فيلم (paths of glory) هو فيلم أمريكي، من إنتاج عام 1957، للمخرج العالمي ستانلي كوبريك الذي يعتبره البعض من أفضل المخرجين في تاريخ السينما، والذي تأثر بأسلوبه وبعض لقطاته الكثير من المخرجين، الفيلم عن رواية تحمل نفس الاسم لـ«هامفري كوب» نشرت عام 1914، وكتب السيناريو: ستانلي كوبريك، كالدير ويلينجهام، وجيم تومبسون، الفيلم من سينماتوغرافيا جورج كروز، وهي سينماتوغرافيا رائعة حقًا، أخيرًا الفيلم من بطولة كيرك دوغلاس وهو من أفضل الممثلين الذين قد تشاهدهم، وباقي طاقم الممثلين قاموا بعمل يستحق الثناء.
الفيلم حاصل على تقييم 8.5/10 على موقع IMDB ويحتل المرتبة 57 لأفضل 250 فيلم، و94%على موقعrotten tomatoes ، و4/4 للناقد روجر إيبرت، وقد أضافه أيضًا لقائمة أفلامه العظيمة. (تقييمIMDB هو بتاريخ كتابة المقال 30 ديسمبر 2017).
لست هنا بصدد الكلام عن إخراج ستانلي كوبريك، فالكلام عن هذا سيكون مضيعة للوقت، ولا عن التمثيل فلا كلام من الممكن أن يصف أداء كيرك دوغلاس ناهيك عن باقي الممثلين، ولكنني رأيت أن الفيلم يبث أفكارًا مسمومة وهدامة وغبية، وهذا ما أنا بصدد الكلام عنه.
القصة
«بدأت الحرب بين فرنسا وألمانيا في الثالث من أغسطس 1914 وبعد خمسة أسابيع كان الألمان قد تمكنوا من الوصول إلى مسافة 18 ميلًا من باريس وهناك حشد الفرنسيون المحطمون قواتهم قرب نهر مارن وبواسطة مجموعة من الهجمات غير المتوقعة نجحوا في إجبار الألمان على التقهقر وبعد ذلك بوقت قصير استقرت الأمور على الجبهة وتحول الأمر إلى خط طويل من الخنادق المحصنة بقوة في خط متعرج طوله خمسمائة ميل من القنال الإنجليزي وحتى الحدود السويسرية بحلول 1916، بعد سنتين مريعتينِ من حربِ الخنادق، لم يطرأ أي تغيير كبير على خطوط القتال كانت الهجمات الناجحة تقاس بمئات الياردات وتتكلف مئات الآلاف من الأرواح» بهذه العبارات المترجمة عن الإنجليزية يبدأ الفيلم.
الجنرال جورج برولارد يطلب من الجنرال بول ميرو، أن ينفذ هجومًا على تل أنت، ويستولي عليه، وهو تل فاصل بين الألمان والفرنسيين، ولكن الجنرال ميرو يخبره أن هذا مستحيل وفقًا لعدد الجنود وصعوبة المعركة خصوصًا أنه لا توجد أي إمدادات، ليس عليك بأن تقبل تلك المهمة يرد الجنرال جورج، ولكنه يخبره بأن هناك ترقية قادمة وإذا نجح هذا الهجوم بالطبع سيستحق الترقية. يقبل الجنرال جورج بهذه المهمة لأنه أغري بالترقية مع علمه بأن هذه المهمة مستحيلة وستكلف أكثر من أرواح نصف الجنود كما أخبر الكولونيل داكس لاحقًا، الذي يقوم بدوره كيرك دوغلاس بطل الفيلم.
لا يريد الكولونيل داكس إتمام هذه المهمة خوفًا على أرواح جنوده ولأن المهمة صعبة ولكنه يوافق لأن هذا أمر عسكري، في اليوم التالي يبدأ الهجوم لكنه يكلل بفشل ذريع حيث لم يخرج كثير من الجنود الفرنسيين من خنادقهم أصلًا، والبعض لم يتخطَّ سياج قواته، ومن تقدم إما أنه قتل أو أصيب، يأمر الجنرال ميرو في أثناء المعركة بأن تقصف المدفعية خندق الفرنسيين لكي يضطر الجنود إلى الخروج منها، لكن ضابط المدفعية يرفض.
لاحقًا بعد الهزيمة يأمر الجنرال ميرو بعقد محاكمة عسكرية لثلاثة جنود يتم اختيارهم عشوائيًا بتهمة الجبن، تتم المحاكمة التي يصفها الكولونيل داكس بالتعسفية، ويدافع الكولونيل داكس عن الجنود الثلاثة بما أنه كان محاميًا قبل الخدمة العسكرية، تنتهي المحاكمة ويتم إصدار حكم بإعدام الجنود الثلاثة رميًا بالرصاص، بعد المحاكمة يعلم الكولونيل داكس أن الجنرال جورج ميرو قد أمر بقصف خنادق الفرنسيين أثناء المعركة كما أخبره ضابط المدفعية، يحصل على شهادات موقعة من كل من سمع المكالمة ويذهب بها إلى الجنرال برولارد ولكن ذلك لا يؤثر على حكم المحكمة، في اليوم التالي يعدم الجنود.
في اليوم التالي يأمر الجنرال برولارد بعقد محاكمة عسكرية مستدلًا بشهادات الإدانة التي قدمها الكولونيل داكس، ويعرض منصب الجنرال ميرو على الكولونيل داكس، لكن داكس يرفض، ينتهي الفيلم بفتاة ألمانية تغني بالألمانية للجنود الفرنسيين الذين لا يفهمون حرفًا مما تقول ولكنهم يهمهمون معها ويبكون متأثرين.
التحليل
الفيلم هو فيلم anti-war أو ضد الحرب كما يمكن أن نترجم للعربية، هو ضد مفهوم الوطنية، وضد فكرة الجيوش والتسليح العسكري.
بطل فيلمنا ملاكٌ طاهر منزه، يمشي بخطوات مثقلة، ويخطب كأنما المسيح بين حواريه، ويجول بينما يتكلم كأنه في عرض مسرحي أو أنه يخطب أمام العالم أجمع، ومن حوله جنود مساكين يريد حمايتهم بصفته قائدهم، وفوقه رتبتان وتحته رتبة، هم شياطين قذرة، كما يصور الفيلم، وفكرة الخير والشر تثير اشمئزازي ولا وجود لها في الواقع، ولا نرى شخصًا طيبًا وشخصًا شريرًا، بل نرى أناسًا يجمعون بين خصال الشر والخير، فنحن لسنا بشياطين أو ملائكة، ناهيك عن أنه لا حكم مطلق على ما هو شر وما هو خير.
بطل فيلمنا الوسيم الجميل كما يصور كوبريك هو شخص لا يحترم علم بلده ولا يوجد لديه أي انتماء وطني، ويصدف أنه لا ينتمي للمؤسسة العسكرية! فهو محام.
عندما يخبره الجنرال ميرو عن الهجوم على تل أنت ويقول له إن فرنسا كلها تعتمد عليك، يرد داكس «أنا لست بثور يا جنرال، أنا لست في حاجة لعلم يلوح أمامي ليحركني» وتلك قلة أدب وإهانة صريحة للعلم.
الجنرال ميرو يخبره بأنه قد يظن أن الوطنية موضة قديمة، ولكن أرني رجلًا وطنيًا، أرك رجلًا صادقًا، لكن الكولونيل داكس يستشهد بمقولة لصامويل جونسون ليرد على الجنرال ميرو. «الوطنية هي الملاذ الأخير للأوغاد»! فإن كنا لا نملك أي قيم وطنية فلمَ نتكبد عناء الدفاع عن الأرض! وصامويل جونسون هو كاتب وشاعر بريطاني، فأي هراء يعرف عن الحرب؟!
وبطل فيلمنا أيضًا جبان، فعندما يقول الجنرال ميرو «أنا لا أفهم ضباط المكاتب، يحاولون أن يحاربوا من وراء مكاتبهم، ملوحين الأوراق للعدو، قلقين ما إذا كان فأر سيدخل بنطالهم أم لا»، يرد داكس «لا أعلم يا جنرال، لكن إن كنت سأختار بين الفئران والبنادق، فسأختار الفئران كل مرة»! أي خسة وجبن ووضاعة تلك!
يصور الفيلم أيضًا ضابطًا جبانًا، يهرب من مهمة استكشافية ويقتل جنديه عن طريق الخطأ، ويصور الجنرال ميرو على أنه رجل تحركه شهوة المنصب وأنه لا يملك أي إنسانية، ومن فوقه الجنرال جورج برولارد سادي عجوز كما وصفه الكولونيل داكس! ألا يوجد رجل واحد جيد في تلك المؤسسة!
ولا أفهم انتقاد الفيلم وتحامله على المحاكمة العسكرية! فما المصير المفروض لجنود لم يخرجوا للهجوم أصلًا، إن كنا نريد الأرض فبالتأكيد سنضحي، ولا حرب بدون قتلى.
يصور الفيلم أيضًا احتقار ضابط للجنود بأن يصفهم كالحيوانات، ومشهدًا يرقص فيه اللواءات والرتب العالية في ليلة إعدام الجنود، وكأنه يقيم مقارنة، وكأنه من المفترض أن الرجال الذين تخطوا ستين عامًا من المفروض أن يحاربوا!
أخيرًا لا أفهم رفض الكولونيل داكس للترقية، وكأن حب المنصب مثلًا عيب أو نقيصة.
أما المشهد الأخير فهو نكتة، نكتة سخيفة، فتاة ألمانية تقف على خشبة المسرح والدموع في عينيها والخوف في قلبها، والجنود الفرنسيون ضاحكون ومطلقون السباب والصفير، ما أن تبدأ تغني بالألمانية، فيقول أحدهم تكلمي بلغة متحضرة.
لكن ما أن تبدأ بالغناء فيبكون ويهمهمون معها، وهنا يقول كوبريك إن الغناء والموسيقى والفن أقوى من الحرب، وأنه من الممكن بكل بساطة أن نرمي هذا وراء ظهورنا، أو أن الحرب ما هي إلا لعبة القادة وأن الجنود هم ضحايا! مع العلم أن الحرب كانت حتمية وأن الدفاع عن الأرض هو واجب.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
Paths of Glory