في الوقت الذي ما تزال فيه أصداء المسلسل المصري «الأسطورة» تسيطر على اهتمام الشعب المصري خاصة، والعربي عامة، ما بين مؤيد ومعارض، تمكنت لعبة «البوكيمون جو» بين عشية وضحاها أن تصبح حديث الساعة بين مختلف الفئات على مستوى العالم، لدرجة لا يمكن تخيلها أو استيعابها؛ ففي مصر، ومنذ اليوم الأول من إصدار التطبيق الخاص باللعبة في السادس من يوليو 2016م، وكلمة «بوكيمون» لقمة سائغة على ألسنة الجميع، وموضوع للحوار بين مختلف الفئات،«هههههههههه» في اللحظة التي أكتب فيها هذا السطر على جهاز الحاسب؛ إذا بتنبيه عبر جهازي المحمول يُفيد بأن هناك إشعارًا من حسابي عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» يتضمن تويتات حول هاشتاج #البوكيمون، لن أُسهب في بيان الاهتمام والنقاش والجدل والأهمية التي استحوذت عليها لعبة «البوكيمون جو»، سأترككم لاستعراض الصور التالية:
وحتى لا يُصيبنا هوس «البوكيمون» الذي اجتاح العالم، فلن نخوض مع الخائضين، ونُسهب في استعراض وبيان ما أحدثته هذه اللعبة من ضجة وزخم لم يحظ بهما كثير من قضايا اقتصادية وسياسية على درجة كبيرة من الأهمية، لذا سننظر للأمر بطريقة مختلفة؛ بحيث نستخرج الدورس المستفادة، والتأثيرات المختلفة التي يمكن أن تُفرزها مثل هذه الحالة «الاهتمام بلعبة البوكيمون»، على مختلف المجالات، نتناول فيما يلي تعريفـًا مقتضبًا بلعبة «البوكيمون جو».
البوكيمون كلمة يابانية مركبة، اختصارًا لما يُطلق عليه «وحش الجيب»، وهي لعبة قديمة انتشرت في تسعينات القرن الماضي «القرن العشرين»، وكانت تتم ممارستها عبر أجهزة البلاي جيم play game أوما يُعرف بـ«الأتاري» آنذاك، وكانت تُعرف باسم «بوكيمون بيكاتشو»، وتم تحويلها إلى مسلسل كرتوني أُطلق عليه اسم «إنمي» والذي تم دبلجته باللغة العربية وتم عرضه على القناة الثانية المصرية وإم بي سي عام 2000م، وأخيرًا استطاعت الشركة المالكة؛ وهي شركة نينتندوNintendo اليابانية، ومعها شركة بوكيمون جو Pokémon Go إعادة «البوكيمون» إلى الظهور مرة أخرى بعد أن قامت شركة نيانتك لابزLabs Niantic التي تندرج تحت ألفابت Alphabet الشركة الأم لشركة جوجل الأمريكية بتطوير تطبيق يتم تثبيته على الهواتف الذكية Smart Phone أو الأجهزة اللوحية Tabs التي تعمل بنظام تشغيل «أندرويد «Androidأو «أي أو إس IOS»، وبمجرد الانتهاء من ذلك، يتطلب الأمر القيام بعملية التسجيل وإنشاء حساب؛ ويتم تحديد الشكل الخاص باللاعب الجديد واختيار جنسه واختيار اسم له، بعد ذلك يمكن ممارسة اللعبة باصطياد البوكيمون الخاص بالمجموعة المتواجدة، والسؤال الذي يشغل بال الجميع: كيف تظهر هذه الكائنات «حيوانات البوكيمون» في الواقع الحقيقي؟ الإجابة علي هذا السؤال هي محور الفقرة التالية.
تقنية الواقع المعزز Augmented Reality
قبل أن نتعرف على تقنية الواقع المعزز AR وماهيتها، يستلزم الأمر الإشارة إلى تقنية أخرى شديدة الشبه والارتباط بتقنية الواقع المعزز؛ هذه التقنية هي تقنية الواقع الافتراضي Virtual Reality،
وهذه التقنية أو مصطلح «الواقع الافتراضي» مصطلح يتم تداوله كثيرًا بين الناس للإشارة إلى عالم الإنترنت، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن التعريف الدقيق لهذا المصطلح هو «تقنية تتيح إنشاء بيئة مشابهة للواقع الحقيقي بواسطة الحاسوب عن طريق أداة أو أكثر؛ شاشة الحاسب، أو السماعات المجسمة للصوت أو النظارات، وهي تقنية تعتمد على تقديم صورة مشابهة للواقع في أماكن لا يمكن للإنسان الوصول إليها أو إنشاؤها»، كما يمكن تعريفه أيضًا بأنه «تجسيد تخيلي بوسائل تكنولوجية متطورة للواقع الحقيقي، لكنه ليس حقيقيًا، بحيث يُعطينا إمكانيات لا نهائية للضوء والامتداد والصوت والإحساس والرؤيا واضطراب المشاعر كما لو أننا في الواقع الفيزيائي الطبيعي الملموس»، وعلى هذا فإن الواقع الافتراضي هو تقنية يتم من خلالها عزل الإنسان عن الواقع الحقيقي ووضعه في واقع خيالي باستخدام عدد من الأدوات المـُعدة لذلك، بصفة عامة فإن الواقع الافتراضي هو كل شيء يجعلك تشعر أنك موجود في مكان ما؛ مع أنك غير موجود فيه فعليًا.
أما الواقع المعزز أو الموسع– كما يُطلق عليه في بعض الأحيان- فهو تقنية يتم من خلالها إضافة مؤثرات ومعلومات إضافية إلى البيئة المحيطة بالإنسان؛ بحيث يُمكن مشاهدة هذه البيئة بطريقة مختلفة في الواقع المحيط، وتُعرف تقنية الواقع المعزز: بأنها «نظام يعمل على الدمج بين الواقع الافتراضي والبيئة الواقعية؛ وذلك من خلال تقنيات وأساليب خاصة»، كما تعُرف أيضًا بأنها «إضافة بيانات رقمية وتركيبها وتصويرها باستخدام طرق عرض رقمية للواقع الحقيقي للبيئة المحيطة بالكائن الحي، وغالبًا ما يرتبط الواقع المعزز بأجهزة كمبيوتر يمكن ارتداؤها أو أجهزة ذكية يمكن حملها وبتطبيق ذلك على لعبة «البوكيمون جو» نجد أنه باستخدام تقنية الواقع المعزز، تم إضافة مؤثرات ومعلومات إضافية؛ هي ظهور أشكال وكائنات غير موجودة بالواقع «حيوانات البوكيمون» من خلال كاميرا الهاتف الذكي.
ويشير اتجاه صناعة كلٍّ من الواقع الافتراضي والواقع المعزز إلى توسعهما خارج دائرة الترفيه واللعب، بل دخولها مجالات الصناعة والإنتاج المختلفة؛ حيث تشير بعض التقارير الصحفية إلى أن استخدام تقنية الواقع المعزز يُعد مفيدًا في مجالات مثل: العمليات التجارية، والخدمات اللوجستية، والتجزئة، حيث تزداد الحاجة للحصول على المعلومات بشكل سريع.
مما سبق يُلاحظ أن تقنية الواقع المعزز، التي تعتمد عليها لعبة «البوكيمون جو» في ظهور كائنات أو حيوانات البوكيمون في الواقع عبر كاميرا الهاتف الذكي، يمكن أن تكون جزءًا أساسيًا من تفسير الهوس الذي اجتاح العالم بسبب لعبة «البوكيمون جو»، والتي أصبحت بين عشية وضحاها حديث العالم، وأصبحت التطبيق الأول من حيث عدد مرات التحميل، وارتفعت القيمة السوقية لأسهم الشركة المنتجة لها بنسبة تصل إلي 25%؛ حيث وصلت إلى 7,5 مليار دولار، ناهيك عن الأرباح المحققة والتي تباينت الأرقام الخاصة بها.
لا أُخفي أني أصابني الهوس الذي أصاب غيري بلعبة «البوكيمون جو»، ولكنه هوس من نوع آخر؛ فالهوس الذي أصابني في بداية الأمر كان البحث عن أسباب الضجة التي أحدثتها هذه اللعبة في وقت قياسي، وكيفية الاستفادة من هذه الظاهرة، والدروس المستفادة منها، وهو ما جعلني أبدأ في كتابة هذا المقال، وأثناء كتابتي له تحول هذا الهوس إلى شكل آخر؛ حيث كنت أتجول بين طرقات الشقة التي أسكنها وكأني أحد لاعبي البوكيمون جو أبحث عن تلك الكائنات- رغم أني لم أمارس اللعبة بعد – ليس هذا فقط بل إن حيوانات البوكيمون استمرت في مطاردتي أثناء النوم، ولم أتخلص من هذا الهوس إلا بعد القراءة عن تقنية الواقع المعزز وكيفية استخدامها في مجال الترفيه والمجالات الأخرى كالتعليم والإعلام والدعاية وغير ذلك من استخدامات لم يتم انتشارها أو تطبيقها على نطاق واسع، إلا أن ما أحدثته لعبة «البوكيمون جو» سيفتح الطريق أمام تقنية «الواقع المعزز» لاستخدامها في مختلف المجالات.
ونختتم حديثنا عن الوكيمون جو بما يمكن استنتاجه أو استخلاصه من دروس مستفادة وعلاقات نتجت عن ظاهرة البوكيمون:
أهمية اقتصاد المعرفة كبديل إستراتيجي وحيوي للدول النامية ودول الخليج التي تبحث عن تنويع اقتصادياتها.
في حين كانت الأرض والعمالة ورأس المال هي العوامل الثلاثة الأساسية للإنتاج في الاقتصاد التقليدي، أصبحت المعرفة عاملًا أساسيًا ومحوريًا في اقتصاد القرن الواحد والعشرين؛ والذي يُعرف باقتصاد المعرفة؛ وهو ذلك الاقتصاد الذي تحقق فيه المعرفة الجزء الأكبر من القيمة المضافة، وهو ما يعني أن المعرفة تشكل مكونًا أساسيًا في العملية الإنتاجية، بتطبيق هذا على لعبة «البوكيمون جو»، نجد أن إجمالي الاستثمارات التي تم رصدها لهذه اللعبة لم تتجاوز 30 مليون دولار، وتمت هذه الاستثمارات داخل معامل شركة نيانتك الأمريكية من خلال بعض المتخصصين، ترتب على هذه الاستثمارات أرباح تتعدى حجم هذه الاستثمارات أضعاف مضاعفة، معنى هذا أن المعرفة كانت هي العامل الأساسي في العملية الإنتاجية ومعها نسب ضئيلة من رأس المال والأرض، في حين أن دولًا تنفق استثمارات بالمليارات للحصول على بعض الملايين؛ والأمثلة على ذلك كثيرة، منها ما تم إنفاقه مؤخرًا من استثمارات تُقدر بـ8 مليارات دولار على التفريعة الجديدة لقناة السويس، ولم يترتب على هذه الاستثمارات أية عوائد تُذكر حتى الآن، كذلك بالنسبة لدول الخليج التي تستثمر مليارات الدولارات لاستخراج النفط الخام، ولا يترتب على هذه الاستثمارات عوائد تتناسب وحجم الأموال المستثمرة، وهو ما يجعلنا نؤكد على أهمية اقتصاد المعرفة للدول النامية والتي لا تملك مواردًا كافية تجعلها تحقق تنمية حقيقية، وأهميته أيضًا بالنسبة لدول الخليج التي تعاني عجزًا في ميزانياتها بسبب انخفاض أسعار النفط، باعتبار اقتصاد المعرفة أحد أهم إستراتيجيات التنويع الاقتصادي.
أهمية التعليم في عملية التنمية
لا شك أن أهم مقومات اقتصاد المعرفة هو التعليم؛ فلا يُمكن لدولة ما تصبو إلى تحقيق تنمية اقتصادية أو اجتماعية أن يتحقق لها ذلك إلا من خلال نظام تعليمي متاح للجميع، ويتأسس على زرع روح الابتكار والمعرفة منذ المراحل الأولى منه، وهذا يتبلور من خلال ما يتم إنفاقه على التعليم، لذا فإن أحد مؤشرات اقتصاد المعرفة، هو قيمة الإنفاق على التعليم بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يجعلنا نؤكد على أن تحقيق التنمية يرتبط ارتباطـًا طرديًا مع الإنفاق، وأن الجباية وفرض الضرائب بمسمياتها المختلفة لا يمكن أبدًا أن يكون في صالح عملية التنمية كما يظن بعضهم.
تنامي وتعاظم دور مواقع التواصل الاجتماعي في مختلف المجالات
لا شك أن التطور الهائل الذي أحدثته تطبيقات الإنترنت، وما ترتب عليها من سرعة وصول وانتشار أحدث تغيرات جذرية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعسكري، فها هي مواقع التواصل الاجتماعي تتغلغل في حياة الإنسان إلى أن صارت جزءًا أساسيًّا من حياته اليومية؛ فمن خلالها يتواصل مع أصدقائه وأقاربه وجيرانه، وينشئ علاقات جديدة مع أشخاص لم يعرفهم من قبل؛ فيتبادل معهم الخبرات والثقافات المختلفة، ويتعرف على أخبار العالم من حوله بطريقة سريعة وغير مكلفة، ويحصل على البيانات والمعلومات التي يحتاجها، ومن خلالها أيضًا يقوم بعملية الشراء والبيع والتسويق لمختلف الأفكار والمنتجات، ولعل أشهر مكالمة في التاريخ كانت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي؛ تلك المكالمة التي أجراها أردوغان مساء الجمعة في الخامس من يوليو، بالصحفية التي بثتها بطريقة ما للشعب التركي، وبدوره خرج الشعب التركي إلي الشارع ليعلن فشل انقلاب الجيش على أردوغان، لعل هذه المكالمة توضح إلي أي مدى أصبحت علاقة مواقع التواصل الاجتماعي بحياة الإنسان.
وفي النهاية، فإن كل ما سبق، يؤكد نتيجة أساسية، هي أن الإنسان «خليفة الله في الأرض» بما حباه الله من عقل، في ظل بيئة مواتية سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا يُتاح فيها نظام تعليمي مناسب، هو العامل الأول في إحداث التنمية بمختلف أنواعها.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست