أعلن وزير الخارجية الفرنسي فابيوس في مؤتمر صحفي جمعه بنظيره السعودي الجبير في يونيو 2015 أن عمليات التنصت الأمريكي على الرؤساء الفرنسيين غير مقبولة، مشيرًا إلى أن بلاده ستنقل موقفها للسفيرة الأمريكية بباريس.

 

لم تكن هذه المرة الأولى ولن تكون الأخيرة فقد كانت قضية سنودن في 2013 قد بينت للحلفاء قبل الأعداء أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تتخلى عن عادة التجسس على الكل

بما فيها مؤسسات حكومية فرنسية بل وصل الأمر إلى التنصت على هاتف ميركل مستشارة ألمانيا شخصيًّا.

 

ومع تسريبات الويكيليكس بواسطة جوليان أسانج التي أكدت التجسس الأمريكي أقر أوباما بعد النفي المتكرر ضمنيًّا جاء في بيان الرئاسة الفرنسية أن أوباما أكد التزامه الذي أخذه على عاتقه وجدده بعد ثلاثة أشهر من ذلك، أثناء زيارته إلى فرنسا، ألا وهو التخلي عن ممارسات كانت متبعة في الماضي وتعد غير مقبولة بين الحلفاء.

 

إن حجم المعلومات الذي تحصل عليه الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية، يؤهلها لإدارة الصراعات بشكل قد يضر بالكثير من حلفائها قبل أعدائها .

يتردد السؤال المنطقي بعد حادث باتكلان في باريس:

لماذا لا تعلن عنها واشنطن لأصدقائها وحلفائها قبل وقوع الكوارث؟

ولماذا تقوم بتسريب معلومات بعد كل كارثة، بأنها تملك هذا الحجم أو ذاك من المعلومات المتعلقة بهذه الكارثة أو تلك؟

 

ماذا حدث بين الحلفاء؟!

وخاصة أن المصالح والاهتمامات المشتركة لا تنحصر في سوريا فقط بل تمتد لمساحات أكبر من ذلك عبر الشرق الأوسط .

 

“مدير الاستخبارات الفرنسية: الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى.

مدير “CIA”: الحل العسكري مستحيل في سوريا وليبيا والعراق واليمن.

28 اكتوبر 2015″

 

الشرق الأوسط

 

تتبنى الإدارة الأمريكية وجهة نظر حول الموقف في الشرق الأوسط تتلخص في كلمات (جون برينان) مدير الـ CIA بمؤتمر جامعة واشنطن حول الاستخبارات وهي:

عندما أنظر إلى الدمار في سوريا وليبيا والعراق واليمن يصعب علي أن أتخيل وجود حكومة مركزية في هذه الدول قادرة على ممارسة سيطرة أو سلطة على هذه الحدود التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية”. وأعتبر أيضًا أن: “الحل العسكري مستحيل في أي من هذه الدول”.

 

ويتفق أيضًا (برنار باجوليه) مدير الاستخبارات الفرنسية مع وجهة النظر الأمريكية حينما قال: نحن نرى أن سوريا مقسمة على الأرض، النظام لا يسيطر إلا على جزء صغير من البلد وهو ثلث مساحة سوريا التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية، الشمال يسيطر عليه الأكراد، ولدينا هذه المنطقة في الوسط التي يسيطر عليها تنظيم داعش”.

كان هذا المؤتمر قبيل حادث باريس لكن الإجراءات التي اتخذتها فرنسا في سوريا بعد إعلان تنظيم داعش مسؤوليته عن الحادث بدت انتقامية أكثر مما ينبغي مع تجاهل اليد الروسية الممدوة لبناء تحالف ضد داعش فقد ظهر الموقف الفرنسي جليًّا وبخاصة بعد لقاء أوباما مع هولاند الأخير وأخيرًا إسقاط تركيا طائرة بوتين سو 24 فوق الأجواء السورية.

 

هل تريد فرنسا قطعة من الشرق الأوسط الجديد؟!

“إن الفوز على تنظيم (داعش) الإرهابي يحتاج أولًا للاختيار الصحيح لحلف الدول المشاركة في هذه المعركة وأعتقد أن روسيا وإيران على وجه الخصوص هما دول الحلف الصحيحة” . فرانسوا فيون – رئيس الوزراء الفرنسى الأسبق ، مجلة “فالوس أكتويل”

 

لا شك أن فرنسا لها مساحة نفوذها وتأثيرها في إفريقيا، وظهر ذلك بقوة في الإطاحة بمعمر القذافي. ولا يزال هذا التأثير موجودًا في ليبيا وتونس والجزائر والعديد من الدول في إفريقيا.

وليس مصادفة أن تقدم باريس كل الخدمات الممكنة للحليف الأمريكي في كل من سوريا والعراق، مقابل أن ينتبه الحليف الأكبر لمصالحها في ليبيا.

ولكن يبدو أن واشنطن لا تبالي كثيرًا برغبات وطموحات باريس. مما يعكس أن هناك صراعًا، بين واشنطن وباريس على الكعكة الليبية.

 

في نفس يوم حادث باتكلان باريس كانت الطائرات الأمريكية تنفذ غارة في ليبيا فقد أعلن المتحدث باسم الإدارة الأمريكية عن احتمال مقتل قائد فرع تنظيم “داعش” الإرهابي في ليبيا أبو نبيل. ووفقًا لأقواله فقد تم توجيه الضربات على مواقع المسلحين بالقرب من بلدة درنة.

ثم أخيرًا وليس آخرًا حادث احتجاز الرهائن في فندق راديسون في باماكو عاصمة مالي.

أي أن الصراع قد يمتد لباقي مناطق السيطرة الفرنسية في إفريقيا.

 

“قيل إن إفريقيا تمثل أحد عوامل ثلاثة لمكانة فرنسا الدولية، بجانب مقعدها الدائم في مجلس الأمن وقدرتها النووية”.

 

فهل رضخت باريس للضغوط الأمريكية وبخاصة بعد تدفق اللاجئين السوريين لأوروبا وزيادة الأعباء على أوروبا القديمة (فرنسا – ألمانيا – بريطانيا) أم ما زال في الصراع الخفي المزيد من الحيل؟!

 

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد