شرف الإنسان وفضيلته وأفضليته التي فاق بها أصناف الخلق هي استعداده لمعرفة الله سبحانه وتعالى، التي هي في الدنيا جماله وكماله وفخره، وفي الآخرة عدته وذخره.
يقول الإمام أبو حامد الغزالي (450 – 505 هـ) رحمه الله ورضي عنه:
إن حقيقة الإنسان جوهر غير مادي، يتميز به على جميع المخلوقات، ويُطلق على هذا الجوهر أسماءٌ مختلفة، بينهما فوارق دقيقة، فهو الروح، وهو النفس وهو العقل وهو القلب.
لقد صِرنا بشرًا بهذا الجوهر المُدرِك العالمِ العارِف وليس بجارحة من الجوارح.
وهذا الجوهر هو المُخاطب والمُطالب والمُعاتب والمُعاقب.
إن العقل نور، بل هو أولى باسم النور من النور المعروف المحسوس، وعند إشراق نور الحكمة يصير الإنسان مبصرًا بالفعل بعد أن كان مبصرًا بالقوة.
العقل منبع العلم ومطلعه وأساسه، والعلم يجري منه مجرى الثمرة من الشجرة، والنور من الشمس والرؤية من العين، وهو وسيلة السعادة في الدنيا والآخرة.
والبهيمة مع قصور تمييزها تحتشم العقل، حتى إن أعظم البهائم بدنًا وأشدها ضراوة وأقواها سطوة إذا رأى صورة الإنسان احتشمه وهابه لشعوره باستيلائه عليه، لما خُص به من إدراك الحيل.
جاء في الأثر أن سيدنا عمر (رضي الله عنه) قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما اكتسب رجلٌ مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى، وما تم إيمان عبد ولا استقام دينه حتى يكمل عقله».
ولكل شيء دعامة؛ ودعامة المؤمن عقله فبقدر عقله تكون عبادته، أما سمعتم قول الظالمين لأنفسهم في النار:«لو كنا نسمع أو نعقل ما كنافي أصحاب السعير».
ولكل شيء آلة وعدة، وآلة المؤمن العقل.
ألا وإن لكل شيء مطية، ومطية المرء العقل، وأحسنكم دلالة ومعرفة بالحجة أفضلكم عقلًا. حكمة نبوية.
_و اعلم أن الناس اختلفوا في حد العقل وحقيقته، والحق الكاشف للغطاء أن العقل اسم يطلق بالاشتراك على أربعة معانٍ:
فالأول: الوصف الذي يفارق الإنسان به سائر البهائم، وهو الذي أراده الحارث بن أسد المحاسبي إذ يقول في حد العقل: إنه غريزة يتهيأ بها إدراك العلوم النظرية، وكأنه نور يُقذف في القلب به يستعد لإدراك الأشياء.
والثاني: هي العلوم التي تخرج إلى الوجود في ذات الطفل المميز بجواز الجائزات، واستحالة المستحيلات، كالعلم بأن الاثنين أكثر من الواحد وأن الشخص الواحد لا يكون في مكانين في وقت واحد.
والثالث: علوم تستفاد من التجارب بمجاري الأحوال.
والرابع: أن تنتهي قوة تلك الغريزة إلى أن يعرف عواقب الأمور.
والمُراد من مجمل القول أن العقل غريزي ومكتسب.
فالأول الذي يتميز به الإنسان عن سائر الحيوانات، والثاني هو ما يحصل بالنظر والاستدلال.
ويعتبر الغزالي أن معارف العقل جاهزة وكامنة فيه؛ فيقول: «إن هذه العلوم يجد الإنسان نفسه منذ الصبا مفطورًا عليها، ولا يدري متى حصل له هذا العلم ولا من أين حصل له، ولكنها على حد تعبيره تخرج بوجود الفاعل في إخراجها للوجود».
وشرف العقل وعظمته في جعله سببًا للتكليف وحمل الأمانة، وفهم الرسالة، ووسيلة لتحصيل العلم والمعرفة، الحاكم الذي لا يعزل وشاهد الشرع المزكي المعدل.
ولقد كان العقل من أعظم ما شرف به الله الإنسان وكرمه «ولقدكرمنا بني آدم».
والعقل هو تكريم الله للإنسان، شرّفه به على سائر المخلوقات، وبه يكون التفاضل بين الناس وهذه حقيقة فتجد من الناس البليد الذي لا يفهم إلا بعد تعب طويل من المعلم، والذكي الذي يفهم بأدنى رمز وإشارة، وإلى كامل تنبعث من نفسه حقائق الأمور بدون تعليم (خاص بمن اصطفاهم الله).
والعقل نور البصيرة التي يُعرف بها الله تعالى، ويتميز بها الإنسان عن البهائم حتى أدرك بها حقائق الأمور.
لا تسئ استخدامه لطفًا ولا تعطله عن العمل.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست