لا يمكن أن تكونَ الانتخاباتُ حلًا عمليًا للأزمة الفلسطينية الداخلية؛ حيث لم تك كذلك عام 2006م؛ بل كانت هي من صنعَ الأزمة، وأدخلت القضيةَ الفلسطينيةَ نفقًا معتمًا، أكثر قتامةً من سوادِ التغريبةِ الفلسطينيةِ عام 1948م.
عوامل الفشل
وإن لجوءَ الأطراف الفلسطينية – المتنازعة مستقبلًا – للخيار الانتخابي، ما هو إلا تكرار لمحاولة سابقة، ولن تأتي ببضاعةٍ جديدة؛ حيث إن المقدمات التي أدت إلى فشل التجربة، وما تمخَّض عنها من ويلات، ما تزال قائمةً، ومن أهمها:
فقدان الإرادة الوطنية، وعدم الاستقلال الوطني، أو السيطرة على الأرض، أو إمكانية تقرير المصير، وبالتالي فقدان حرية أن يختارَ الشعبُ من يحكمه، فلا يمكن أن يتصورَ وطنيٌ عاقلٌ، أن وطنًا محتلًا سيتمكن أبناؤه من اختيار ممثليهم بمعزلٍ عن إرادة محتليهم، على اعتبار أن ذلك واحدًا من أهم محددات الأمن القومي لدى أي محتل.
– غياب الإرادة السياسية لدى فصائل العمل الفلسطيني، التي تمكّنهم من استيعاب أهمية العملية الديمقراطية، والتعامل مع ما ينتج عنها، مهما كان ذلك الناتج، فالديمقراطية في العرف الفلسطيني، تشبه آلهة قريش المصنوعة من العجوة؛ حيث إنها محل عبادة وتقديس، فإن جاعوا أكلوها، ويبقى صندوق الانتخابات جميل، ورائع، في حالة واحدة فقط! وهي عندما يحقق مصالح الحزب، ويمكنّه من مقاليد السلطة! أما غير ذلك، فهو رجسٌ من عمل الشيطان، ومؤامرةٌ حيكت بليل، من قبل المرتزقة، أعداء الوطن!
– ضعف ثقافة الديمقراطية لدى النخبة السياسية الفلسطينية، وانهيار أهم محدداتها، وهي: الإيمان بإرادة الشعب، وحرية الرأي والتعبير، وسيادة قانون.
– السطوة الخارجية للدول ذات التأثير السياسي والمالي في القرار الوطني الفلسطيني، وإن ذلك النفوذ لا يمكن تجاوز رغباته في شكل ومضمون القيادة السياسية الحاكمة فلسطينيًا، ويتربع على رأس تلك السطوة، الإرادة الأمريكية.
ما الغباء؟
ومن المؤسف أن طرفي الخلاف الفلسطيني يتجهون نحو إعادة التجربة من جديد؛ حيث إن الانتخابات واحدًا من أهم ملفّات الحوار الفلسطيني – الفلسطيني، منذ اتفاق مكة عام 2007م، وما تلته من اتفاقات هامة في القاهرة عام 2011م، والدوحة 2012م، والشاطئ 2014م، وما يجري حاليًا في الدوحة.
لماذا يُصرُّ الجميعُ على تكرار ذات المقدمات، ومن ثم ينتظرون، وننتظر نحن معهم، نتائج مختلفة؟ إن ذلك الإصرار يتساوق مع تعريف <البرت اينشتاين> للغباء وهو: فعل نفس الشيء مرتين، بنفس الأسلوب، ونفس الخطوات، مع انتظار نتائج مختلفة !
المَخْرَج
وحيث إن الانتخابات، والاحتكام للخيار الديمقراطي، غيرُ مجدٍ كما أسلف وبرّرت، فما الحلُ إذن؟ وما المخرجُ من عُنُقِ الزُّجاجة الذي يحكمُ الخناقَ على الجميع؟
أرى من وجهة نظري أن الشراكةَ الوطنيةَ، تمثلُ طريقًا نحو الإنقاذ الوطني للحالة الفلسطينية بهيئتها الحالية، حيث الاحتلال، وغياب الثقافة، والإرادة، والنفوذ الخارجي، وعندما أقول الشراكة، فلا أعني المحاصصةَ البشعةَ والجشعةَ التي لجأت إليها التنظيمات الفلسطينية في بعض المحطات وسقطت سقوطًا مدويًا.
ويكمن الفرق بين المحاصصة، والمشاركة الوطنية التي أعنيها في أن:
المحاصصة: توزيع المهام والصلاحيات، وفق نظام العدد والكمية، مترًا بمتر، وصاعًا بصاع، بغضِّ الطرف عن نقاط القوة والضعف، والفرص والتهديدات، والمهارة، والكفاءة، والواقع والاحتياج، وهو ما جربته القياداتُ الفلسطينية، وساهمت من خلاله بتعميق الهوة، وتهميش الكثير من الطاقات الفلسطينية لاعتبارات كمية فقط.
أما عن المشاركة التي أعني، فهي: توزيع المهام والصلاحيات، وفق نقاط القوة والضعف، والمهارة، والكفاءة، والفرص والتهديدات، والواقع والاحتياج، التي يملكها كلُّ طرف، بغضِّ النَّظر عن العدد والكميات، وهي قاعدةٌ ستجمعُ الكلَّ الفلسطيني، وستكفلُ مشاركةَ كافَّةِ الأحزاب، وكذلك المستقلين، وستتعاملُ مع الجميع وفقَ قاعدة التكاملية، والنوعية، والتخصصية، وسيستفيدُ وفقها الكلُّ الفلسطيني من الكلِّ الفلسطيني، سواءً في الداخل، أو في الشتات، ومخيمات اللجوء.
إن الشراكةَ – ثقافةً وتطبيقًا – تحتاجُ إلى وعيٍ قياديٍ عالٍ، أشكُ في توفُّره حاليًا، أو على الأقلِّ أشكُ في إرادةِ القيادات الحالية في تحقيقه، ولن تفعلَ ذلك قبل الاستقالة من تبعيَّةِ أهوائها، ومصالحها، والخروجِ من تحتِ عباءةِ تنظيماتها الضيِّقة، إلى ظلّ الوطنِ الفسيح.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
فلسطين