان إلى السلام.

من جانبه، أكد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن المباحثات المباشرة بين الفلسطينيين، والإسرائيليين وحدها يمكن أن تؤدي إلى إحلال السلام في الشرق الأوسط، من أجل مواجهة تهميش القضية الفلسطينية، وخطر عمليات الاستيطان المتسارعة، قائلًا: «المهمة ليست حلمًا من الماضي».

بدوره، أشاد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بالبيان الختامي الذي وصفه بـ«المتوازن»، موضحًا أن الولايات المتحدة أصرت على تضمين البيان لغة قوية تدين التحريض، والهجمات الفلسطينية على الإسرائيليين.

وعلى الجانب الفلسطيني، رحبت منظمة التحرير الفلسطينية بالبيان الختامي للمؤتمر، وأكدت على لسان أمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة صائب عريقات، ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، والاعتراف الفوري بدولة فلسطين على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، لافتًا إلى أنه آن الأوان لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي.

من جهة أخرى، أبدت بريطانيا تحفظها على البيان الختامي، ورفضت التوقيع عليه، واعتبرت أن المؤتمر يأتي ضد رغبة الإسرائيليين، وقبل أيام من تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد الضامن النهائي لأي اتفاق، من وجهة نظر الخارجية البريطانية، وارتأت أن أفضل حل هو العودة إلى المفاوضات الثنائية.

ويبقى السؤال، هل ينجح المؤتمر في إحياء المفاوضات بين الفلسطينيين، والإسرائيليين تمهيدًا لإيجاد حل للنزاع؟ أم سيتغير الوضع مع تنصيب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، والتي يراهن عليها البعض في تغيير سير العملية برمتها لصالح إسرائيل؟!

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد