«لو وجد شعب من الآلهة لكانت حكومتُه ديمقراطية، فحكومة بالغة الكمال كهذه لا تلائم الآدميين»¹.
تختلف درجات الديمقراطية والحرية باختلاف درجات وعي وثقافة الشعب، ولا يمكن الحديث عن ديمقراطية مطلقة للبشر، بل لا يمكن الحديث عن الحرية والديمقراطية لشعوب جاهلة وغير واعية.
شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حراك شعبي، نتيجة ممارسات ديكتاتورية واستبداد دام لسنوات عدة. فرُفعت شعارات المطالبة بالحرية وتحقيق الديمقراطية. حيث تشاركت جميع الثورات في طريقة تحقيق هذه المطالب، وذلك بوجوب محاربة الاستبداد.
فكانت المعادلة التالية، وهي من أجل سقوط الاستبداد وجب إسقاط نظام الاستبداد، كيف هذا؟ كيف يمكن إسقاط نظام الاستبداد من طرف مجتمع مستبد؟
مجتمع يغلبه الاستبداد في طبيعته البشرية، في طريقة تفكيره، كيف يمكن أن يتحدث شعب عن الديمقراطية والحرية، وهو غير متشبع بمبادئها، لا يمارسها حتى مع نفسه ومحيطه؟
فكان لتحقيق الديمقراطية حسب منطق الشعوب الثائرة، بدل إسقاط الاستبداد بإسقاط الحكام، وجب عليهم محاربة الاستبداد داخلهم وداخل مجتمعاتهم الصغيرة «مجتمع الأسرة»، ثم بتدرج يسقط الاستبداد الأكبر.
فبعد فشل العديد من الثورات من أجل تحقيق الاستقرار واختيار حكومة تمثل الشعب وتوحيد رؤية واحدة، فما السبيل من أجل تحقيق الحرية والديمقراطية؟ كيف يمكننا تحقيق التغيير الذي طمحنا إليه كشباب؟
إن الديمقراطية والحرية لا تتحقق إلا عند بناء الإنسان، بناء الحضارة، والتحدي الحقيقي والجهاد الأكبر هو صناعة الحضارة. فالتغيير عن حضارة قوية هو أساس التغيير الحقيقي نحو الأفضل، أما إسقاط الاستبداد في ظل مجتمع فاسد فلن يغير شيئًا، ولن ينتج سوى مستبد آخر.
بناء الحضارة وبناء الإنسان هو التوجه السليم من أجل تحقيق التغيير المنشود، حيث وجب على الشباب والباحثين والفاعلين بالمجتمع المدني تأسيس مجموعة من المبادرات والمراكز، لنشر الوعي لدى الشعوب، لتثقيف الشعوب في مجموعة من الحقول المعرفية، تدريب الشعوب على ملكة التفكير وإنتاج الحلول، تربية الشعوب على التحكم بعواطفهم وتقبل الرأي والرأي الآخر، أيضًا بناء الإنسان داخل إنسانهم، بغية بناء مجتمع واعٍ بتحديات المستقبل، مجتمع له رؤية وأهداف طموحة.
فمستقبل المجتمع أراه في بناء الإنسان، وحركات التغيير يجب أن تعمل على هذا البعد، وأن تعمل على توحيد القوى وتوجيهها من أجل بناء حضارة هدفها الإنسان وغايتها ووسيلتها أيضًا.
الكل يعرف قصة سور الصين العظيم وهدف بنائه، فهو مشروع دفاعي متكامل له مجموعة من أبراج المراقبة، ويمتد لأكثر من 2000 كيلومتر، لكن بعد سنوات عدة تعرضت الصين لغزو الأعداء أكثر من مرة، ليس لضعف دفاع السور، لكن لتلقي حراس السور الرشوة، إذ أهملوا الصينيون بناء الحارس، أي بناء الإنسان في مقابل اهتمامهم ببناء السور، أي بناء العمران.
بناء الإنسان يرتكز على تحرير العقل من الأصنام والتخلف الناتج عن القولبة الاجتماعية التي تعرض لها منذ كان طفلًا، ودفعه نحو الإبداع والتفكير، ثم تنمية قدراته وروحه.
غير هذا ستنتهي جميع الثورات التي لم يكن أساسها هو بناء الإنسان بالفشل.
_____________________________________________________________________________________________
- جان جاك روسو. العقد الاجتماعي، ترجمة عادل زعيتر، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت الطبعة الثانية 1995، ص116.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست